"بتسيلم": إسرائيل كرّست واقعاً للسيطرة على الضفّة وخنق الفلسطينيين

"بتسيلم": إسرائيل كرّست واقعاً للسيطرة على الضفّة وخنق الفلسطينيين

08 يونيو 2014
تتصرّف اسرائيل بالضفّة وكأنها خاضعة لها(أحمد غربلي/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

أصدرت منظمة "بتسيلم" الاسرائيلية لحقوق الانسان، دراسة مطوّلة لمناسبة مرور 47 عاماً على احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، اعتبرت فيها أن "إسرائيل خلقت في الضفة الغربية واقعاً يعيش فيه الفلسطينيّون تحت حكم عسكريّ صارم، يخدم مصالح إسرائيل والمستوطنين أولاً وأخيراً، وأن هذا الواقع لا ينحصر في سلب حقوق الإنسان، منذ نحو خمسين عاماً فحسب، بل هو واقع يُعبّر عن نوايا بعيدة الأمد".

وجاء في مقدمة الدراسة: "يبدو أحياناً وكأنّ الاحتلال أضحى ماضياً، فالتقارير المتتالية عن نساء اضطررنَ إلى الولادة على الحاجز انقضت منذ زمن، والأخبار المتعلقة بعمليات القتل والعنف والهدم قد تناقصت. إسرائيل لم تعد ضالعة بالبتّ في المنهاج الدراسيّ للأطفال الفلسطينيّين، وجنود الجيش الإسرائيليّ لم يعودوا حاضرين في قصبة نابلس بشكل دائم. وبدلاً من كلّ ذلك نسمع عن مدينة جديدة، يبنيها الفلسطينيّون في الضفة، وعن تنسيق أمنيّ مع السلطة الفلسطينيّة".

وتابعت: "إلا أنّ الاحتلال لا يزال هنا وهو يقترب من عامه الخمسين. جيل ثالث وحتى رابع من الفلسطينيّين والإسرائيليّين وُلدوا أثناء الاحتلال، وهو الواقع الوحيد الذي يعرفونه. وقد أدّت اتفاقية أوسلو التي وُقّعت قبل نحو 20 عاماً، إلى إقامة السلطة الفلسطينيّة، لتستولد وهماً بأنّ تأثير إسرائيل على حياة الفلسطينيّين أضحى هامشياً تقريباً. ومع ذلك لا تزال إسرائيل العامل الأكثر تأثيراً على الحياة اليوميّة لجميع سكان الضفة الغربيّة".

المستوطنات: هذه هي القصّة

ولفتت الدراسة الى أن "المستوطنات اليوم هي العامل الأكثر تأثيراً على واقع الحياة في الضفة الغربيّة: فأكثر من 300 ألف مستوطن يعيشون في أكثر من 200 مستوطنة وبؤر استيطانيّة في أرجاء الضفة، وشُيّدت كلها خلافاً لأحكام القانون الإنسانيّ الدوليّ، وبعضها حتى خلافاً للقانون الإسرائيليّ".

وأضافت: "في المقابل، فإن مئات آلاف الدونمات من الأراضي، بما فيها مناطق رعي ومناطق زراعيّة انتُزعت من الفلسطينيّين لصالح إقامة المستوطنات. وأُعلن عن قسم كبير منها كأراضي دولة، من خلال الاستناد إلى تفسير مشكوك به للقانون. كما نُهبت مناطق أخرى من الفلسطينيّين، لهذا الغرض، عن طريق فرض وقائع على الأرض ومن خلال اللجوء إلى القوة. إلى جانب ذلك، خُصّصت لصالح المستوطنات، وبسخاء كبير، مساحات شاسعة، تزيد مساحتها كثيراً عن المنطقة العمرانيّة فيها. بينما أُعلنت كل مناطق المستوطنات مناطق عسكريّة مغلقة، يُحظر دخول الفلسطينيّين إليها من دون تصريح".

