ابنتي أميرة... ما العيب في ذلك؟

15 يوليو 2017
تبرّج الصغيرات ليس مجرّد لعبة بيت بيوت (ريبيكا هالاس/Getty)
+ الخط -

في السنوات الأخيرة، راحت تنتشر في محلات الأطفال أحذية ذات كعب عال ومستحضرات تجميل خاصة بالفتيات الصغيرات، فيما الأزياء التي تُصمّم لهنّ تحرص على إبراز "مفاتنهنّ".


عرض مغرٍ. هل اقترب عيد ميلاد ابنتكِ؟ هل ترغبين في تنظيم حفل لها لا تنساه؟ إذا كانت سنّها تتراوح ما بين أربعة أعوام وثلاثة عشر عاماً، تستطيعين دعوة عشر صديقات لها حتى يحتفلنَ معها بتلك المناسبة السعيدة، لقاء ثلاثمائة وخمسين دولاراً أميركيّاً فقط لا غير. إعلان أطلقه أخيراً مركز ترفيه للصغار، فتياناً وفتيات، في منطقة ساحليّة شماليّ بيروت. في مجمّع سياحيّ جديد، لا يمكن لأيّ كان ألّا يلاحظ ذاك الباب الخشبيّ الأخضر الكبير. خلفه عالم سحريّ من الألوان. من دون أن يتنّبه الداخل إليه، يجد نفسه وقد ابتسم. للألوان تأثيرها الخالب، كذلك فإنّ ابتسامة موظّفة الاستقبال الخمسينيّة معدية.

في الداخل، مساحات للعب يستفيد منها الفتيان والفتيات على حدّ سواء. أمّا في الطبقة السفلى من مركز الترفيه، فثمّة قاعة مخصّصة حصراً للصغيرات. جدرانها طُليت بلون زهريّ غامق، فيما عُلّقت عليها صور لشخصيّات كرتونيّة من الإناث دون سواهنّ. في القاعة عدد كبير من الشعر المستعار، أشقر بأكثره، إلى جانب عشرات التيجان اللامعة. في جهة أخرى، مقاعد مع وسائد من المخمل الزهريّ والبنفسجيّ. أمامها، وضعت على الأرض تجهيزات خاصة للعناية بالقدمَين، في حين عُلّقت على مقربة منها أردية استحمام بنفسجيّة اللون ومناشف بيضاء تتخلّلها أزهار بنفسجيّة وزهريّة. وفي إحدى زوايا "صالون الأميرات" طاولتان كبيرتان وكراسٍ وألعاب محشوّة، بالإضافة إلى خزانة تحوي مستحضرات تجميل مختلفة.

العرض المغري لا يشمل قالب الحلوى الذي يتراوح سعره ما بين مائة وعشرين دولاراً ومائة وخمسين دولاراً، وكذلك وجبة الطعام التي يتراوح سعرها ما بين عشرة دولارات وثلاثة عشر دولاراً من دون احتساب العصير. العبوة الصغيرة المخصّصة للطفلة الواحدة تُباع في مقابل دولارَين اثنَين. وثمّة تكلفة إضافيّة في حال دُعيَت أمّهات صديقات الصغيرة صاحبة العيد لتناول فنجان قهوة على سبيل المثال، في انتظار انتهاء الحفل الذي يُختتم بعرض للأزياء بطلاته هؤلاء الصغيرات.



