مرضى السرطان... أوجاع من دون علاج في قطاع غزة

05 ديسمبر 2024
مستشفى الصداقة التركي قبل أن يحوله الاحتلال إلى ثكنة عسكرية، 3 أكتوبر 2024 (دعاء الباز/ ال
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني مرضى السرطان في غزة من نقص الأدوية وصعوبة الوصول إلى مراكز العلاج بسبب تدمير المستشفيات ومنع إدخال الأدوية، مما يزيد من انتشار المرض وارتفاع الوفيات.
- تحويل مستشفى الصداقة التركي إلى ثكنة عسكرية وإغلاق المعابر يمنعان المرضى من تلقي العلاج الكيميائي والإشعاعي أو السفر للعلاج بالخارج، كما حدث مع ليلى إسماعيل.
- تحاول وزارة الصحة التخفيف من معاناة المرضى بتخصيص قسم للأورام في مستشفى غزة الأوروبي، لكن نقص الأدوية وارتفاع أسعارها وصعوبة الوصول يفاقم الوضع.

يعيش مرضى السرطان في قطاع غزة أشكالاً من المعاناة، فالمرض يعرضهم لآلام شديدة، ولا يستطيعون الوصول إلى مراكز العلاج، والأدوية غير متوفرة، كما يعانون نقصاً حادّاً في الأغذية التي تمدهم بالمناعة

حرم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مرضى السرطان من تلقي العلاج عبر تدمير المستشفيات ومنع إدخال الأدوية، كما حرمهم من السفر لتلقي العلاج في الخارج، أو التوجه إلى مستشفيات الضفة الغربية أو المستشفيات الإسرائيلية كما كان يحدث سابقاً.
ولا يحصل المرضى على جرعات العلاج الكيميائي أو الإشعاعي، ما أدى إلى انتشار المرض في أجسادهم، وتزايد الوفيات بينهم، خاصة بعد تحويل الاحتلال مستشفى الصداقة التركي، وهو الوحيد المتخصص لعلاج مرضى السرطان في القطاع إلى ثكنة عسكرية ضمن ما يعرف بمحور "نتساريم" جنوبي مدينة غزة، وتدمير كل أجهزته الطبية.
وتتفاقم معاناة مرضى السرطان، بخاصة مريضات سرطان الثدي، نتيجة غياب العلاج وشح الدواء، كما تمنع الظروف المعيشية الصعبة من شراء الدواء إن توفر، ما أدى إلى وفاة العشرات. ومع منع دخول المواد الغذائية وظهور ملامح المجاعة في القطاع، يواجه مرضى السرطان صعوبات إضافية في الحصول على الأطعمة التي تقوي المناعة، واتباع نظام غذائي صحي.
كان لدى المصابة بسرطان الثدي ليلى إسماعيل (60 سنة) موعد لتلقي جرعة الكيميائي في مستشفى إسرائيلي يوم 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لكن اندلاع الحرب وإغلاق المعابر حرمها من السفر، وترك جسدها فريسة للمرض الذي بدأ بالتفشي إلى الرئة والكبد، ما أدى إلى عدم قدرتها على التنفس ومضاعفات خطيرة أدت إلى وفاتها. يقول ابنها إبراهيم لـ "العربي الجديد"، إن والدته مصابة بالمرض منذ 15 عاماً، لكن عام الحرب كان الأصعب عليها. يضيف: "كانت قبل الحرب تذهب إلى مستشفى متخصص، وتستطيع السفر، ويتوفر العلاج، ما مكن الأطباء من السيطرة على المرض، لكنها حرمت منذ اندلاع الحرب من العلاج، ما أدى إلى استشراء المرض. كنا ننقلها إلى مستشفى أبو يوسف النجار بمدينة رفح، لكنّ الأطباء كانوا لا يستطيعون فعل الكثير لعدم تخصصهم بأمراض السرطان، فنعود بها إلى البيت، وكانت تحصل على بعض مسكنات الألم، ثم يشتد الوجع عليها، وكنا نعتصر ألماً لأننا لا نستطيع فعل شيء لها". يضيف: "كانت أمي تموت ببطء، وفي بعض فترات الحرب انقطعت المسكنات، فكنا نأخذها للصيدلية لحقنها بإبرة ديكلوفين، حتى تستطيع النوم، ولم يكن يتوقف بكاؤها من شدة الألم، ولا تستطيع الوقوف أو المشي، وزاد الأمر تفاقماً مع تأخير سفرها إلى مصر لعدة شهور، وعندما وصلت إلى مصر كان قد فات الأوان، وتوفيت بعد وصولها".