وأكدت الدراسة أن "إسقاطات المستوطنات على حقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيّين، وحجمَ الأراضي التي استولوا عليها لغرض إقامتها أكبر بكثير: فقد صُودرت أراضٍ أخرى لصالح شقّ مئات الكيلومترات من الطرق والشوارع الالتفافيّة لصالح المستوطنين، كما نُصبت الحواجز والوسائل المُقيّدة الأخرى، التي لا تقيّد إلا حركة الفلسطينييّن، وفقاً لموقع المستوطنات، فضلاً عن إغلاق أراضٍ زراعيّة كثيرة بشكل فعليّ، تقع داخل مناطق المستوطنات وخارجها، بوجه مالكيها الفلسطينيين".

وكان لجدار الفصل مساحة في التقرير، الذي اعتبر أنه "تقرّر مساره الملتوي داخل مناطق الضفة، من أجل إبقاء أكثر ما يمكن من المستوطنات والمساحات الشاسعة التي تخصّصها إسرائيل، لتوسيعها في الجهة الغربيّة للجدار. وتؤدّي إقامة الجدار في مساره الحاليّ إلى إلحاق الضرر الشديد بحقوق الفلسطينيّين الذين يسكنون بجواره، إذ يعزل بعضهم داخل مُسوَّرات، كما يشوّش روتين حياتهم، ويحدّ من قدرتهم على الوصول إلى أراضيهم الزراعيّة، ومن إمكانية الحصول على الخدمات الحيويّة والالتقاء بأفراد العائلة والأصدقاء، الذين ظلّوا في الجهة الأخرى من الجدار، ويحول دون تطوير هذه المناطق".

وأشارت الدراسة إلى أن "وجود مستوطنين إسرائيليّين في الضفة، والمستوطنات والبؤر الاستيطانيّة المنتشرة في كلّ مناطقها، يشكّلان السبب الأساسيّ من وراء وجود أعداد كبيرة من قوات الجيش في الضفة. وتخصّص هذه القوات مواردَ جمّة، بغية ضمان عدم خرق الفلسطينيّين للأوامر العسكريّة، المخصّصة لإبعادهم عن مناطق المستوطنات، وأيضاً بغية منعهم من المسّ بالمستوطنين والمستوطنات. وتُعتبر الأفعال الاسرائيلية بمثابة اعتداءات، إضافة الى أن المستوطنات تُعدّ انتهاكاً لأحكام القانون الإنسانيّ الدوليّ".

وأفادت الدراسة بأن "وجود قوات جيش الاحتلال بهذا الشكل يخلق تماساً يومياً بينهم وبين السكان الفلسطينيّين، ويؤدّي بدوره إلى انتهاك قوات الأمن لحقوق الإنسان، ويتجلّى ذلك في الممارسات العنيفة وإطلاق النار خلافاً للقانون".

ولفتت إلى أن "إسرائيل سيّرت غالبية القوانين على المستوطنات والمستوطنين. ونتيجةً لذلك، يتمتّع المستوطنون بكلّ الحقوق المكفولة للسكان الإسرائيليين داخل الخط الأخضر".

اتفاقية أوسلو: وهم الحكم الذاتيّ

وخلصت الدراسة إلى أنه "خلافاً لأهدافها المعلنة، فإنّ اتفاقية أوسلو تسمح لإسرائيل بتثبيت سيطرتها على جميع مناطق الضفة، واستغلالها لأغراضها والتأثير على النواحي الهامّة في حياة سكانها الفلسطينيّين اليوميّة".

وشرحت الوضع تفصيلاً، كالتالي: "قُسّمت السيطرة على الضفة الغربية لفترة مؤقتة، كان من المفترض أن تستمرّ لخمس سنوات إلى حين التوقيع على اتفاقية الحلّ الدائم، وفق ما يلي: نحو 40 في المئة من مناطق الضفة، التي كانت في غالبيتها منطقة فلسطينيّة عمرانيّة، أثناء التوقيع على الاتفاقية والتي كانت تعيش فيها الأغلبيّة الساحقة من السكان الفلسطينيّين، نُقلت إلى السيطرة الكاملة أو الجزئيّة للسلطة الفلسطينيّة، وعُرّفت هذه المناطق كمناطق آي وبي، وأبقت إسرائيل نحو 60 في المئة من مناطق الضفة المُصنّفة كمناطق سي، والتي شملت، من ضمن ما شملت، مناطق المستوطنات برمّتها، تحت سيطرتها الكاملة".

