مراكز الإيواء... نازحون لبنانيون لا يملكون قرار العودة

29 نوفمبر 2024
نازحون داخل كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية (العربي الجديد)
+ الخط -

فرغت معظم مراكز الإيواء من النازحين اللبنانيين الذين سارعوا إلى العودة إلى بلداتهم ومناطقهم بعد سريان وقف إطلاق النار، وانطلقت عمليات صيانة وإعادة تأهيل مراكز الإيواء، ومعظمها مدارس رسمية.

لم يتبق في مدارس ومراكز الإيواء في أنحاء لبنان سوى أعداد قليلة من النازحين الذين دُمرت منازلهم بشكل كامل أو أصبحت غير صالحة للسكن، وغالبية هؤلاء لا قدرة لديهم على استئجار منازل، فضلاً عن آخرين لا يملكون كلفة العودة، أو تعيقهم أوضاع صحية.

ووفق المعطيات الأولية، سجلت محافظة جبل لبنان مغادرة نحو 80% من النازحين مراكز الإيواء، وفي محافظة البقاع، لم يبقَ سوى ألفين و446 نازحاً موزعين على 11 مركز إيواء، بعد أن كانوا 14 ألفاً و517 نازحاً موزعين على 123 مركز إيواء، وفي محافظة الشمال، غادر ثمانية آلاف و914 نازحاً مراكز الإيواء، وبقي أربعة آلاف و470 نازحاً، وفي محافظة عكار (شمال)، تبقى 35 ألف نازح من أصل 69 ألفاً كانوا في مراكز الإيواء والمنازل.
وسجلت محافظة جنوب لبنان عودة ألفين و179 نازحاً من قضاء جزين وبقاء 58 نازحاً، بينما عاد تسعة آلاف و736 نازحاً من قضاء صيدا وبقي ألفان و297 نازحاً، وفي قضاء صور، ما زال هناك ألف و67 نازحاً، ولم يعد أحد بعد.
وكشفت غرفة إدارة الكوارث والأزمات في محافظة بيروت، الخميس، أنه "مع سريان وقف إطلاق النار، عادت آلاف العائلات النازحة إلى قراها في محافظتَي الجنوب والبقاع، وإلى الضاحية الجنوبية لبيروت وغيرها، لتفقد منازلها وممتلكاتها، ومنهم من بقي هناك، ومنهم من عاد كونه بحاجة إلى مركز إيواء. جرى تخصيص مركزَي إيواء هما قرية بنين التي استُحدثت في مدينة كميل شمعون الرياضية، وبيت الضيافة (فلورا) في منطقة الكرنتينا".

عادت آلاف العائلات النازحة إلى قراها في محافظتي الجنوب والبقاع

ويقول مصدر في وزارة التربية والتعليم العالي لـ"العربي الجديد": "بعد مغادرة النازحين من المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء، باشرت الوزارة أعمال التنظيف والصيانة، واعتباراً من الاثنين المقبل، سيعود التلاميذ إلى مدارسهم. أما المدارس التي بقيت فيها عائلات نازحة، فتأمين مأوى لهم مسؤولية لجنة الطوارئ الوزارية وغرف إدارة الكوارث والأزمات في المحافظات، إذ لا يمكن إغلاق مدرسة كاملة من أجل بضع عائلات، وبالنسبة للمدارس المتضررة في محافظة الجنوب وغيرها، نحن بصدد إجراء مسح شامل لتحديد حجم الأضرار، وبعضها أضرار تتطلب إمكانات كبيرة".
في مدرسة بيصور الرسمية (جبل لبنان)، ينهمك عمّال في تنظيف المدرسة استعداداً لعودة التلاميذ، بعد أن استقبلت 340 نازحاً عاد غالبيتهم إلى منازلهم وبلداتهم، في حين بقي فيها نحو 50 نازحاً (11 عائلة). عند مدخل المدرسة، يجلس عباس بدر الدين متحسراً على حال عائلته. يقول لـ"العربي الجديد": "نزحنا مع اشتداد القصف الإسرائيلي قبل شهرين، رفقة أبناء بلدتنا العباسية (جنوب)، واليوم، نحن عالقون هنا، فلا سيارة ولا إمكانات مادية لكلفة النقل إلى بلدتنا. أنا سائق تاكسي كنت أجني لقمة العيش بشكل يومي، ولا خيار أمامنا سوى الانتظار في مركز الإيواء ريثما نقوم بتأمين وسيلة نقل للعودة".
بدورها، تقول زوجته: "بيتنا دُمِّر، وعلمنا أن الأضرار جسيمة في البلدة، ناهيك بانعدام المياه والكهرباء. لا نملك أي مال، ولم نتلق أية مساعدة نقدية، علماً أن زوجة ابني حامل ومعها أطفالها، وبيتها أيضاً تضرر. لا نريد سوى مأوى يحفظ كرامتنا".

