استمع إلى الملخص
- جهود الإدارة الجديدة: تسعى لإعادة بناء المدارس المدمرة، التعاون مع المنظمات الدولية، إنشاء سجلات إلكترونية للطلاب، والحد من التسرّب بتمديد العام الدراسي لتعويض الفاقد التعليمي.
- التعليم الخاص كحل مؤقت: يتم استخدام التعليم الخاص بأسعار مخفضة وتقسيم الدوام الطلابي لتوفير التعليم لجميع الطلاب، مع التركيز على معالجة الأمية وتعزيز الحياة الاجتماعية.
تعددت مشاكل التعليم في سورية خلال حكم النظام المخلوع، وجعلت تلاميذ كثيرين متسرّبين، وتواجه الإدارة الجديدة تحديات كبيرة لحل هذه المشاكل
واجه طلاب سوريون كثيرون خلال السنوات السابقة صعوبات في التوجه إلى المدارس وتلقي التعليم. العامل المشترك بين طلاب كل المناطق كان الفقر الذي ظهر في ممارسة الأطفال مهناً متعددة خلال أوقات الدوام المدرسي في كل المناطق، ما أكد تردي الوضع المعيشي للأسر.
وتغيب الإحصاءات الرسمية لحجم التسرّب المدرسي، لكن التقرير السنوي الأخير لمكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) يؤكد وجود أكثر من 2.4 مليون طفل خارج المدرسة، وأكثر من مليون معرضين لخطر التسرّب، فما واقع العملية التعليمية في سورية اليوم؟ وماذا عن أطفال المخيمات في الشمال، وكيف ستتعامل وزارة التربية في الإدارة الجديدة مع الطلاب الذين لم يتلقوا تعليمهم بسبب الفقر؟
يقول مدير التعليم في وزارة التربية محمد سائد قدور لـ"العربي الجديد"، إن الإحصاءات تشير إلى وجود مئات آلاف الطلاب الذين لا يزالون يتلقون تعليمهم في المخيمات منذ عهد النظام البائد، ويقول: "يجلس بعضهم على الأرض إذ لم تتوفّر مقاعد، ويتعلمون في ظروف سيئة جداً تنتج أحياناً من هبوب العواصف وهطول الأمطار اللذين يتسببان في تدمير الخيم أحياناً، لكن الطلاب وأولياء الأمور يصرون على تلقي العلم".
يتابع: "عودة طلاب المخيمات إلى مدارس تحتضنها مبانٍ غير متاحة في حالات كثيرة بسبب انعدام وجود خدمة التعليم في بعض المناطق. ويظهر ذلك ضرورة العمل لإعادة بناء المدارس المدمّرة، لا سيما في ريف إدلب الجنوبي، لذا لا بدّ من التواصل مع المنظمات الدولية وجهات أخرى لتسخير كافة الجهود لإعادة بناء المدارس، والسماح بإكمال الطلاب تعليمهم. أما الخطوة الأولى للإدارة الجديدة، فستتمثل في إعادة توطين السكان في مناطقهم الأصلية التي هُجّروا منها من خلال إعمار البيوت والمدارس، لأن أحوال المخيمات غير مناسبة، وتتسبب في آثار اجتماعية سيئة في كثير من الأحيان".
وفي شأن التسرّب المدرسي، يؤكد قدور صعوبة إحصاء عدد المتسرّبين بدقة، ويقول: "تمثلت الصعوبات في المناطق المحررة خلال عهد النظام السابق في الهجرة القسرية للعائلات بين المناطق أو إلى خارج سورية، واعتمدت وزارة التربية في حكومة الإنقاذ (في إدلب) على إنشاء سجل إلكتروني لكل طالب من أجل معرفة مكان وجوده ووضعه الدراسي، وكشف أي عملية تزوير أو تسرّب، أما في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، فلم تتوفر هذه الآلية في ظل وجود بيروقراطية في تتبع ملفات الطلاب، فضاعت وثائق طلاب تعرّضت مدارسهم لسرقة أو لاندلاع حرائق فيها، أو لحصول حوادث أخرى".
