مدارس درعا... إلى أين يذهب النازحون قبل العام التعليمي؟

02 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 02 سبتمبر 2025 - 10:42 (توقيت القدس)
في مدرسة بمحافظة درعا تحوّلت إلى مركز إيواء للنازحين، 21 يوليو 2025 (بكر القاسم/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه محافظة درعا أزمة حادة مع اقتراب العام الدراسي 2025-2026، حيث تحولت المدارس إلى مراكز إيواء للنازحين، مما يهدد العملية التعليمية ويزيد من قلق العائلات النازحة.
- تعيش العائلات النازحة في ظروف صعبة مع غياب الخصوصية والرعاية الصحية، وتعتمد على مساعدات متقطعة من منظمات أهلية، بينما تغيب المساعدات الرسمية، مما يزيد من شعورهم بالخذلان.
- تسعى السلطات لإيجاد حلول بديلة لاستيعاب النازحين، مثل استخدام مبانٍ حكومية، لكن غياب الدعم الكافي يجعل الحلول غير كافية، مما يضغط على القطاع التربوي.

مع اقتراب العام الدراسي 2025-2026، يبدو الوضع مأزوماً في درعا، إذ تحوّلت مدارس عديدة إلى مراكز إيواء لنازحين من ريف درعا والسويداء وسط الأوضاع المتدهورة في جنوب سورية، ولا سيّما بعد الحوادث الأخيرة.

في مراكز الإيواء المؤقتة، ولا سيّما المدارس، طال "الوضع المؤقت" الذي ظنّت عشرات العائلات النازحة من بلدات ريف درعا الغربي وريف السويداء بالجنوب السوري أنّه سوف ينتهي في خلال أيام. وكان من المفترض أن تمثّل تلك المراكز، خصوصاً في مدينة درعا، محطة انتقالية قصيرة الأمد، غير أنّها تحوّلت إلى واقع، يجد النازحون فيه أنفسهم عالقين في غرف ضيّقة تغيب عنها أبسط مقوّمات الحياة الكريمة، فيما يُطرَح السؤال حول مصير هؤلاء مع فتح المدارس أبوابها للعملية التعليمية من جديد.

ويفيد مصدر مسؤول لدى مديرية التربية في درعا "العربي الجديد" بأنّ السلطات كانت قد أعدّت "خطة لنقل النازحين إلى معسكر تابع لطلائع البعث سابقاً، عند أطراف المدينة، إذ إنّه أكثر اتساعاً وقادراً على استيعاب هؤلاء في ظروف أفضل. لكنّ المشروع توقّف بصورة مفاجئة بعد إنجاز التحضيرات الأولية، من دون إعلان رسمي عن سبب الإلغاء". يضيف المصدر أنّ "الذين كانوا ينتظرون الانتقال إلى مكان أكثر ملاءمة، وجدوا أنفسهم عالقين حيث هم، في غياب البنية التحتية والخصوصية والرعاية الصحية اللازمة".

ويشير المصدر المسؤول نفسه إلى "حديث عن خلافات إدارية ومالية وراء إيقاف المشروع، في أوساط المعنيين بملف النازحين، في حين يرى آخرون أنّ نقل النازحين إلى المعسكر (المشار إليه آنفاً) يعني تظهير حجم الأزمة أمام الرأي العام، الأمر الذي تحاول السلطات تجنّبه". ومع غياب الشفافية، يواصل النازحون حياتهم اليومية وسط قلق مسيطر، علماً أنّهم يعتمدون على مساعدات متقطعة من منظمات أهلية صغيرة، فيما تغيب المساعدات الرسمية إلا في حدودها الدنيا.

فضة المقداد، أم حسن، نازحة من ريف درعا، تشكو لـ"العربي الجديد" من أنّ مركز الإيواء "لا يصلح للعيش لمدّة طويلة، لكنّنا لا نملك خياراً آخر". تضيف: "وعدونا، في أكثر من مرّة، بنقلنا إلى مكان أفضل، ثم اختفت كلّ الوعود"، كأنّما كلماتها تختصر شعوراً عاماً بالخذلان في أوساط العائلات التي تعبت من الانتظار ومن الترقّب بلا جدوى.

