"مصطلحات الخطاب السياسي التونسي المعاصر": وسيط بين الشارع والنخبة

21 يناير 2019
(كتابات في ساحة الحكومة في العاصمة، 2011، فينبار أوريلي)
+ الخط -

بحلول العام الثامن على اندلاع الانتفاضات الشعبية في عدد من البلدان العربية، تبدو تونس الأكثر حظاً في مراجعة التحوُّلات الجارية خلال هذه الفترة، وإن أتى بعضها في سياق التجاذبات بين القوى والتيارات السياسية في البلاد ومحاولات كلّ منها إعادة ترتيب الأحداث وفق نظرتها الخاصّة.

ضمن هذه المراجعات، صدرت العديد من المؤلّفات التي قدّمت قراءات مغايرة للرواية السائدة حول تاريخ تونس ما بعد الاستقلال، في محاولة لاستعادة ذاكرة المعارضين والمنشقّين عن الحكم، والتي جرى إقصاؤها لعقود، وأيضاً للوقوف على العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي دفعت الجماهير إلى الاحتجاج في كانون الأول/ ديسمبر 2010.

في كتابه "مصطلحات الخطاب السياسي التونسي المعاصر"، الذي صدر حديثاً عن "دار أنديس للطباعة"، يذهب أخصائي علم النفس التربوي والناشط السياسي محمد جلال بن سعد إلى رصد مفرداتٍ وشعاراتٍ برزت مع الثورة التونسية وما بعدها، بالعودة إلى النصوص والجداول والأرقام والصور التي وثّقتها.

يتتبّع المؤلّف هذه المصطلحات وفق التسلسل الزمني لظهورها وتداوُلها؛ حيث بدأ بشعارات "شغل، حرية، كرامة وطنیة"، و"التشغیل استحقاق يا عصابة السرّاق"، و"حرّيات، حرّيات، لا رئاسة مدى الحياة"، وصولاُ إلى الشعار الشهير "الشعب يريد إسقاط النظام"، ثم "ارحل"، معتبراً أنها تنتمي إلى منظومة لغوية هامشية جرى انتقالها في لحظة تاريخية إلى المركز.

المرحلة الثانية انطلقت مع تنظيم الاعتصامات والوقفات الاحتجاجیة بعد رحيل زين العابدين بن علي، والتي أفرزت مؤسّسات وهياكل جديدة؛ حيث يبحث الكتاب جملة المصطلحات التي عبّرت عنها الاصطفافات السياسية الجديدة، وكيف عرّف كلُ فريق أو حزب نفسه وصنّف آخر، وكذلك صعود حكم الترويكا (أحزاب التكتّل والمؤتمر والنهضة)، لمدّة ثلاث سنوات.

بالوصول إلى المرحلة الثالثة، التي تشكّلت بعد لقاء جمع في باريس بين الرئيس التونسي باجي قايد السبسي حين كان رئيساً لحركة "نداء تونس" وراشد الغنوشي زعيم "حركة النهضة" في آب/ أغسطس 2013، معتبراً أن هذه المرحلة لا تزال ممتدّة إلى اليوم، وأنها تركت تأثيرات كبيرة على الخطاب السياسي لدى جميع الفاعلين في الحياة العامة.

يُحاول الكتاب أن يأخذ المسافة ذاتها تجاه شعارات كلّ تيار سياسي بقصد توخّي الموضوعية والحياد. لكن ذلك لا ينفي وجود رؤية أساسية تحكم منهجية الكاتب وأدواته، تستند إلى أن الثورة قامت لأسباب اقتصادية، وهو ما يقوده إلى التركيز على الشعارات ذات الصلة بالتشغيل وحقوق العمّال، وعقد مقارنات للتطوُّرات التي طرأت عليها خلال الأعوام الثمانية المنصرمة، ليخلُص إلى أنها ما زالت تمثّل الشعار المركزي، وهو ما تؤشر عليه إحصائيات البطالة والوقفات الاحتجاجية التي تظهر بين حين وآخر، وفق قوله.

يقدّم الكاتب قراءته واستنتاجاته بأسلوب مبسّط؛ حيث يضع كلّ شعار أو مصطلح في سياقه الاجتماعي، رابطاً بينها وبين العديد من الظواهر أو الأحداث البارزة، سعياً منه لتقديم تفسير لأسبابها وتمظهراتها وتأثيراتها على اللغة: الوسيط بين الشارع والنخبة.

المساهمون