ويعلّق المسؤول السوري على الإحصاءات الأممية التي تشير إلى وجود نحو 2.4 مليون طفل لا يتعلمون بالقول إن "نسب هذه الإحصاءات أقل من الواقع إذ تعددت أسباب زيادة عدد المتسرّبين، ومنها استنفاذ سنوات الرسوب في نظام التعليم الذي كان متبعاً في سورية، حيث طبق ما يسمى بنقل الطلاب من صف إلى آخر، ما انعكس سلباً عليهم وأوجد ظاهرة عدم معرفة طلاب في الصف السابع كيف يكتبون أسماءهم، ما زاد العبء والبؤس عليهم وأدى إلى خروجهم من المدارس. وكان يغطى على هذا النوع من التسرّب من خلال السماح للطلاب بالدوام يوماً واحداً شهرياً كي لا يصنّفوا بأنهم متسرّبون، أو من خلال حضور امتحانات نهاية العام الدراسي. وسبب ذلك أن التعليم الإلزامي كان يفرض عقوبة السجن على الأب، لذا كان يتعاطف مدير المدرسة معه. يضاف إلى تلك الأسباب موضوع الهجرة، أكانت داخلية أم خارجية، ووجود فئة كبيرة من الأطفال مكتومي القيد، خصوصاً في المناطق التي كانت محررة نظراً إلى أن دوائر النفوس كانت لا تعمل فيها، لذا ثمة عدد كبير من الطلاب الذين ليست لديهم سجلات أصلاً".
ويعتبر قدور أن "الاستقرار الذي سيعم البلاد معيشياً واقتصادياً سيعالج جزءاً كبيراً من مشكلة التسرّب، لكن شريحة من الطلاب ستبقى مظلومة، وهي تضم الأطفال الأيتام الذين فقدوا أباءهم وأمهاتهم وأصبحوا بكفالة أقاربهم أو أجدادهم الذين قد يتهاونون في إرسالهم إلى المدارس، لذا لا بدّ من إعادة تنشيط الحياة الاجتماعية والتربوية في سورية بشكل أكبر باعتبار أن كلفة الجهل أكبر من كلفة التعليم. وتسعى وزارة التربية إلى معالجة هذا الملف من خلال تمديد العام الدراسي لتعويض الفاقد التعليمي كي يستطيع الطلاب المتسرّبون وغيرهم حضور الدروس والدورات التعليمية التي تنظمها بعض المدارس. وإذا كانت الأمية في معايير اليوم تشمل الأشخاص الذين لا يتحدثون أكثر من لغة، أو يجهلون العمل على الكومبيوتر، فواقعها في سورية أسوأ باعتبار أن بعض الطلاب لا يجيدون القراءة والكتابة".
ومع توقع أن يؤدي سقوط نظام الأسد وعودة كثير من الأهالي إلى مناطقهم إلى كثافة طلابية في المدارس التي تعاني أصلاً من هذا الأمر، يحدد قدور أساليب التغلب على هذا الأمر، ولو بشكل مؤقت، بـ"الاستفادة من تجربة إدلب التي كان الوضع فيها أصعب بكثير من باقي المحافظات على صعيد نقص المساحة التعليمية نتيجة القصف وتدمير المدارس. حينها جرى تقسيم الدوام الطلابي إلى أفواج يومية، وطبقت تجربة القطاع الخاص ليس لتجسيد الرغبة في خصخصة التعليم، بل لتأمين خدمة التعليم لجميع الطلاب في كل الأماكن".
يتابع: "كان التعليم الخاص رافداً مهماً لعملية التعليم في هذه المناطق، وتلقى أكثر من 100 ألف طالب تعليمهم في المدارس الخاصة التي وصل عددها إلى نحو 600 عملت بأقساط مخفضة جداً، وعملت بتوجه مختلف عن تلك في مناطق النظام التي أدارها متنفذون وأصحاب رؤوس أموال".