من جهته، يتحدّث خالد الناصر، الذي نزح من ريف درعا الغربي مع زوجته وأطفاله الأربعة، لـ"العربي الجديد" فيما يجلس على مقعد خشبي مكسور بإحدى غرف المدرسة التي كانت مخصّصة في يوم للصّف السادس. يضيف: "ابني الصغير يسألني كلّ يوم متى سوف يرجع إلى المدرسة، وأنا لا أعرف بماذا أجيب. نحن نقيم في غرفة صفّ، وأخشى أن يبدأ العام الدراسي فيما نحن هنا". ويبتسم بمرارة، وهو يشير إلى سبورة ما زالت تحمل آثار دروس قديمة في الحساب، ويقول: "لو كان بإمكانهم أن يتركونا هنا فيتابع أولادنا تعليمهم في هذا الصفّ، ربما كان الوضع أسهل".

ولا يختلف وضع نجاح السلامة، الشهيرة بأم محمد، النازحة من ريف السويداء إلى المدرسة نفسها التي تحوّلت مركز إيواء بمدينة درعا، علماً أنّها تقيم حالياً مع ابنتَيها في غرفة كانت مخصّصةً لمختبر العلوم. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ أصعب ما تواجهه هو غياب الخصوصية؛ "كل شيء مشترك من الحمامات إلى المطبخ، وحتى النوم أحياناً". تضيف: "لا أستطيع العيش هكذا، لكنّ ما من خيار أمامي". ومع اقتراب موعد العودة إلى المدرسة، تخشى من أن تجد نفسها مضطرة إلى مغادرة هذا المركز من دون وجهة محدّدة، وتردف "قالوا إنّنا سوف نُنقل إلى معسكر الطلائع، ثمّ لاذوا بالصمت. في حال أخرجونا من هنا قبل إيجاد مكان آخر لإيوائنا، سوف نصير في الشارع".

فتاة نازحة في قاعة مدرسة في درعا - جنوب سورية - 21 يوليو 2025 (عز الدين قاسم/ الأناضول)
فتاة نازحة في قاعة مدرسة بدرعا جنوبي سورية، 21 يوليو 2025 (عز الدين قاسم/ الأناضول)

من جهته، يجد الحاج أبو محمود، ستّيني نزح من ريف درعا برفقة زوجته المصابة بمرض في القلب، صعوبة بالغة في التكيّف مع الحياة في مركز إيواء. يقول لـ"العربي الجديد"، وهو يجلس على فراش مهترئ في زاوية إحدى قاعات الدراسة، إنّ "زوجتي تحتاج إلى جرعة دواء يومية، وأحياناً لا نجده إلا بعد بحث طويل وبتكاليف لا قدرة لنا عليها". ويشكو من أنّ "أحداً لا يفكّر في كبار السنّ أو المرضى هنا. كلّ التركيز على الطعام والمأوى، لكن ماذا عن صحتنا؟". ويتوقّف أبو محمود قليلاً قبل أن يضيف: "كنت أعمل فلاحاً في أرضي، والآن صرت عاجزاً حتى عن توفير حبّة دواء"، مشيراً إلى أنّ "كلّ ما أتمنّاه مكان هادئ لا أكثر".

والقضية اليوم لم تعد تتعلّق بحقّ توفير سكن للنازحين فحسب، إنّما كذلك بحقّ آلاف التلاميذ الذين ينتظرون العودة إلى صفوفهم. ويترجم المشهد عجزاً رسمياً عن إدارة الملف. في سياق متصل، يوضح رئيس لجنة الطوارئ في درعا حسين نصيرات لـ"العربي الجديد" أنّ "المحافظة تستضيف نحو ستة آلاف أسرة نازحة موزّعة على عشرات المدارس في أكثر من 30 مدينة وبلدة، الأمر الذي يمثّل ضغطاً كبيراً على القطاع التربوي مع اقتراب موعد انطلاق العام الدراسي الجديد". ويبيّن أنّ "هذا العدد يتجاوز القدرة الاستيعابية للمرافق التعليمية، خصوصاً أنّ نحو 100 مدرسة كانت قد خرجت سابقاً عن الخدمة نتيجة القصف، فيما تُستخدَم نحو 70 مدرسة للإيواء راهناً".

يضيف نصيرات أنّ "الواقع الميداني يزداد تعقيداً، إذ إنّ مدناً، مثل مدينة درعا وحدها، تضمّ 21 مدرسة تُستخدَم مراكز إيواء لنحو 2.450 عائلة، في حين لجأت أكثر من ألف عائلة أخرى إلى الإقامة عند الأقارب". ويتابع أنّ "لجان الطوارئ تسعى إلى التخفيف من الضغط عبر اقتراح استخدام مبانٍ حكومية أو قاعات عامة مراكز إيواء بدلاً من المدارس"، لكنّه يشدّد على أنّ "غياب الدعم الكافي، سواء من المنظمات الدولية أو من المؤسسات المحلية، يجعل الحلول المطروحة حتى الآن غير كافية لتأمين استقرار النازحين أو ضمان سير العملية التعليمية".