المشكلة ليست في ما يخفيه الإعلان والذي لا يُعَدّ مجرّد تفاصيل، إذ إنّ تكلفة الحفل التي تبلغ في الواقع نحو ضعفَي ما أشار إليه الإعلان. المشكلة تكمن في الحفل بحدّ ذاته والذي تتحوّل خلاله الصغيرات إلى "إناث مغريات". فهنّ يخضعنَ لجلسات تجميل مع عناية خاصة بالبشرة وأظافر اليدَين والرجلَين، بالإضافة إلى تدليك وتبرّج وطلاء أظافر وما إليها من أمور قد يكون من المبكر جعل الفتيات الصغيرات يعتدنَ عليها. "ما خطب الرسم على الوجوه؟" تتساءل المتخصّصة في علم النفس الاجتماعي مايا متّى. تضيف: "لماذا الاستعجال في تعليم الصغيرات كيفيّة الإغراء؟ ألا يكفي ما يتلقّينَه من البرامج التلفزيونيّة التي يشاهدونها وممّا يصادفنَه على مواقع التواصل الاجتماعيّ والإنترنت عموماً. الفتيات الصغيرات - الفتيان الصغار كذلك - تُستباح طفولتهنّ من خلال وسائل الإعلام والاتصالات مهما اختلفت أشكالها، وقلّة قليلة من الأهل تراقب بالفعل ما يشاهده أولادها أو تزوّد أجهزة هؤلاء ببرامج إلكترونيّة خاصة لحمايتهم".

"الجنسنة الفائقة" هذا ما تحذّر منه متّى، "إذ إنّ التبرّج وما يجري في صالونات التجميل الخاصة بالفتيات الصغيرات ليس مجرّد لعبة بيت بيوت. الحدّ الفاصل بين اللعب والإغراء لا يعود واضحاً". تجدر الإشارة هنا إلى أنّ "صالون الأميرات" يستقبل في خارج إطار حفلات أعياد الميلاد، كلّ فتاة ترغب والدتها في تجميلها أو في حصولها على عناية خاصة ببشرتها أو على جلسة تدليك. كلّ ما على الأمّ فعله هو الاتصال بالمركز وحجز موعد في مقابل ثلاثين دولاراً.

تقول متّى إنّه "من الطبيعيّ أن تلجأ فتاة صغيرة إلى أحمر الشفاه أو طلاء الأظافر أو الأحذية ذات الكعب العالي في محاولة للتماهي مع والدتها. لكنّ الأمر قد يخرج عن السيطرة، بالتالي ثمّة حاجة إلى ضبط من قبل الأمّ نفسها. من المهمّ ألا تشجّع ذلك، إذ إنّها تدفع بصغيرتها إلى حرق مراحل من عمرها. وهذا يضرّ بنموّها".

وتلفت إلى أنّ "ثمّة أمّهات يشجّعنَ ذلك في سنّ صغيرة، لكنّهنّ وعند بلوغ بناتهنّ سنوات المراهقة الأولى يحاولنَ نهيهنّ عن الأمر. كأنّ ذلك ممكن بمجرّد كبسة زرّ (كن فيكون). بتلك الطريقة، هنّ يُربكنَ صغيراتهنّ وقد يتسبّبنَ من دون أن يدركنَ في حالات نفسيّة سلبيّة لدى صغيرات على أبواب المراهقة". لكنّ هيفاء وهي أمّ لفتاة في الثامنة من عمرها، ترفض هذا الكلام جملة وتفصيلاً، فهي كلّما قصدت صالون التجميل أو مصفّف الشعر تصطحبها معها. والصغيرة لا ترافقها فحسب، بل تستفيد من الخدمات التي تُقدَّم هناك. تقول: "أريد أن تكون ابنتي دائماً أميرة.. ما العيب في ذلك؟ أن تكون الفتاة حسنة الهندام أمر لا بدّ منه. بهذه الطريقة تعتاد على الأمر، فهي سوف تصبح قريباً شابة ومن المهمّ أن تكون دائماً أنيقة وفاتنة".

تبدو متّى صارمة وهي تقول إن "الأمّ من خلال تحويل ابنتها البريئة إلى لوليتا، تجعلها أداة في يدها. وهذا أمر ظهر كثيراً من خلال تجارب عارضات أزياء أو ممثّلات صغيرات انتهكت أمّهاتهنّ طفولتهنّ واستخدمتهنّ لتحقيق أحلام كانت لهنّ في يوم أو ما زلنَ يرغبنَ فيها من دون أن تكون لهنّ القدرة على ذلك".

دلالات