وأفادت الدراسة بأن "إسرائيل تتعامل مع المنطقة (ج)، وكأنها مخصّصة لخدمة احتياجاتها فقط، من خلال تجاهلها التامّ لكون الاتفاقيّة مؤقتة، فقد استغلّت المنطقة من أجل توسيع المستوطنات، كما ازداد عدد المستوطنين منذ ذلك الحين إلى أكثر من ثلاثة أضعاف. وفي الوقت ذاته لا ترى إسرائيل نفسها ملتزمة بتاتاً، أمام السكان الفلسطينيّين الذين يسكنون هذه المنطقة والذين يتراوح تعدادهم وفق التقديرات، بين 200 إلى 300 ألف نسمة، وتمنعهم بشكل شبه تامّ من أيّ بناء وتطوير، بمسوّغات مختلفة.

في المقابل، صنّفت مساحات واسعة جداً في الضفة، كمناطق عسكريّة وأراضي دولة يُحظر البناء فيها. وفي المنطقة الضيّقة التي بقيت، تمتنع الإدارة المدنيّة عن تجهيز مخططات هيكليّة لتلبية احتياجات السكان. وعندما يبني الفلسطينيّون مجبَرين، من دون تصاريح بناء، تهدّد الإدارة المدنيّة بهدم بيوتهم، وفي بعض الحالات تنفّذ هذه التهديدات".

ووفقاً لـ"بتسيلم"، فإن "هذه السياسة تهدف إلى إقصاء الفلسطينيّين عن المنطقة، بغية تسهيل ضمّها إلى إسرائيل مستقبلاً. وتتجسّد هذه السياسة بشكل عنيف جداً، في تعامل إسرائيل مع عشرات التجمّعات شبه الرّحالة، المنتشرة في المنطقة (ج)، وتطرد السلطات سكانها، أو تحاول طردهم، من بيوتهم ومن مناطق سكناهم".

ولفتت إلى أن "المناطق التي نُقلت إلى السلطة الفلسطينيّة، والتي سُمّيت بمنطقتيْ آي وبي، ليست متصلة بعضها بالبعض، بل مركّبة من عشرات الجزر المحاطة بمناطق عُرّفت كمناطق سي، ورغم أنّ الغالبيّة الساحقة من الفلسطينيين في الضفة يعيشون في هذه المناطق، إلا أنّ الجزء الأكبر من احتياطي الأراضي الضروريّ لتطوير هذه البلدات، ظلّ في المنطقة سي، ومن ضمنها أراضٍ كثيرة كانت في مناطق نفوذ بلديّة، وبعضها موجود في ملكيّات خاصّة".

وأشارت الدراسة إلى أن "أي نية لاستخدام لهذه الأراضي من أجل توسيع البلدات التي ظلت في منطقتيْ آي وبي، من أجل إقامة مصانع صناعيّة ومدّ خطوط مياه أو شق الشوارع، يجب أن تنال تصريحاً من السلطات الاسرائيلية، التي تمتنع في الغالب عن إصدار هذه التصاريح".
وأكدت "بتسيلم" مواصلة "إسرائيل السيطرة بشكل فرديّ على جميع سكان الضفة الغربيّة، الذين يتبعون ظاهرياً لحُكم السلطة الفلسطينيّة، فكلّ انتقال لفلسطينيّ من مدينة إلى أخرى ومن منطقة إلى منطقة منوط بعبور منطقة خاضعة لسيطرة إسرائيل الحصريّة، وبهذا يُفرض عليهم الاحتكاك مع قوات الأمن الإسرائيليّة. وتدخل هذه القوات بشكل متكرّر إلى منطقتيْ آي وبي، وفي الغالب بالتعاون مع السلطة الفلسطينيّة. كما تواصل إسرائيل أيضاً السيطرة على سجلّ السكان، وتحديد مَن يُعتبر من سكان الضفة، وتستمر بتسيير جهاز القضاء العسكريّ في الضفة، والذي تحاكم فيه آلاف الفلسطينيّين سنوياً ومن ضمنهم سكان منطقتيْ آي وبي".