إعادة تأهيل المدارس بعد مغادرة النازحين (العربي الجديد)
إعادة تأهيل المدارس بعد مغادرة النازحين (العربي الجديد)

تطوعت المعلمة النازحة غزل خفاجة، خلال الفترة الماضية، لتعليم نحو 75 تلميذاً من أطفال النازحين، وهي تستعد رفقة زوجها لمغادرة مدرسة بيصور الرسمية باتجاه منزلها في الضاحية الجنوبية لبيروت. وتقول: "ننتظر نتيجة الكشف الهندسي للتأكد من سلامة المبنى، لذلك تركت ولديّ في مركز الإيواء، وفي حال وجدنا المنزل صالحاً للسكن، سأعود لاصطحابهما، وإلا سنبحث عن شقة للإيجار رغم أن راتب زوجي لا يتخطى 500 دولار أميركي، لكننا في كل الأحوال لن نبقى في مركز الإيواء".
في مدرسة عرمون الرسمية (جبل لبنان)، تجرى التحضيرات لعودة جميع التلاميذ بعد أن كانت المدرسة تستقبل قسماً منهم في بعض الصفوف وتدرّس الباقين عن بعد، إذ كانت تؤوي 124 عائلة نازحة، لم يبقَ منها سوى ثلاث عائلات. 
من داخل المدرسة، تقول النازحة من منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية داليا جابر: "لا نملك أجرة نقل أغراضنا ومقتنياتنا، وقد طلب أحدهم ستين دولاراً لنقلها، علماً أن وضعنا المادي سيئ، وننتظر المساعدة، خاصة أننا لم ننزح بسيارتنا، وإنما مع أهلي الذين عادوا إلى بلدتهم الجنوبية، ولم تتسع أغراضنا معهم. تفقد زوجي منزلنا في الضاحية، وقد تحطم فيه الزجاج والأبواب، لذا سنأخذ معنا الشوادر لإغلاق النوافذ". 
تأسف داليا، الأم لثلاثة أطفال، ما أصاب منزل عائلتها في بلدة كفركلا الحدودية من دمار، لكنها تؤكد: "الأهم أن الحرب انتهت، وأننا سنعود إلى مناطقنا، وأن منزلنا ما زال موجوداً، ولو بقيت فقط الجدران فستظل أرحم من معاناة النزوح. من بين العائلات الثلاث التي بقيت، عائلة لم تعد بسبب الوضع الصحي لابنتها، كونها خضعت لعملية جراحية قبل مدة وجيزة، وعائلة أخرى لا ترغب بالعودة قبل تأمين الكهرباء وبقية مستلزمات الحياة".

نازحون لبنانيون يغادرون مراكز الإيواء (العربي الجديد)
نازحون لبنانيون يغادرون مراكز الإيواء (العربي الجديد)

داخل مجمع المدارس في منطقة بئر حسن (بيروت)، يحزم محمود كربلة أمتعته، ويرفعها على سقف سيارة يملكها أحد أقاربه للعودة إلى منزله بمنطقة حي السلم في الضاحية الجنوبية. ويقول: "ذهبت الأربعاء لتفقد المنزل، لكنني لم أتمكن من الوصول إليه من جراء زحمة السير وأعمال رفع الردم. أنوي الذهاب رفقة عائلتي لتفقد المنزل والأضرار، وفي حال وجدناه، سنتدبر أمورنا، وفي حال لم نجده سنعود أدراجنا إلى مركز الإيواء. لن نبقى في ضيافة أحد، ولا نتطلع سوى إلى سقف يحمينا".

