Skip to main content
السماح بقيادة المرأة السعودية للسيارة: استثمار سياسي لحق بديهي
العربي الجديد ــ لندن
مثّل قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة أخيراً بعد منع استمر لعقود طويلة، منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة، حدثاً حقوقياً في المملكة المعروفة بسجلها السيئ في حقوق الإنسان والمساواة والحريات المدنية. وقرر ولي العهد، الحاكم الفعلي للسعودية، محمد بن سلمان، في سبتمبر/ أيلول الماضي، السماح للمرأة بقيادة السيارة، على أن يبدأ سريان القرار في 24 يونيو/ حزيران الحالي، لاعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية، في ظل تحوّل كامل للسياسات الاقتصادية، وطرح مشروع رؤية 2030 والتي تهدف إلى تقليل الاعتماد على العوائد النفطية وتبنّي سياسة السوق المفتوح وجلب الاستثمارات الأجنبية ورفع الدعم عن السلع الأساسية وفرض الضرائب.

ولم يكن ممكناً تطبيق هذه الرؤية من دون وجود سوق كبير للعمالة يتمثّل في المرأة السعودية التي حصلت على مستويات عالية من التعليم لكنها بقيت محرومة من حق التنقل بسبب تعنّت السلطات السعودية في منحها حق قيادة السيارة، إذ سبق أن اعتقلت مجموعة من النساء اللواتي قمن بحملة للقيادة في عام 1990 وطردتهن من وظائفهن الأكاديمية وضغطت على أزواجهن، ثم عادت ولاحقت العشرات من الناشطات في هذا المجال طوال 27 عاماً بعد ذلك. كما أن السائقين الأجانب الذين تستخدمهم المرأة السعودية في تنقلاتها إلى مكان عملها أو دراستها، يستنزفون، بحسب الإحصائيات الحكومية، أكثر من 334 مليون ريال سعودي (ما يعادل 89 مليون دولار أميركي) ويقومون بتحويل أغلبها لخارج البلاد، وهو أمر رأت السلطات السعودية فيه تهديداً لاقتصادها الوطني.

وفور صدور المرسوم الملكي بالسماح للمرأة بحق قيادة السيارة البديهي، حاولت السلطات السعودية، وممثلوها في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الخارجية، تصوير هذا القرار كإنجاز حقوقي هائل تفضّلت به الحكومة على الشعب، وأن القرار جاء بمكرمة من القيادة السعودية وليس كنتيجة لنضال نسوي طويل استمر لـ27 سنة. فقام مندوب السعودية في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي، بإعلان الخبر في القاعة الأممية متباهياً به، قائلاً: أعتقد أنه يهمكم أن تعلموا أنه قبل دقائق صدر مرسوم يقضي بالسماح للمرأة بالقيادة في السعودية، وهذا يوم تاريخي للمجتمع السعودي والرجال والنساء. على الرغم من أن السلطات التي يمثّلها المعلمي أجبرت بنفسها العشرات من النساء اللواتي كن يقدن السيارات قبل ذلك على توقيع تعهدات بعدم تكرار هذا الأمر.


كما قامت وزارة الخارجية السعودية بحملة علاقات عامة كبيرة في الصحف الأميركية والبريطانية، وتحدث السفير السعودي في الولايات المتحدة خالد بن سلمان (شقيق ولي العهد)، لعدد من الصحف ووكالات الأنباء، معتبراً أن القرار ليس مجرد تغيير اجتماعي وإنما هو جزء من الإصلاح الاقتصادي في البلاد. وحاول الإعلام السعودي والسياسيون المحسوبون على ولي العهد، تقديم رواية جديدة لمنع قيادة السيارة، تقوم على أساس أن المرأة كانت تعيش حياة طبيعية تقود فيها السيارة وتتمتع بكافة الحقوق قبل عام 1979 حين قام تيار "الصحوة" بالسيطرة على الدولة ومفاصلها وأُجبرت الحكومة على فرض قرار منع قيادة المرأة للسيارة ومنع الاختلاط وفرض نظام ولاية الذكر على المرأة.

وقال محمد بن سلمان في مقابلته مع صحيفة "أتلانتك" الأميركية قبل أشهر: "قبل عام 1979 كانت هناك عادات اجتماعية أكثر مرونة، ولم تكن هناك قوانين للولاية في المملكة العربية السعودية، وأنا لا أتحدث عن قبل زمن طويل في عهد النبي، بل في الستينيات، لم تكن النساء ملزمات بالسفر مع أوليائهن الذكور (ما دُمن في صحبة آمنة)، لكن هذا يحدث الآن، ونتمنى إيجاد طريقة لحل هذا الأمر بحيث لا يضر بالعائلات ولا يضر بالثقافة".

لكن رفض السلطات السعودية إسقاط نظام الولاية، وتصريح ولي العهد بذلك في مناسبات عديدة، أكد أن الهدف من قرار السماح بالقيادة عائد لحملة العلاقات العامة التجميلية للنظام السعودي، الذي باتت الأعين مسلّطة عليه نتيجة للانتهاكات بحق المدنيين اليمنيين في الحرب الطاحنة التي تخوضها السعودية ضد الحوثيين، وآلاف المعتقلين السياسيين داخل البلاد والذين لا تعرف عائلاتهم أماكن وجودهم حتى. وظهر تسييس السلطات السعودية لقضية قيادة المرأة للسيارة، من خلال إصرار حكّام الرياض على تصوير القرار كمكرمة ملكية، على السعوديات إظهار الامتنان إزاءها من دون أي نشاط "نضالي" في سبيلها.

وفي هذا السياق، جاء اعتقال جهاز أمن الدولة التابع لمكتب ولي العهد مباشرة، القائمات على حملة المطالبة بقيادة المرأة للسيارة، في الشهرين الماضيين، أي بعد صدور قرار السماح للمرأة السعودية بالقيادة. وتم اعتقال الناشطات البارزات في الحملة، عزيزة اليوسف، ولجين الهذلول، وإيمان النفجان، وعائشة المانع، وحصة آل شيخ، قبل أن تفرج السلطات عن بعضهن بعد توقيع تعهدات بعدم الاحتفال بقرار السماح بالقيادة ونسبه إليهن بدلاً من نسبه إلى القيادة السعودية.
لكن أزمة وصاية الرجل على المرأة أو ما يعرف بنظام الولاية، لا تزال على حالها، ولا تزال تلاحق النظام السعودي في المحافل الدولية، خصوصاً مع تصاعد حالات الاعتراض عليها، ونمو حركة حقوق المرأة في المملكة، مدفوعة بالنجاح الذي حققته في مسألة السماح للمرأة بقيادة السيارة.