استمع إلى الملخص
- خطة الحكومة الفلسطينية لإيواء النازحين: تشمل توفير 200 وحدة سكنية متنقلة كحل مؤقت، مع التركيز على عدم إنشاء مخيمات جديدة، وتواجه الخطة انتقادات لضمان عدم تحولها إلى حل دائم.
- التحديات المالية والدعم المحدود: تواجه الحكومة الفلسطينية صعوبات مالية في دعم النازحين، مع مطالبات اللجنة الشعبية بتوفير دعم شهري لكل عائلة وتسريع خطط الإعمار.
في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين، يبدو احتمال عودة النازحين إلى بيوتهم بعيداً، وسط الحديث عن خطة لتأمين بيوت متنقلة للإيواء، ما يثير مخاوف من استمرار التهجير.
بعد انقضاء أكثر من 100 يوم على العدوان الإسرائيلي على مخيّم ومدينة جنين في شمال الضفة الغربية، يعيش الأهالي الذين نزحوا من منازلهم أشكالاً متعددة من المعاناة، خصوصاً أنه ليس ثمة ما يوحي باحتمال عودتهم إلى منازلهم، وغالبيتها مهدّمة، ويزيد من مخاوفهم وجود خطة حكومية لإيواء النازحين.
وتضررت أكثر من 800 منشأة سكنية كلّياً أو جزئياً في مخيم جنين، ما جعل إمكانية عودة الحياة في المخيّم غير ممكنة، وسط حاجة ماسة إلى إعادة الإعمار، والتي لا يمكن أن تتم قبل انتهاء العدوان. وأعلن الاحتلال مراراً عدم انسحابه من المخيّم قبل نهاية العام الجاري، ما يعني ضرورة وجود حلول آنية لأزمة النزوح.
وبعد بدء العدوان الذي يتوسع يوماً بعد آخر، نزح جميع سكّان مخيّم جنين ومعهم بعض سكان الأحياء المجاورة قسراً عقب طرد الاحتلال لهم، وإصداره في مرّات عديدة أوامر إخلاء، أو عبر اقتحام المنازل وإجبار أهلها على مغادرتها من دون إنذار مسبق.
يقول عضو اللجنة الشعبية في مخيم جنين، مؤنس غريب، لـ "العربي الجديد"، إن "أكثر من 20 ألف نازح توزّعوا على 34 مكاناً للنزوح بين أحياء مدينة جنين والأرياف أو عند الأقارب أو في بيوت بالإيجار، فضلاً عن بنايات الأحياء السكنية الجامعية، وسط غياب الدعم اللازم لهم. طوال فترة العدوان المستمرّ، طالب نازحو مخيّم جنين بتوفير بدائل سكن مؤقتة، وقبل أسابيع قليلة، تلقّينا تلميحات من جهات رسمية تفيد بأن الخيار المطروح هو إنشاء تجمّع من الخيام في منطقة معينة، وأبلغناهم فوراً برفض هذا الطرح".
ستوفر الحكومة 200 وحدة سكنية متنقلة في لنازحي مخيم جنين
في المقابل، أعلنت جهات رسمية فلسطينية اعتماد خطة لجلب 200 بيت متنقل لإيواء النازحين في مرحلة أولى، وذلك بعد اجتماع لمحافظة جنين مع الوزارات المعنيّة واللجان الشعبية في العاشر من إبريل/نيسان الماضي. ونفى رئيس اللجنة الوزارية للأعمال الطارئة وزير الحكم المحلي الفلسطيني سامي حجاوي، لـ "العربي الجديد"، أن تكون الحكومة قد طرحت إقامة الخيام في أي مرحلة حلاً للنازحين، موضحاً أن هناك مسارين متوازيين يجري العمل عليهما لإيواء المتضررين من العدوان الإسرائيلي.
ويوضح حجاوي أن "المسار الأول يتمثّل بإنشاء وحدات سكنية متنقلة جاهزة، تُوضَع على أراضٍ حكومية تُجهّز مسبقاً لهذا الغرض من قبل سلطة الأراضي في مواقع متعددة، حتى لا نخلق واقعاً جديداً يؤدي إلى نشوء مخيم جديد"، بحسب تعبيره. أما المسار الثاني، فهو "استئجار مساكن مخصصة لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، والذين قد لا يكون مناسباً لهم السكن في وحدات متنقلة، ويجب أن يكون ذلك وفق مسار إنساني ضمن الاعتبارات الصحية والاجتماعية، لأن الحكومة لا تقبل أن يعيش أصحاب الأمراض المزمنة في بيوت متنقلة".
وترى اللجنة الشعبية لمخيم جنين أن مسار عمل الحكومة غير مجدٍ. ويقول مؤنس غريب: "المخيم منكوب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلا منازل تصلح للسكن، وعدد الأسر النازحة يُقدّر بنحو 2500 أسرة. كان طموحنا دائماً العودة إلى بلداتنا، لا البقاء في المخيم بما فيه من رمزية تاريخية، ومن هذا المنطلق، كما خرجنا منه، نُصرّ على العودة إليه، وهذا مطلب شعبي لكل النازحين من المخيم".
ويلفت إلى وجود شروط لدى سكّان المخيم حول خطة البيوت المتنقلة، وهي أن "تكون هذه البيوت ضمن مجمع سكني متكامل إلى جوار المخيم، وأن تكون مؤقتة، بضمانات تؤكّد عدم ديمومتها كي لا تصبح أمراً واقعاً". إلا أنّ هذه الاشتراطات غير متوفرة في خطة السلطة الفلسطينية.
