مخلفات "داعش" تنهك الموصل... رفات بشرية تنكأ جراحاً لم تندمل

19 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 12:30 (توقيت القدس)
مقبرة جماعية لضحايا داعش في الموصل، العراق، 17 أغسطس 2025 (إسماعيل عدنان يعقوب/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بعد سبع سنوات من تحرير الموصل، لا تزال المدينة تكتشف رفات بشرية لضحايا مجهولي الهوية، مما يفتح جراح الأهالي وملف المفقودين والمقابر الجماعية، مع تقديرات بوجود مئات الجثث تحت الأنقاض في نينوى.

- العثور على رفات بجانب بطاقة شخصية يعكس الحاجة لبرنامج وطني لتحديد مصير الضحايا، حيث يطالب الناشطون الحكومة بتحمل مسؤولية هذا الملف الإنساني وضمان حقوق العائلات.

- يعاني الأهالي من تعليق ملف المفقودين، مطالبين الحكومة والمنظمات الدولية بمعرفة مصير أحبائهم ودفن رفاتهم بكرامة.

بعد أكثر من سبعة أعوام على تحرير مدينة الموصل شمالي العراق من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، ما زالت شوارعها وأنقاض أحيائها المدمرة تحفظ كثيراً من أسرار تلك الحقبة الزمنية، وتُظهر من حين إلى آخر رفاتاً بشرية تعود لضحايا مجهولي الهوية. في هذا الإطار، أعلنت مصادر محلية في محافظة نينوى، أمس الخميس، العثور على رفات في أحد أحياء المدينة، الأمر الذي ينكأ جراح الأهالي الذين لم يتعافوا بعد ويعيد فتح ملف المفقودين والمقابر الجماعية.

وتقدّر منظمات إنسانية بأنّ رفات مئات من ضحايا تنظيم داعش ما زالت تحت الأنقاض في محافظة نينوى، ولا سيّما مدينة الموصل القديمة فيها، مع توقّف عمليات رفع تلك الأنقاض. ويُحكى عن جثث مدينيين عالقة يتراوح عددها ما بين 700 جثة وألف، لكنّ العدد قد يرتفع إلى ضعفَيه عند رفع أنقاض مبانٍ إضافية.

ونقلت محطات إخبارية عراقية عن مصادر محلية في الموصل أنّه عُثر على رفات بشرية في خلال أعمال رفع ساتر ترابي في مجمّع الجزيرة التابع لناحية القحطانية في محافظة نينوى. وأشارت إلى أنّ "قوة أمنية عثرت على بطاقة شخصية بجانب الرفات، تعود للمواطن سيدو عباس جوكو من مواليد 1984"، وأضافت أنّ "ذويه تمكّنوا من التعرف إليه من خلال البطاقة"، وتابعت أنّ "قاضي التحقيق قرّر إحالة الرفات إلى دائرة الطب العدلي في العاصمة بغداد، لغرض إجراء المطابقة والتعرّف إليها رسمياً".

وتتكرّر عمليات العثور على هياكل عظمية وغيرها من الرفات في الموصل بمحافظة نينوى، التي تُعَدّ من أكثر المحافظات العراقية التي تعرّضت لأضرار في خلال احتلالها من تنظيم داعش وما أعقب ذلك من معارك لتحريرها. ويقول الناشط العراقي في مجال حقوق الإنسان في الموصل دريد الشمري لـ"العربي الجديد" إنّ "العثور على رفات متفسّخة في محافظة نينوى يعكس الحاجة الملحة إلى برنامج وطني شامل، من شأنه تحديد مصير الضحايا فيها الذين ما زال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم".

ويرى الشمري "وجوب أن تتحمّل الحكومة المركزية كما المحلية مسؤولية هذا الملف الإنساني، وأن تعملا على متابعته بكلّ تفاصيله، مع ضمان حقوق عائلات الضحايا"، مشيراً إلى أنّ "الحكومة تأخّرت كثيراً في حسم هذا الملف الحساس، الأمر الذي يترجم العرقلة التي يتعرّض لها وكذلك الإهمال"، ويلفت إلى أنّ "بقاء الرفات تحت الأنقاض أو في مواقع غير مؤمنة يهدّد كذلك بفقدان الأدلة الجنائية المرتبطة بجرائم الحرب، ويؤخّر عملية تحقيق العدالة للضحايا"، محذّراً من "غياب خطة شاملة لمعالجة الملف، الأمر الذي يؤثّر على الأهالي بطريقة سلبية".

وما زال عراقيون كثيرون، في الموصل خصوصاً ونينوى عموماً، يعانون من جرّاء إبقاء هذا الملف معلّقاً، فيما يبقى البعد الإنساني هو الأشدّ وقعاً. ويحمّل ذوو الضحايا والمفقودين في الموصل ونينوى الحكومتَين المركزية والمحلية مسؤولية إهماله وتجاهل رفع الأنقاض، على الرغم من المناشدات الكثيرة التي أُطلقت.

الحاجة أم عبد الله فقدت زوجها في عام 2016، ولم تتلقَّ "أي خبر عنه حتى اليوم". وتقول لـ"العربي الجديد": "كلّما سمعت خبراً عن عملية عثور على رفات في الموصل أشعر بأنّ إحداها تعود إلى زوجي"، مؤكداً أنّ "الانتظار وعدم ضمان النتيجة يقتلاننا كلّ يوم". من جهته، يبحث مهند الحمداني عن أخيه المفقود في الموصل منذ أكثر من سبعة أعوام، ويقول لـ"العربي الجديد": "نريد أن نعرف الحقيقة فقط. لا نطلب شيئاً سوى معرفة مصير ذوينا، وأن ندفن رفاتهم في حال كانوا أمواتاً"، داعياً الحكومة والمنظمات الدولية إلى "عدم ترك عائلات المفقودين والضحايا تواجه مصيرها وحدها".

وتُعَدّ محافظة نينوى من أكثر المحافظات العراقية التي شهدت معارك كبيرة في خلال العقد الأخير، ولا سيّما بعدما احتلّها تنظيم داعش في صيف عام 2014 لسنوات. وقد سبّبت تلك الحقبة سقوط مئات الضحايا من الأهالي على يد التنظيم، كذلك شهد تحرير المحافظة معارك قاسية وقصفاً مكثّفاً من القوات العراقية والفصائل المسلحة، الأمر الذي أدّى إلى دمار كبير في المحافظة، ومدينة الموصل فيها خصوصاً، ما نجم عنه أعداد من الجثث العالقة تحت الأنقاض.

المساهمون