وأضافت: "إلى جانب ذلك، لا يمكن لجميع سكان الضفة الغربيّة السفر للخارج من دون تصريح إسرائيليّ، ولا يمكن للمواطنين الأجانب الدخول إلى الضفة من دون مثل هذا التصريح. إن السلطات الإسرائيليّة مخوّلة باعتقالهم وطردهم حتى لو كانوا موجودين في منطقتيْ (ا) و(ب)".

"سيطرة قتاليّة" مؤقتة؟

وأشارت الدراسة أيضاً إلى أنه "رغم الدلالات السياسيّة والعاطفيّة المرافقة اليوم لكلمة احتلال، إلا أنّنا نتحدث عن مصطلح قضائيّ يصف مكانة منطقة ما، ليست جزءاً من مناطق الدولة السياديّة، والتي سيطرت عليها في إطار نزاع مسلّح. واليوم لا يكاد يختلف اثنان، بين أوساط الحقوقيين الدوليين وقضاة المحكمة العليا ومسؤولي الجيش الكبار، على أنّ قوانين الاحتلال هي التي تبلور واجبات وصلاحيات إسرائيل في الضفة الغربيّة. وبما أنّ القانون الدوليّ يحظر ضمّ منطقة بواسطة استخدام القوّة، فإنّ هذه القوانين تنصّ على أنّ الدولة المحتلة لا تغدو صاحبة السيادة في منطقة محتلة، وأنّ حُكمها فيها مؤقت فقط إلى حين التوصّل إلى تسوية سياسيّة لتنظيم مكانة المنطقة".

وتابعت: "إلا أنّ ممارسات إسرائيل الميدانيّة، تشير إلى أنها لا ترى في الاحتلال واقعاً مؤقتاً، وبدلاً من ذلك فإنها تتصرف في مناطق الضفة، وخصوصاً المنطقة (ج)، كما يحلو لها، وكأنها خاضعة لسيادتها الكاملة، فتسلب الأراضي وتستغلّ سائر الموارد الطبيعية في المنطقة لأغراضها الخاصة، وتشيّد فيها بلدات دائمة.

وفي المقابل، فإنها تتنصّل من الواجبات التي تلقيها عليها قوانين الاحتلال بخصوص جميع السكان الفلسطينيّين في الضفة، الذين يحقّ لهم بناء منازلهم في نحو 40 في المئة من مناطقها فقط، ومن ضمن ذلك، واجب الحفاظ على أمنهم والدفاع عن حقوقهم الملكيّة والسماح لهم بممارسة حقهم في السكن والرفاه وكسب الرزق.

وعلى مرّ السنين، قامت إسرائيل تدريجياً بخلق نظاميْ حكم منفصليْن في مناطق الضفة، يستند سريانهما على الهوية القوميّة، نظام للمستوطنين وآخر للفلسطينيّين. ويتمتّع المستوطنون بكلّ الحقوق المكفولة للاسرائيليين، وفي المقابل يعيش الفلسطينيّون تحت نظام عسكريّ صارم يخدم مصالح إسرائيل والمستوطنين أولاً وأخيراً. كما يخضع الفلسطينيّون لسلسلة من الأوامر العسكريّة التي تقيّدهم وتنتهك حقوقهم ولا يمكنهم المشاركة في اختيار الممثلين الإسرائيليّين في الأجسام (المواقع) المسؤولة عن اتخاذ القرارات التي تخصّهم".

الاحتلال باقٍ

وختمت الدراسة: "إن الوهم القاضي بأنه بالإمكان المضيّ قدماً على هذا الشكل، آخذٌ في التجذّر، في الوقت الذي يقوم فيه هذا الواقع بتثبيت الظلم، الأمر الذي يعني بالضرورة انتهاكاً يومياً لحقوق الإنسان الخاصّة بالسكان الفلسطينيّين الذين يعيشون تحت الاحتلال. إن هذا الواقع لن يتغيّر إلا لحظة انتهاء الاحتلال".

المساهمون