"النازيون الحقيقيون": البديل لأجل ألمانيا يقتحم البرلمان

25 سبتمبر 2017
يصنف الحزب أوروبياً وألمانياً بأنه "حزب مناوئ للمهاجرين" (Getty)
+ الخط -

 

لم يتردد وزير الخارجية الألماني، الاجتماعي الديمقراطي، سيغمار غابرييل، من قول رأيه صريحا حول التصويت لحزب "البديل" القومي المتطرف "النازيون الحقيقيون قادمون إلى البرلمان الاتحادي".

قول يصف تغير الثقافة السياسية الألمانية قبيل إعلان النتائج الصادمة، بتجاوز الحزب المغمور كل الاستطلاعات التي منحته في أكثر التقديرات 10 في المائة، بينما حصد ما يقرب من 13 في المائة.

يصنف الحزب أوروبياً وألمانياً بأنه "حزب مناوئ للمهاجرين"، بيد أن هذا التصنيف لا يخفي أبدا أنه يحمل ميولا عنصرية، ويستحسن بعض قادته كيل المديح لجنود ألمانيا من فترتي الحرب العالمية الأولى والثانية، للطلب من الجيل الجديد في ألمانيا الاقتداء بـ"وطنية هؤلاء الجنود".

وفي جانب آخر، مقلق داخلياً وخارجياً أن "البديل"، وبتصنيف غير مخفف، لا يتردد بعض قادته أيضا عن "إنكار المحرقة"، وبالتالي ينظر إليه على أنه "حزب معاد للسامية".

أمسك "البديل" منذ عامين بقصة "غزو اللاجئين"، كناية عن تدفق مئات الآلاف منهم إلى ألمانيا، ليشيع خطابا مستفزا للشارعين الألماني والمهاجر، وتجاوز في مرات عدة شعارات حركة بيغيدا (أوروبيون ضد أسلمة أوروبا) التي ذاع صيتها في أعقاب تظاهرات عنصرية في مدن ألمانية وأوروبية. ولا يخفى على ساسة ألمانيا الروابط الوثيقة بين شخصيات في الحزب وحركة بيغيدا والحركة الاشتراكية القومية، النازيون.

النقاش والجدل الذي تلوح ملامحه في أفق ملبد، بنتيجة الصدمة حول أسباب هذه النتيجة، لا يخفف منهما غبطة قوى تقول: لكن أكثر من 80 في المائة من برلماننا هم ديمقراطيون.

الجدل التالي لساعات انكشاف النتيجة، وما سيحمله في قادم الأيام، ينحى باتجاه سؤال كبير: من أين أتى البديل بكل هذه الأصوات؟

سريعا تلوح اتهامات بأن البديل والليبراليين جذبا أصواتاً من معسكر المحافظين، من تحالف ميركل نفسه، إضافة إلى قدرة الحزب على استغلال مشاعر ناقمة عند ناخبي "الكنبة"، لحثهم على الخروج ضد سياسة "الباب المفتوح"، التي انتهجتها ميركل منذ 2015 بشأن اللجوء، بالإضافة إلى أسباب أخرى ضد الاتحاد الأوروبي.

يتوقع المراقبون بأن المستوى السياسي الألماني سيجد نفسه بدءا من اليوم "تحت ضغط اليمين المتطرف". أمر يذهب إليه الأستاذ الجامعي الألماني في كوبنهاغن ديتلف سايغفريد فـ"أنجيلا ميركل ستواجه مأزقا باشتداد عود معسكر اليمين". وغيره يتوقع أن "تكون سنوات أربع تشبه ما حققه اليمين المتطرف من نفوذ في دول أخرى".

ففي الجارة اسكندنافيا، لم يتردد حزب الشعب الدنماركي وحزب ديمقراطيي السويد عن التعبير عن فرح غامر وتهنئة علنية لتقدم اليمين الألماني المتطرف. فهؤلاء خاضوا خلال السنوات الماضية ذات التجربة بالتسلق رويدا رويدا إلى أن أصبح تأثيرهم بينا. في كوبنهاغن يحتل حزب الشعب منصب "مقرر لجنة شؤون الهجرة والدمج" في البرلمان، أضف إلى النفوذ الواسع في ترؤس لجنة العلاقات الخارجية.

 وبحسب ما يقرأ خبراء زحف اليمين القومي، فإننا أمام تجربة مستنسخة، رغم اختلاف الثقافة والواقع بين هذه الدول، تثير ريبة وتشكك أغلبية المجتمعات حول الأهداف الحقيقية لهذه الأحزاب والحركات التي تصعد صعودا مدويا خلال سنوات قليلة فقط.

ولن يكون الأمر سهلا بالنسبة لمستشارة اختارت سياسة الوسط، وتحالفها مع الاجتماعي الديمقراطي في حكومة ائتلافية كان المؤشر على براغماتية هذه السيدة وتيارها. بيد أن نجاح اليمين المتطرف سيكون حسابه مختلفا هذه المرة، وهي تدرك نزيف الأصوات من معسكرها إلى اليمين.

أستاذ التاريخ الألماني سايغفريد يخشى أن نزيف أكثر من مليون صوت نحو الليبراليين الجدد وأكثر من ذلك الرقم نحو البديل "سيدفع ميركل للتفكير مليا في سنواتها القادمة حول ما يمكن أن تراجعه لكيلا يستمر النزيف".

ويرى سايغفريد أنه "سنكون ربما أمام سياسة لجوء مقيدة، لكن ذلك لا يعني أن ألمانيا ستوقف قبول لاجئين على افتراض أن الخضر والليبراليين دخلوا الائتلاف، وسيظل الاختلاف يأخذ طابعا أيديولوجيا مع اليمين المتشدد".

لا يفصل بعضهم بين تقدم الخطاب الترامبي في واشنطن، بالإضافة إلى خطاب التشدد في دول مجاورة كالنمسا وهولندا وإسكندنافيا والمجر، وتقدم اليمين المتطرف. وبعضهم الآخر يراهن على الخلافات الداخلية في "البديل". في حين يرى آخرون بأنه "حدثت سابقا مثل هذه الاختلافات في أحزاب قومية متطرفة شمالا وسبب انشقاقات فيها، لكنها لم تختف بل استمرت بقوة، والدليل ما تعطيه نتائج الانتخابات هنا وهناك".

الأمر ليس بسيطا على الألمان وجيرانهم الذين يخشون تداعيات تقوية معسكر التطرف وتأثيره على العلاقات الأوروبية وعلى مجتمعاتهم، لكن في المقابل يراهن كثيرون على نظرية أن الألمان يفضلون الاستقرار على أن يتحول الصراع إلى أيديولوجيا. مراهنة ربما تكشف الأيام مدى مصداقيتها، والأعين كلها على ما إذا كانت المستشارة الألمانية ستلين كما يفعل ساسة أوروبيون آخرون بحجة "قطع الطريق على المتطرفين"، وهذه المرة بوصف ألماني "نازيون حقيقيون".