ولمواجهة تفاقم أوضاع مرضى السرطان، خصصت وزارة الصحة في غزة، قسماً للأورام بمستشفى غزة الأوروبي الواقع إلى الشرق من مدينة خانيونس، لكن بعد المسافة يحرم المصابة بسرطان الثدي حنان أبو ضباع وغيرها من المرضى من الوصول إليه. تقول أبو ضباع المصابة منذ عام 2019 لـ "العربي الجديد": "أنا حالياً في منطقة المواصي، ولا أستطيع الذهاب إلى المشفى الأوروبي لبعد المسافة وصعوبة إيجاد المواصلات، على عكس الحال قبل الحرب، حين كان هناك حافلة تنقلنا إلى مستشفى الصداقة التركي ثم تعيدنا إلى منازلنا".
تستخدم أبو ضباع منذ خمس سنوات، علاجاً هرمونياً مضاداً للالتهابات (موكسيفين)، وهو عبارة عن علبة دواء تضم ثلاثين قرصاً. تتناول قرصاً واحداً يومياً لمنع انتشار المرض بالجسم، لكن الدواء اختفى من الصيدليات والمستشفيات، وبدأت حالتها تسوء، ولجأت الأسرة إلى الطلب من أصدقاء إرسال الدواء من مصر قبل إغلاق معبر رفح، لكن لم يعد متوفراً لديها الكثير منه حالياً، وتخشى كثيراً من نفاده.                   سافرت أم أحمد (52 سنة) المصابة بسرطان الثدي منذ عام 2017، إلى مصر في بداية الحرب على نفقتها الخاصة من دون تحويلة علاجية للنجاة بنفسها، خشية تدهور وضعها الصحي، بسبب انقطاع الدواء. وتقول لـ "العربي الجديد": "غياب الدواء ضاعف الأورام السرطانية لدي. كنت قد أجريت عملية استئصال جزئي للثدي، وبسبب الحرب فاتتني مواعيد صور أشعة ومتابعة، ولم أكن أعرف إلى أين أتوجه للمراجعة، كما فاتني العلاج الكيميائي، إضافة إلى انقطاع الفيتامينات. التنقل من مكان إلى آخر صعب خلال الحرب، وبعد تعب وبحث لا تجد العلاج. لذا قررت مغادرة غزة".

عشرات مرضى السرطان يحتاجون إلى العلاج (دعاء الباز/الأناضول)
داخل مستشفى الصداقة التركي قبل أن يحرم الأطفال المصابين بالسرطان من العلاج، 3 أكتوبر 2024 (دعاء الباز/ الأناضول) 

