نازحو السويداء: نقص طعام وخدمات في مراكز إيواء درعا
استمع إلى الملخص
- يروي النازحون قصص التهجير القسري تحت تهديد السلاح، ويعتمدون على التبرعات الأهلية لتلبية احتياجاتهم اليومية في ظل نقص المأوى والخدمات.
- تسعى الحكومة لتحسين ظروف الإقامة المؤقتة ودعم العودة الآمنة، لكن غياب الأمن يعرقل العودة حالياً.
أجبرت المواجهات المسلحة في محافظة السويداء مئات العائلات على النزوح إلى مناطق أكثير أمناً، ووصلت نحو 4000 عائلة إلى محافظة درعا المجاورة، وغالبيتها تعيش حالياً في مراكز إيواء.
لم تكن أمام مئات العائلات السورية التي غادرت محافظة السويداء خلال الاشتباكات الدامية الكثير من الخيارات، إذ حمل أربابها أطفالهم ومن بقي من أفراد عائلاتهم واتجهوا إلى مناطق آمنة خارج الحدود الإدارية للمحافظة، تاركين بيوتاً وأراضي بعضها موروثة عن الأجداد، للسكن في مراكز إيواء لا توفر لهم أبسط الخدمات الحياتية، أو في بيوت عائلات احتضنتهم.
حصل النزوح أو التهجير في ظل غياب أي تخطيط حكومي، وتفاوت واضح في استجابة المنظمات الإنسانية، خاصة مع تزايد أعداد النازحين، وإخلاء دفعات أخرى من العائلات التي كانت محاصرة داخل السويداء. وتعاني مراكز الإيواء في محافظة درعا المجاورة، وهي في معظمها مدارس، من ندرة أبسط مقومات الحياة، فيما تعيق الإجراءات التي تتبعها بعض المنظمات الإغاثية وصول المساعدات إلى العائلات، ما يزيد تدهور الأوضاع المعيشية.
يقول سليمان الهواري، وهو إمام وخطيب مسجد بلدة شهبا في السويداء، لـ"العربي الجديد": "كنا دائماً ندعو إلى السلم الأهلي والعيش المشترك، وهذا النهج معروف لدى جميع أبناء جبل العرب، سواء العشائر البدوية أو الدروز. من تم تهجيرهم قسراً تعرّضوا للحصار داخل منازلهم وسط تهديدات بالقتل، قبل أن يتدخل بعض الوجهاء والشرفاء لتأمين خروجهم. لولا هذا التدخل، لكان الكثير من البدو قد قُتلوا، وما زال كثيرون يتصلون بنا كي يعبّروا عن ألمهم الشديد لما جرى".
ويضيف الهواري: "بعض أبناء سورية يعيشون اليوم في مراكز إيواء أو مدارس داخل وطنهم. فكيف تقبل الدولة أن يُجبر المواطن على الهجرة؟ لا وجود للعداوة بين بدو السويداء ودروزها، ولا نعرف مبرر تهجير الناس من بيوتهم. لماذا لا تؤمّن الدولة المنازل؟".
ويلفت إلى أن عدداً من أهالي بلدة شهبا ما زالوا محاصرين في المسجد من دون طعام أو شراب أو دواء، وأن هناك حالات إنسانية بالغة الخطورة، وأن "من غادروا السويداء كانوا مضطرين، وجميعهم مصرّون على العودة إلى بيوتهم في أقرب وقت".
بدوره، يشدد سلام الهجر، وهو أحد المهجرين من شهبا، على أن سكان البلدة من أبناء العشائر البدوية لم تكن لديهم أي نية للرحيل، وقد عاشوا في حالة من التعايش مع جيرانهم الدروز وبقية مكونات المنطقة منذ مئات السنين. ويوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التدخل المسلح من مجموعات وصفها بـ"المتطرفة" كان السبب المباشر في مغادرتهم القسرية، مضيفاً: "طردت جماعات مسلحة الناس من مناطق التربة والجنينة وغيرها، ومن بين نحو 200 عائلة، سقط نحو 25 قتيلاً، وهناك عدد من المفقودين. غادرنا حفاظاً على أرواحنا، لا رغبة منا بالرحيل".
وتروي الخمسينية حوا المحمد لـ"العربي الجديد"، أن عائلتها عاشت أكثر من 55 سنة في القرية في ظل جوار مستقر، قبل أن تُجبر على مغادرتها تحت تهديد السلاح، وتقول: "خرجنا بعد تهديدات مباشرة، ونمنا في العراء، والأطفال قضوا أياماً تحت الأشجار. حالياً لا نطلب سوى العودة إلى منازلنا".
ويقول عضو شعبة نقابة المعلمين في شهبا، المدرس عاطف الهواري، لـ"العربي الجديد": "العائلات هجّرت من منازلها وأراضيها على أيدي مجموعات مسلّحة منفلتة. شهبا كانت نموذجاً للأمن والسلم الأهلي طيلة 14 عاماً مضت. لكنهم هجّرونا بملابسنا فقط، وتحت ضغط السلاح، ونأمل بأن يتم التعامل مع هذه المجموعات سريعاً حتى نتمكن من العودة إلى أرضنا وبيوتنا، والعيش بسلام مع أهلنا وجيراننا".