بدوره، يقول مدير التربية في محافظة درعا محمد الكفري لـ"العربي الجديد" إنّ "الاستمرار في استخدام نحو 70 مدرسة مراكز إيواء للنازحين يهدّد العملية التعليمية بصورة مباشرة"، مشيراً إلى أنّ "مديرية التربية أصدرت في منتصف أغسطس/ آب المنصرم قراراً يقضي بتطبيق نظام الدوامَين الصباحي والمسائي في المناطق الأكثر اكتظاظاً، في محاولة للتخفيف من الضغط على المباني المتاحة، غير أنّ هذا الحل يبقى مؤقتاً ولا يمكن أن يعالج جذور المشكلة".

ويتابع الكفري أنّ المديرية تنسّق مع المحافظة والمنظمات المحلية والدولية لإعداد خطة تدريجية لإخلاء المدارس من النازحين، لكنّه يشدّد على أنّ "الوقت يداهمنا، فالعام الدراسي الجديد يبدأ في 21 سبتمبر/ أيلول الجاري، ومن الصعب إخراج آلاف النازحين من هذه المراكز في خلال فترة قصيرة من الزمن، ومن دون بدائل تحفظ كرامتهم وتوفّر لهم الحد الأدنى من الاستقرار". ويؤكد مدير التربية في محافظة درعا: "نحن أمام معادلة صعبة: حماية حقّ الأطفال النازحين في السكن، وحقّ تلاميذ المحافظة في التعلّم"، محذّراً من أنّ "في حال لم تتوفّر حلول بديلة عاجلة، فإنّ العملية التعليمية سوف تدخل في حالة ارتباك غير مسبوقة".

تفيد بيانات وزارة التربية والتعليم السورية بأنّ عدد التلاميذ في محافظة درعا بنحو 272 ألفاً موزّعين على مختلف المراحل التعليمية، فيما تضمّ المحافظة 958 مدرسة حكومية، من بينها 881 مدرسة قيد الخدمة، في حين خرجت نحو 121 أخرى عن الخدمة بسبب الأضرار التي لحقت بها الناجمة عن القصف والاشتباكات. ويأتي ذلك إلى جانب تحوّل 70 مدرسة إلى مراكز إيواء للنازحين، ليزيد الضغط على القطاع التربوي ويثير المخاوف بشأن قدرة المنشآت التربوية في درعا على استقبال التلاميذ مع بداية العام الدراسي. بالتالي، يشدّد مسؤولون تربويون على أنّ الوضع يستدعي اتّخاذ خطوات عاجلة لضمان استقرار العملية التعليمية.

في أحد أروقة مدرسة تحولت مركز إيواء في درعا - جنوب سورية - 21 يوليو 2025 (بكر القاسم/ الأناضول)
في أحد أروقة مدرسة تحوّلت مركز إيواء في درعا جنوبي سورية، 21 يوليو 2025 (بكر القاسم/ الأناضول)

في الإطار نفسه، ترى الباحثة الاجتماعية ميسم البردان أنّ "الأزمة الحالية في درعا تتطلب خطوات عاجلة وفعّالة، تبدأ من إعادة تأهيل المباني المدرسية المتضرّرة وتسريع إخلاء تلك التي تحوّلت إلى مراكز إيواء للنازحين، مع ضمان توفير بدائل إنسانية تليق بالعائلات التي تعيش ظروفاً قاسية"، بعدما هُجّرت من منازلها. وتشير البردان لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "التوسّع في خيارات التعليم البديل، سواءً من خلال مدارس ميدانية مؤقتة أو منصات تعليمية رقمية، قد يمثّل وسيلة للتخفيف من الضغط عن المؤسسات التربوية التقليدية". تضيف البردان: "لا يمكن تجاهل الحاجة الماسة إلى دعم نفسي وتربوي للأطفال الذين انقطعوا عن التعليم لفترات طويلة، إذ إنّهم في حاجة إلى بيئة تعليمية مستقرّة وسليمة تساعدهم على التعويض عن الفاقد الدراسي والنفسي".

وتبدو الحال مشابهة في مدارس السويداء التي تؤوي نازحين من المحافظة نفسها، بعد الحوادث الدامية الأخيرة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مناطق أخرى في الجنوب السوري حيث قضايا النزوح والإيواء ما زالت رهينة الهشاشة الرسمية في التعامل مع واحدة من أكثر الأزمات إلحاحاً منذ سنوات.

المساهمون