ويردّ حجاوي قائلاً: "أماكن وضع البيوت المتنقلة سيتمّ اختيارها بناءً على المعطيات الممكنة لدى سلطة الأراضي، والهدف منها عدم استحداث مخيّمات جديدة، ومن المرجّح أن يكون موقع البيوت في بلدة برقين الواقعة غرب جنين".
لكنّ اللجنة الشعبية تصرّ على أن يكون موقع البيوت المتنقلة قريباً من المخيم، لا أن يبعد عنه مسافةً تصل إلى 3 كيلومترات، كما هو حال برقين، وأن على الحكومة الإصغاء لرأي الأهالي.
ويقول غريب مستنكراً: "ليجرب المسؤولون العيش في هذه البيوت أولاً. لا نريد لهذا الخيار أن يفرض علينا اليوم ليصبح واقعاً بعد 20 عاماً. لا نريد خياماً ولا بيوتاً متنقلة بعيدة، بل نريد العودة إلى المخيم في أسرع وقت ممكن، وإن كان لا بد من استخدام البيوت المتنقلة، يجب أن تكون قريبة من المخيم، ومخصصة لفئة محدودة، ولفترة قصيرة".
وتطالب اللجنة الشعبية لمخيم جنين برصد مبلغ يقدّر بـ 1000 شيكل (الدولار يساوي 3.6 شيكل) تصرف شهرياً لكل عائلة من المخيم، ولمدّة عام إلى عامين في حدٍ أقصى، لإزالة المخاوف الحقيقية من أن تتحوّل البيوت المتنقلة إلى حل دائم أو واقع مفروض، وهو ما يرفضه سكّان المخيم قطعاً.
ويؤكد غريب: "هذا المقترح لم يُؤخذ به، ولم يُنظر إليه، رغم أنه مقدم من اللجنة شعبية الممثلة لمخيم جنين رسمياً، بحكم تبعيتها لدائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية".
فيما يرى سامي حجاوي أن "البيوت المتنقلة التي ستُعتمد هي خيار مؤقت ريثما تنتهي الأزمة وتبدأ خطة الإعمار الشاملة التي أُنجِزَت بالفعل. مساحة كل بيت متنقل تبلغ نحو 30 متراً مربعاً، وتتكوّن من غرفتين وصالة صغيرة وحمام، وذلك يوفّر للعائلات النازحة خصوصية وسكناً كريماً أفضل من التواجد في مراكز الإيواء الجماعية، لأن هذه البيوت ستكون مدعومة ببنية تحتية متكاملة تشمل المياه، والصرف الصحي، والكهرباء".
وحول آلية تنفيذ المشروع، يبيّن حجاوي أن الحكومة اتخذت قرارها، وستتحمّل تكاليف المرحلة الأولى، مشيراً إلى إمكانية توفير تمويل من جهات خارجية مثل الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والبنك الإسلامي للتنمية، وغيرهما من الجهات الداعمة، والكلفة التقديرية للمشروع تبلغ نحو مليوني دولار في المرحلة الأولى.
ووفقاً للخطة، ستوفر الحكومة 200 وحدة سكنية متنقلة في جنين، ومثلها في طولكرم، في مرحلة أولى. ويقول حجاوي: "نأمل أن تتواصل المراحل التالية من المشروع، رغم أننا لا نستطيع التنبؤ بما سيحدث غداً، لكننا نأمل أن تكون نهاية الأزمة قريبة".
وفي ما يتعلّق بآلية توزيع البيوت المتنقلة، يوضح أن وزارة الأشغال العامة تتولّى تجهيز الأرض والبنية التحتية، بينما تُشرف وزارة التنمية الاجتماعية على تحديد الأولويات والتوزيع، بصفتها الجهة المسؤولة عن ملف الإغاثة والإيواء، مشيراً إلى أن العمل بالمشروع سيبدأ خلال الأسبوع المقبل، وسيتم الإنجاز في وقت قريب.
بدوره، يقول غريب: "العدوان مستمر منذ أكثر من 3 أشهر، وما استطاعت الحكومة توفيره هو 200 وحدة لـ 2500 أسرة. أين سيذهب بقية الناس؟ إذا لم تُحل الأمور بسرعة، فالوضع سينزلق إلى منحدر خطير. لم نتلق طوال فترة العدوان على المخيم دعماً مالياً رسمياً سوى مرة واحدة، وهي نصف مليون شيكل وزعتها الحكومة مع طرود غذائية. وفي ذات الفترة، حصلنا على 1.5 مليون شيكل من رجال أعمال متبرعين، ونصف مليون شيكل من المحافظة. وقد وزّعنا هذه المبالغ على أسر المخيم النازحة قبل عيد الفطر في أواخر مارس/آذار الماضي بقيمة 500 شيكل لكل أسرة تقريباً. هذا كل ما تلقيناه من دعم حكومي وشعبي، ولا يستطيع أي مسؤول رسمي أن يقول غير ذلك".
ويؤكد أن ما تلقوه من مساعدات رسمية في فصل الشتاء، كان 10 آلاف بطّانية مخصصة لـ 20 ألف نازح، وأن بعض من كانوا يدعمون سكان المخيّم توقفوا عن الدعم، وأصبحت اللجنة الشعبية تشعر أنها "تتسول" حقوق السكّان، موضحاً أنهم يدركون صعوبة الوضع المالي الذي تعيشه الحكومة، وكذلك أوضاعها على المستوى الدبلوماسي لناحية إجراء زيارات رسمية للمخيم ودعوة سفراء وقناصل دول العالم، فليس الحال حالياً كما كان خلال اجتياح 2002.