ويتحسر الأب لأربعة أولاد على فقدان عمله، إذ كان موظفاً في سوبرماركت بالضاحية الجنوبية، دُمّرت بدورها. يضيف: "لم نحصل على أية مساعدة نقدية، ولم نختبر طيلة فترة نزوحنا سوى الذل والبهدلة. لا نملك القدرة على استئجار شقة، أو حتى لشراء حاجياتنا الأساسية، ناهيك بغياب الخدمات من مياه وصرف صحي وكهرباء. لدي منزل في بلدة عين قانا (جنوب)، لكنه دمر مع منازل عائلتي هناك".
في مجمع المدارس نفسه، يقف الشاب شادي عز الدين حائراً بين رغبته بالعودة إلى مدينته صور، وبين عجزه عن توفير كلفة الوقود لسيارته التي استخدمها في النزوح يوم 23 سبتمبر/أيلول الماضي، وهو يتحدث عن أضرار جسيمة لحقت بمنزله، وحولته إلى مكان غير صالح للسكن. يضيف: "توفي والدي قبل سنوات، وأنا المسؤول عن والدتي وشقيقي وأختي. كنت أعمل في الطلاء، لكني اليوم أجهل مصيري. لا أعرف أين سنقيم، ولا يمكننا البقاء لدى الأقارب مدة طويلة، ولا خيار أمامنا سوى استئجار منزل صغير يؤوينا، وإعادة بناء حياتنا، والبحث عن عمل يؤمن قوت يومنا".
في كلية الإعلام والتوثيق بالجامعة اللبنانية (بيروت)، يستعد من تبقوا من النازحين للمغادرة بعد أن وصلتهم تعليمات بضرورة الإخلاء. ويقول النازح هاني الدلباني إنه لم يعد فور وقف إطلاق النار كون منزله في منطقة الليلكي بالضاحية الجنوبية دمّر بشكل كلي. ويضيف: "تريّثت لحين تدبير المال، واستأجرت غرفة بمنافعها في منطقة الأوزاعي. لا يمكنني استئجار منزل، فقد خسرت عملي، ولم يعد أمامي سوى البحث عن عمل جديد".

بدورها، تؤكد النازحة من منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية سوسن دايخ: "تفقّدت منزلي، ووجدت أن الأضرار لحقت بالأبواب والنوافذ، ولا يمكن العيش فيه خلال الشتاء، لذا عدت إلى مركز الإيواء، لكن أُبلغنا بضرورة المغادرة. كان الأحرى بهم أن يمنحونا بعض الوقت لترتيب أمورنا، لكننا اليوم أمام حقيقة العودة المرّة، رغم فرحتنا بانتهاء العدوان".
من جانبه، يؤكد اللاجئ السوري هلال الهلال، النازح من الضاحية الجنوبية، أنه أصبح مشرداً في شوارع بيروت، بعد إبلاغه بضرورة ترك مركز الإيواء في كلية الإعلام. ويقول: "دمرت الشقة التي كنت أسكنها في الضاحية، وكذلك المقهى الذي كنت أعمل فيه، وحالياً سيكون الشارع ملاذي الوحيد".
بالمثل، دمر مكان إقامة اللاجئة السورية بتول نمر في الضاحية الجنوبية، واضطرت لاستئجار منزل في منطقة الطريق الجديدة (بيروت). وتقول: "المنزل يسكنه أحد النازحين، ولن يتركه إلا بعد يومين. سأنام فعليّاً في الشارع رفقة طفليّ، وسأواصل عملي في تنظيف المنازل كي أتمكن من دفع الإيجار".
يتحلق سبعة أطفال حول والدهم عباس، الذي يجهز الأغراض ويضعها فوق سقف سيارته، كي يغادر كلية التربية في الجامعة اللبنانية باتجاه مدينة صور. وهو يقول: "تأخرنا في العودة قليلاً لأن منزلي تضرر بشكل كبير. لن نبقى في مركز الإيواء رغم معاناة العيش وسط الدمار والخراب وانعدام الخدمات. كنت أملك ملحمة تدمرت بالكامل، ولا أدري كيف أؤمن لقمة العيش لأولادي".

المساهمون