كانت الطفلة ريماس ضاهر (14 سنة) المصابة بسرطان الدم، تستاء حين يأخذها والدها للمراجعة بمستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط قطاع غزة، بسبب تكدس المرضى الذي يجعلها تمضي عدة ساعات للحصول على صورة تحليل الدم، لكن ما خفف من أوجاعها أنها كانت قد أنهت الجرعة الأخيرة من العلاج الكيميائي بمستشفى النجاح في مدينة نابلس قبل الحرب، وكان من المقرر أن تراجع بمستشفى الصداقة التركي جنوبي مدينة غزة لمراقبة انتشار المرض لولا اندلاع الحرب.
مع نقص الدواء، تشعر ريماس باستمرار بوجع في الرأس والقدمين، ويقول والدها: "رغم أن حالتها مستقرة، لكن الألم لا يتوقف، لذا نشتري المسكنات من الصيدليات بسعر مرتفع، لكننا لا نجدها في بعض الأحيان".
تعاني المصابة بسرطان القولون دعاء حجازي، وهي طالبة ثانوية عامة، ندرةَ الأدوية، ورغم أن الأطباء أوصوها باتباع برنامج غذائي صحي، لكن حياة النزوح والعيش في الخيام تمنعها من ذلك، فهي تنام على رمال الخيمة، وتشرب مياهاً غير نظيفة.
يقول والدها لـ "العربي الجديد": "وضعنا المادي لا يسمح بتوفير ما تحتاج إليه دعاء، وهي تدرس رغم المرض، وليس لديها كتب دراسية كافية، وتشعر بآلام في بطنها بشكل مستمر عندما تشرب المياه، وعندما تتناول طعام (التكيات)، وبسبب الوجع ترفض أحياناً الأكل. كنا نتابع حالتها مع دكتور خاص، لكنه سافر خلال الحرب، واضطرت العائلة إلى النزوح من مدينة غزة إلى جنوبي القطاع لعدم توفر الدواء في الشمال. منذ شهرين ونصف لم نستطع شراء الدواء بسبب ارتفاع سعره، ما زاد من أوجاعها".

بدوره، يقول مدير مستشفى الصداقة "التركي الفلسطيني" المتخصص في أمراض الأورام، الطبيب محمد أبو ندى، إن "العديد من مرضى السرطان في قطاع غزة كانوا يتابعون في مستشفى الصداقة، ومع بدء الاجتياح البري لجيش الاحتلال للقطاع، اضطرت الطواقم الطبية إلى مغادرة المستشفى إلى مراكز صحية عديدة من بينها مستشفى دار السلام بمدينة خانيونس، ومستشفى أبو يوسف النجار بمدينة رفح، وحالياً يعمل عدد منهم بالمستشفى الأوروبي الواقع إلى الشرق من خانيونس".
ويوضح الطبيب الفلسطيني لـ "العربي الجديد": "يوجد نحو 13 ألف مصاب بأنواع السرطان في قطاع غزة، ونحو 1500 منهم فقط تمكنوا من السفر، وهناك 5 آلاف مصاب لديهم تحويلات علاجية، وينتظرون السفر، وهم يحتاجون إلى علاج إشعاعي لمنع انتشار المرض، لكن إغلاق الاحتلال للمعابر يمنعهم من السفر، ويحول دون تلقيهم العلاج غير المتوفر في قطاع غزة، ما يجعل معدل الوفيات اليومي بين مرضى السرطان يراوح بين 2 إلى 3 وفيات".
ويؤكد أبو ندى أن "توفير الخدمات الطبية أصبح صعباً بسبب تغير أماكن بقاء المرضى، وبُعد بعض الأماكن، وعدم توفر وسائل المواصلات. يواجه مرضى السرطان مشكلات عدة، من بينها عدم توفر العلاج الكيميائي اللازم بكميات كافية، ما يؤدي إلى تأخير العلاج، وبالتالي انتشار المرض، الأمر الذي يؤدي إلى وفاة كثير من المرضى، كما أن المصاعب تزايدت عقب إغلاق معبر رفح، وعدم تمكن المرضى الذين يحتاجون إلى العلاج الكيميائي والإشعاعي من السفر". يتابع: "حياة الخيام أثرت سلباً على صحة المرضى، فضلاً عن قلة الطعام، وندرة الفواكه والفيتامينات الذي يؤثر على حياة المرضى، ما أدى إلى تضافر مجموعة مؤثرات على المرضى. السبيل الوحيد لعلاج مرضى السرطان هو وقف الحرب وفتح المعابر، وتوفير العلاج الذي يحتاج إليه المرضى كي تتحسن صحتهم. انقطاع الخدمة يحرم المرضى من الاستشارات والوصول للأدوية واستكمال العلاج، إضافة إلى صعوبة الوصول إلى مستشفى غزة الأوروبي وغلاء المواصلات، وبالتالي لا يستطيع المرضى التعرف على أماكن تقديم الخدمة رغم محاولات الوصول إليها، كما أن ضعف الإنترنت والاتصالات مشكلة إضافية".

المساهمون