استمع إلى الملخص
- عدم رفع العقوبات يعود لعدم الثقة في الحكومة السورية بقيادة أحمد الشرع وتأثير إسرائيل على الكونغرس الأمريكي، حيث تسعى إسرائيل لإبقاء سوريا ضعيفة.
- تواجه دمشق تحديات في التواصل الدولي، وتسعى لتعزيز الاقتصاد المحلي وإشراك الخبراء في صناعة القرار، مع الأمل في إعداد قوانين جديدة واستفتاء شعبي على الدستور.
لم تُرفع العقوبات المفروضة على سورية. جرى التخفيف من بعضها وتجميد أخرى وإلغاء بعضٍ آخر، لكن مقادير كثيرة منها باقية، بسبب إصرار جناحٍ في إدارة الرئيس الأميركي، ترامب، ونوّابٍ وشيوخ في الكونغرس، على التريّث أو إبقاء بعض العقوبات، سيّما الثقيلة المتضمّنة في قانون قيصر، على البلد، بانتظار جلاءٍ أوضح لتوجّهات السلطة الراهنة فيه في غير شأنٍ، أو لإبقاء سورية ضعيفة، وفي حاجةٍ دائمة إلى غيرها، ومرتهنة سياسيّاً لقوى الخارج التي تُسعفها بالعوْن. وعلى الرغم من جهودٍ وفيرة، بذلتها الرئاسة ووزارة الخارجية السوريتان، في التواصل مع الولايات المتحدة، بمختلف مؤسّسات القرار فيها، ومع جهودٍ كبرى ما زالت تؤدّيها قطر والسعودية والأردن وتركيا ودول أوروبية في اتجاه تخلّص سورية تماماً من سيف العقوبات عليها، والذي لم يتأثّر به حكم آل الأسد عقوداً، وبدا حقيقيّاً وفعليّاً أن الشعب السوري هو الذي عوقب، وأن المرافق العامة والبنيات التحتية في البلاد تضرّرت كثيراً. ... والمعنى هنا أن الذين يستسهلون ارتجال استهداف السلطة في دمشق بانفعالٍ وتوتّر، وبتربص معلن، مطالبون بأن يعرفوا هذا الحال، ومنه أن الاندفاع العربي المحمود، سيّما من قطر والسعودية والأردن والكويت، باتجاه سورية الجديدة والحكم فيها، تعرقل نجاحاتِه المتوخّاة هذه المعاندة الأميركية التي لا ترفع كامل العقوبات الجائرة عن البلد، فلا تجعله يُقلع بالقوّة المرجوّة نحو إعادة التعمير والبناء، ونحو تشييد مستقبلٍ آخر يتفاءل به السوريون، وهم يصنعون بلداً بلا استبداد، وبلا عوْز يغالبه عمومٌ عريضٌ من السوريين، وليتحرّر من وصاية أميركية ظالمة، وليتفرّغ لأولوياته وخرائط مسار التنمية والتطور والتحديث فيه.
ما الذي يجعل الولايات المتحدة غير متحمّسةٍ بالقدر الكافي، أو المطلوب بداهة، لإنقاذ سورية من عقوباتٍ فوقية، انتفت أسبابها المفتعلة؟ قد تتعدّد الإجابات، وتذهب إلى عدم الثقة الكافية لدى قوى غالبة في الكونغرس وأخرى في إدارة ترامب نفسها تجاه الرئيس أحمد الشرع وطواقمه وحكومته، بدواعي الماضي الجهادي له. وقد تذهب اجتهاداتٌ أخرى إلى التأثير الواسع لدولة الاحتلال على الكونغرس، وهي التي تحرص على إبقاء سورية في ضعفٍ معلن، وعلى اهتراءٍ أشد مما كانت عليه، وتتحسّب من نهوض هذا البلد في جوارها، ومن أن يتعافى ويقوى وتتخلّق فيه تشكيلات وتمثيلات شعبية بحرّية وفي أجواء من التعدّدية، عندما يصير فيها برلمان حقيقي ودستور متقدّم ونقابات وأحزاب، فهذا مقلقٌ لإسرائيل. وقد يرى عارفون أن إدارة ترامب تُؤْثر إعطاء المهل لاختبار النيات والأفعال والتوجّهات المعاينة في سلطة أحمد الشرع الانتقالية، لتتخذ قراراتها تاليا، بشأن عمل جدّي مع الكونغرس من أجل رفعٍ كامل للعقوبات، يتيح لحركة الأموال من خارج سورية إلى داخلها المجرى القانوني والعملي المعلوم.
ماذا عساها السلطة في دمشق أن تفعل سوى أن تمضي في عملها النشط في اتصالاتها الدولية والعربية والإقليمية، وهي التي لم تترك أبواباً إلا وجهدت في طرْقها، بل انفتحت على روسيا، العضو الدائم في مجلس الأمن، الدولة التي كان لها سهم ظاهر في تخريب سورية عندما ناصرت بشّار الأسد بالأسلحة والجيوش، وشاركت في عمليات عدوانيةٍ صرفةٍ ضد الثورة المجيدة. وبالتوازي، هناك صيغ تنمية الاقتصادات المحلية وتثمير كل ممكنات الإنتاج والتصنيع في البلد، بالقدرات المتاحة، وبالميسور. ولا يلبس صاحب هذه الكلمات ثوب الخبير في أمرٍ كهذا، تتوفر سورية على أهل الدراية به، وإنما هو ما في الوسع التعقيب به على السؤال العسير. فضلا عن أن الذين يقفون في ضفة المعارضة للسلطة، ويبتدعون ويبدعون في رميها بالصحيح والغلط، مطالبون بشيءٍ من التفهّم، وبأن يتذكّروا إن الحكم صعبٌ والمعارضة سهلة، لأن إكراهاتٍ منظورة وأخرى غير منظورة لها تأثيراتُها الضاغطة على كل قرار.
إنها جبالٌ من الصعوبات والتحدّيات عالية أمام أهل الحكم الراهن في سورية، ولذلك يجري الإلحاح عليهم بتوسيع دائرة صناعة القرار، فأهل المشورة في البلد من أهل الخبرة والدراية عديدون، ويستحقّون أن تكون لهم مواقعهم في مؤسّسات السلطة والإدارة والتنفيذ والتخطيط. وأياً كانت التحفّظات على آليات تشكيل مجلس الشعب (البرلمان) المنتظر، يبقى مأمولاً أن يهيئ هذا المجلس القوانين المستعجلة، مثل قانوني الأحزاب والانتخابات، فضلا عن الدستور الذي لا بد من عرضه لاستفتاء شعبي... وبالانتظار، وفي غضون عقوباتٍ أميركيةٍ ودوليةٍ لم تُرفع بعد، نُراقب ونعلّق.