احتفالٌ بالعربية لم يحضره أحد

19 ديسمبر 2016
تجهيز لـ سامي الغربي/ تونس
+ الخط -

تداولت وسائل إعلام مصرية، أمس، خبر انسحاب المتحدّثين من مقرّ "المجلس الأعلى للثقافة" في القاهرة، بعد انتظارهم أزيد عن ساعة من دون حضور أحد، ما دعاهم إلى إلقاء اللوم على الجهة المستضيفة للندوة المخصّصة للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية.

الحال ليست أفضل في كثير من المؤسسات الثقافية المصرية والعربية الأخرى، والتي سارعت من دون إعدادٍ وتحضير إلى تنظيم فعاليات تقوم على دعوة أكاديميين –بالدرجة الأولى- أو مثقّفين للحديث عن مكانة لغة الضاد ومستقبلها، رغم أن هؤلاء "المتخصّصين" لم يقدّموا في الغالب ما يستحق المتابعة حول نظريات اللغة وتطبيقاتها، باستثناء كراريس تُدّرس في أقسام اللغة العربية في الجامعات أو في المدارس وهي حتماً لا تستهوي جمهوراً قد يتكلّف عناء الذهاب إلى ندواتهم.

في عواصم عربية أخرى، لا يحضر أنشطة مجامع اللغة العربية سوى أعضاؤها، وينسحب الأمر على معظم الفعاليات التي تُعقد في يوم العربية من باب رفع العتب، وتسجيلها كجزء من مهام وواجبات موظّفين يُقدّمون أنفسهم كمشتغلين في حقل اللغة ومدافعين عن وجودها.

تكاد توصيات المنافحين عن لغتنا في محاضراتهم الدورية تتحوّل إلى محفوظات تشير إلى تهديد العربية من قبل اللغات الأجنبية التي بات العربي بتعلّمها في مدارسه ويتقنها أكثر من لغته، وبالطبع إعادة الحديث عن استخدام اللهجات المحكية في التعليم والقضاء والدبلوماسية والإعلام والفضاء العام.

لم تقدّم الحكومات العربية مشروعاً يحمي لغتها كما فعلت دول كثيرة تُدرّس جميع التخصّصات الدراسية بلغتها الأم بوصفها اللغة الأساس في التداول اليومي، فجميع البلدان الأوروبية ودول الشرق الآسيوي التي تترجم كل ما يستجدّ من معرفة وعلوم وتكنولوجيا حتى تتسنّى لشعوبها أن تعيش لحظتها الراهنة وتفكّر بها وتُنتج معارف وتطوّرها بلغتها وضمن سياقها الثقافي والحضاري.

ولم تتصالح الحكومات العربية، كذلك مع نفسها، وتعتمد نموذجاً آخر مثل الهند، التي قرّرت في لحظة تاريخية أن تعتمد الإنكليزية لغة رسمية للبلاد، وتُعلّم بها في جميع المستويات الدراسية، وبذلك أصبح الهنود جزءاً عضوياً وفاعلاً من النهضة العلمية الكونية، وهم يُقدّمون إنجازاتهم بلغة المستعمر، لكن ما يثير الانتباه هو أنهم يُقدّمون شعراً وأدباً في أغلب لغاتهم المحلية، وهي أعمال تستحوذ على اهتمام شعوب ولغات أخرى.

إما أن تجعل من لغتك لغة كونية أو تعتمد لغة بديلة؟ ربما يتفتّق البعض عن حلول أخرى، لكن من المؤكّد أن كل هذا التنظير المجاني عن العربية في يومها وفي بقية أيام السنة هو مجرّد تعويض نفسي عن افتقاد المرء القدرة على التفكير في هذه اللحظة الراهنة بوصفه جزء منها ومنتمياً إلى منظومتها.

المساهمون