إدواردو لإدواردو: لنشرب قهوتنا في البرازيل

23 مايو 2014
+ الخط -

 حينما تعرّف الكاتب إدواردو بشارة بركات (الأرجنتين 1975) إلى الفتاة الفرنسية "فاليري" في أحد شوارع القاهرة عام 2005، قالت له: أنا صديقة مصارع الثيران. لم يفهم بركات ماذا عنت بقولها، لكنه أخذ الأمر على أنّه ملاحظة وديّة. وفي ذلك الوقت لم يكن قد نشر أياً من أعماله، بل كان يحتفظ بكتاباته في أدراج مكتبه.

بعد أعوام قليلة، كانت "أستريد بشارة بركات" تبحث في "غوغل" عن كلمات الأغاني التي ألفها أخوها إدواردو، حين وجدت كاتباً آخر يحمل الاسم ذاته مع اختلاف اسم العائلة الأخير فقط، كما أنّه يشبهه في الشكل. (في أميركا اللاتينية يحمل الشخص لقب عائلة الأب أولاً ثم الأم).

رسائل إلكترونية عديدة دارت بين "إدواردو بشارة بركات" و"إدواردو بشارة نافراتيلوفا" (كولومبيا 1972)، قبل أن يلتقيا في البرازيل، ويدرك بركات أن الفرنسية "فاليري" في الحقيقة وقعت في حب صاحب رواية "صديقة مصارع الثيران" (إدواردو نافراتيلوفا)، الذي اعتقدت ـ خطأً ـ أن الشخص الذي تعرّفت إليه هو ذلك الروائي.

"فاليري"، التي كان ظهورها واختفاؤها سريعَين، هي إحدى الصّدف المشتركة بين "البشارتَين" اللذين رمتهما الأقدار في أميركا الجنوبية.

ينتمي "إدواردو بشارة بركات" إلى الجيل الثالث من عائلة مهاجرة إلى الأرجنتين من مدينة "صدد" (درعا) جنوب سوريا. أراد والده الزواج من بنات إحدى العائلات المهاجرات، فالتقى والدته التي كانت لا تزال في الخامسة عشرة من عمرها، وقرر الأب أن ينتظر سنتين قبل أن يتقدّم لخطبتها.

كانت حصيلة هذا الزواج خمس ثمرات، لكن الحال السعيد لم يكتمل لوفاة الوالد باكراً، حين كان "إدواردو" في الخامسة عشرة من عمره. مع هذا، استطاع الإخوة النهوض بالعائلة من خلال عملهم في التجارة والاستثمار، كحال العرب المهاجرين في أميركا اللاتينية. بيد أن "إدواردو"، الحاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، سيكتفي بفندق يديره في العاصمة الأرجنتينية، متخلّياً عن جميع الاستثمارات الأخرى، ومتفرّغاً للكتابة. وعن هذا يقول: "لم أختر ما يجعلني أكثر رفاهية، بل أكثر سعادة".

حسم هذا الخيار بعد لقائه نسخَته الثانية "إدواردو بشارة نافراتيلوفا" الذي كان قد شقّ طريقه فعلاً في عالم الكتابة.

أما "نافراتيلوفا" فهو ينحدر من عائلتين مهاجرتين، إذ هاجر جدّه لأبيه عام 1930 من زحلة في لبنان، متوجهاً إلى باريس حين كان في الثلاثين من عمره، ثم التحق بأقاربه الذين سبقوه إلى كولومبيا. وهناك تزوج من مهاجرة لبنانية هي "أولغا ماروكة"، وأنجبا ثلاثة أبناء، من بينهم خوسيه (والد الشاعر). وقد اهتمّت تلك العائلة بالثقافة، فكان الجد من أوائل الذين أحضروا موسوعة بريطانية إلى كولومبيا.

ترك تاريخ العائلة أثراً كبيراً في شخصية "نافراتيلوفا"، فالأب "خوسيه" أصيب بشلل الأطفال، وأجريت له عملية في بروكلين في الولايات المتحدة اضطرته إلى ملازمة السرير لفترة طويلة، حيث اكتسب تعليمه في المنزل. وأسّس الجد شركة في مانهاتن باسم "فينيقيا" سرعان ما أفلست فأصيب بسكتة قلبية وتوفي على الفور. أما الأب والأعمام فربّتهم إحدى العمّات في ظروف اقتصادية صعبة جداً، لكنها حفزتهم على العمل الجاد والدراسة. فدرس الأب القانون في كولومبيا، وحصل على بعثة ""فولبرايت للدراسة في نيويورك، وتعرّف هناك إلى أمَّ الشاعر (من أصل تشيكوسلوفاكي ولاجئة سياسية في البرازيل) التي انتقلت بعد زواجها مع الأب للعيش في كولومبيا.

الهجرة والموت المبكر للجد حالا دون أن تنتقل اللغة العربية إلى الأجيال اللاحقة، يقولها إدواردو بحزن عميق، ويؤكد أنه سيذهب إلى لبنان لتلقي دروس بالعربية.

ورث "إدواردو" من عائلته الرغبة في تبديل الأمكنة، فهو تنقّل بين الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية، كالبرازيل والأرجنتين، من أجل العمل والكتابة في عدة مشاريع، منها مشروعه الذي لم ينهه بعد، وهو "البحث عن شعراء". وفيه جاب أميركا الجنوبية (بدعم من عدة مؤسسات ثقافية) للبحث عن شعراء مغمورين، وضم قصائدهم في أنطولوجيا شعريَّة.

اشترك "بركات" و"نافراتيلوفا" (في الأرجنتين) في كتابة رواية بعنوان "كفاية"، وهي قصة أرجنتيني وكولومبي يعملان في مجلة "كفاية" في مصر ضد حكم حسني مبارك لمدة عشر سنوات. الرواية استوحياها من إقامة "بركات" في مصر خلال حكم الرئيس المخلوع، واطِّلاعه على الأحداث السياسية هناك. و"بركات"، إضافة إلى كونه كاتب قصص قصيرة ومقالات، هو ناشط سياسي أيضاً، لكنه لا ينتمي لا إلى اليمين ولا إلى اليسار اللاتينييَن، بل إلى ما يصفه بـ"أقصى الوسط".

في هذا العمل منح كلٌّ منهما معرفته وخبرته، لا سيّما أن "إدواردو بشارة نافراتيلوفا" الحاصل على شهادتيْ ماجستير في القانون والكتابة الابداعية من جامعة فيلادلفيا ومدرّس الكتابة الإبداعية؛ هو من أخذ بيد "إدواردو بشارة بركات" إلى أن نشر نصوصه في كتاب اختار له الأخير اسم "مخلوقات ماندالا"، وأتبعه بكتاب "وطن الريح" الذي احتفل بتوقيعه مع ديوان "متشرد ليوم واحد" لـ"نافراتيلوفا".

"نافراتيلوفا" الذي تربّى كباقي اللبنانيين المهاجرين على كتابي "النبي" لجبران خليل جبران و"كليلة ودمنة"؛ هو أيضاً مؤرّخ، ولذلك فهو ينفق كل النّقود التي حصل عليها في حياته على السفر والترحال. فعدا عن جولته في أميركا اللاتينية، جاب شرق آسيا، ويفكر بزيارة شرق أوروبا قريباً. إلا أنّ ولعه الأكبر يسبقه إلى "الشرق الأوسط" الذي تربّى على عاداته.


أبراكادابرا، قصة قصيرة لـ إدواردو بشارة بركات

قصائد مخيّبة للآمال، مختارات شعرية لـ إدواردو بشارة نافراتيلوفا

المساهمون