نزح السوري محمد خير النعيمي إلى مركز البقعة، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن العائلات التي فرت من شهبا تعيش حالة من التشرد والتشتت وسط غياب التنظيم ونقص الخدمات، ويقول: "تعمل المنظمات الإغاثية بطريقة عشوائية، وتضيق على الناس بإجراءات كثيرة، من بينها التحقق من البيانات، رغم أن الكثير من أفراد العائلات مفقودون، أو موزعون على أماكن متفرقة. بعض العائلات لجأت إلى منازل أقارب أو أصدقاء، ويصعب الوصول إلى الجميع بسبب غياب قاعدة بيانات موحدة. نحن بحاجة إلى خيام، أو أماكن إيواء تتسع للعوائل، ولا توجد فرش، ولا حمامات صالحة للاستعمال، والماء غير صالح للشرب. الناس يتزاحمون في غرف صفية، وهذا صعب للغاية".
ويشير النعيمي إلى أن "الكثير من العوائل فقدت أوراقها الثبوتية خلال النزوح، أو تعرضت للسرقة خلال مغادرتها، ومنذ يومين لم يُقدَّم أي خبز من المنظمات، وكل ما نأكله يأتي من التبرعات الأهلية أو بالجهود المحلية، فيما تعاني العائلات المستضيفة من ضغوط متزايدة".
في ظل هذا الواقع المتأزم، يؤكد الناشط عمر الجنوبي لـ"العربي الجديد"، أن "المهجرين من بينهم عائلات من المسيحيين، وعدد العائلات المسيحية التي فرت من السويداء يقدر بنحو 60 عائلة، والاحتياجات العاجلة تشمل مختلف المواد الغذائية، إضافة إلى حليب الأطفال، ومواد النظافة، خاصة أن الحرارة المرتفعة تفاقم معاناة النازحين".
يضيف الجنوبي: "هناك مخاوف لدى بعض العائلات من الإدلاء بأي تصريحات إعلامية بسبب بقاء أفراد منها في المناطق المحاصرة داخل السويداء، ونأمل بأن يتمكن جميع النازحين من العودة قريباً إلى منازلهم، وغالبية العائلات بانتظار هذه اللحظة".
بدوره، يقول عضو المكتب التنفيذي في محافظة درعا المسؤول عن لجنة الطوارئ حسين النصيرات، لـ"العربي الجديد"، إن "عدد مراكز الإيواء وصل إلى 52 مركزاً، وهي تستضيف حالياً أكثر من 4000 عائلة من سكان السويداء، معظمهم من عشائر البدو، إلى جانب نسبة أقل من أبناء الطائفة الدرزية، وعدد من العائلات المسيحية. أغلب العائلات المسيحية توجهت نحو دمشق، أو مناطق أخرى أكثر استقراراً، وكثير من العائلات النازحة تخشى على مصير أفرادها الذين بقوا داخل السويداء. العودة مرهونة بحلول أمنية، وبيئة يشعر فيها الناس بالأمان، وهذا غير متوفر حالياً في ظل غياب فرض سلطة الدولة".
وتتزايد تحركات المنظمات الإنسانية للاستجابة لحاجة المهجرين، لكن الاستجابة لا تزال دون المستوى المطلوب في ظل ظروف قاسية تشمل ارتفاع درجات الحرارة، واكتظاظ مراكز الإيواء، وهناك حاجة لتكثيف الجهود الإنسانية، خصوصاً في قطاعي الصحة وتوفير الغذاء.
ويقول النازح يزن الجاسم لـ"العربي الجديد"، إن النازحين يعانون من نقص مختلف الخدمات والمتطلبات الإنسانية، وإن الكثير من العوائل بحاجة إلى خيام، ويمكن توفير كرفانات للعائلات الكبيرة، كون البقاء في صفوف المدرسة صعب على هذه العوائل. يتابع: "الكثير من العوائل التي هجرت متخوفة على مصير من بقي من أفرادها في السويداء، وهم محاصرون هناك، ولا نريد العودة قبل توفير الأمن، لكننا بحاجة إلى المياه والطعام والكهرباء والمستلزمات الطبية، فهناك نساء حوامل، ومن بيننا مصابون ومرضى، ونحتاج أيضاً إلى حليب الأطفال. الوضع صعب للغاية، والكثير من عوائل درعا تتعاطف معنا وتساندنا، وهناك عوائل تقيم في منازل أبناء درعا بالمدن والقرى، وعوائل أخرى فضلت المغادرة إلى محافظات تضم أقارب لها".
وأفاد مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية (أوتشا)، بنزوح أكثر من 145 ألف شخص بسبب الأعمال العدائية في محافظة السويداء، وأكد تقرير أممي صدر مساء الأربعاء الماضي، أن هؤلاء الأشخاص فروا إلى مناطق مختلفة داخل السويداء، وإلى محافظتي درعا وريف دمشق.
وزارت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية هند قبوات مراكز الإيواء في درعا التي تستضيف المهجرين من السويداء، والتقت عدداً من النازحين، وشددت على أن الوزارة تتابع أوضاع المهجرين باهتمام، وأن هناك خططاً حكومية لتأمين المزيد من الدعم الإنساني، وتحسين ظروف الإقامة المؤقتة، وأن الحكومة تسعى إلى إيجاد حلول تضمن كرامة العائلات المتضررة، وتعمل على ضمان عودتها إلى مناطقها ومنازلها فور توفر الظروف المناسبة.