الأوسكار وترامب.. سينمائيون في قائمة "التصفية"

26 فبراير 2017
(مشهد من فيلم "البائع" للمخرج أصغر فرهادي)
+ الخط -

وطن الفنّان هو العالم الذي تترجمه أعماله الفنيّة، ليصل إلى الكثير من الراغبين والباحثين عنه، ولكن ما الذي يمكن أن يحدث عندما يتمّ احتجاز هذا الفنان خارج محفل عالمي يحتفي بإسهامه الفني، بكل تأكيد ما سيحدث هو لا شيء سوى الحسرة.

المخرج الإيراني أصغر فرهادي، شارك بفيلمه (البائع – The Salesman) في مهرجان كان الفرنسي لأوّل مرّة، ونال جائزتي السيناريو والتمثيل، وهو الآن مرشّح لأوسكار أحسن فيلم أجنبي، التي سبق أن فاز بها عن فيلمه (انفصال نادر وسيمين - Separation)، وهو أوّل مخرج شرق أوسطي يفوز بتلك الجائزة، وإن فاز بها مرّة ثانية، سيفوّت على نفسه مرغمًا حضور هذا التكريم المهيب، لماذا؟ لأن إيران هي إحدى الدول التي تم منع مواطنيها من دخول الأراضي الأميركية، بالإضافة إلى الصومال والعراق ودول أخرى بها أغلبية مسلمة بسبب قرارات ترامب الكثيرة مع بداية ولايته الأولى.

المشكل في قرارات ترامب، أنها تتّخذ منهج التعميم لتصفية غير المرغوب فيهم هناك، متناسيًا أنه بذلك التعميم يأخذ العاطل في الباطل، ويساوي بين فرهادي وأيمن الظواهري مثلًا، وبذلك سيثير التعميم أيضًا، حفيظة كثيرين من المدعوين للحفل، من بينهم جمهور فرهادي، وسيثار أيضًا حديث هو في غنى عنه حول ترامب وقراراته، في توقيت يحتاجه لتجنب المشاكل، خاصّة أن أميركا في مرحلة انتقالية حرجة.

"هوليوود تعمل من خلال الغرباء والأجانب، ولو قمنا بطردهم جميعًا، لن تشاهدون سوى كرة القدم الأمريكية وبعض الألعاب القتالية، وهي ليست فناً".

هكذا تحدّثت ميريل ستريب عن هوليوود، في كلمة ألقتها في حفل جوائز الغولدن غلوب، تعليقًا على قرارات ترامب، وإذا كان هنالك مئات الملايين الذين شاهدوا حفل الغولدن غلوب وسمعوا كلمات ستريب، فإن هنالك عشرات الملايين الذين سيشاهدون حفل الأوسكار، وحديثًا عن تضامن فنانين مع فرهادي، كما سبق أن حدث في وسائل التواصل الاجتماعي من قبل، وأصبحت قضية رأي عام تحدثت عنها كبريات المحطّات والصحف العالمية.

لكن، هل أميركا هي الدولة الوحيدة الآن التي تمنع بعض الفنانين والدول أو الشخصيات العامة من الدخول لأراضيها؟ بالطبع لا، فمصر مثلا سبق أن منعت المخرج السوري محمد ملص مرّتين بسبب تصريحاته حول المواطنين السوريين، إحداها عندما كان سيترأّس لجنة تحكيم مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية، والأخرى كانت في مهرجان الإسكندرية في دورته الثلاثين، سوسن بدر كذلك تم منعها من الدخول للسعودية بسبب مشاركتها في فيلم (موت أميرة - Death of a Princess) والكثير من تلك المواقف من بعض الدول سواءً بمنع جنسيات أو أشخاص بعينهم.

كل ذلك التضامن مع فرهادي وغيره، يجعلنا نتساءل، هل لحفل الأوسكار هذا البريق اليوتوبي؟، بالطبع لا، لأننا لا يمكننا تجاهل سياسة الأوسكار والتي تحاول إرضاء أية فئة يكثر الحديث عنها وعن ظلمها مهما كانت قيمتهم الفنية رديئة في الترشيحات، فهم يحاولون دائمًا تجميل صورتهم دون اعتبار لقيمة فنية هنا أو هناك.

في العام الماضي والعام الذي قبله، لم يتم ترشيح ممثلين سود البشرة لاعتبارات لجنة الأوسكار، وربّما هذا العام لولا اتهام البعض لأكاديمية الفنون المانحة للأوسكار بانحيازها ضد السود لما شاهدنا سبعة ترشيحات من أصل عشرين، وهي أكبر نسبة للسود في تاريخ الجائزة، وكأن السود "كوته" أو "حزب" لا بد له من ممثلين في حفل الأوسكار.

لكن .. هل هذا فقط ما سننتظره في حفل الأوسكار هذا العام؟ بالطبع لا؛ الحفل هذا العام بكل تأكيد سيكون فريدًا، بسبب الأجواء المتوتّرة، وبسبب فيلم "لا لا لاند"، (أرض الأحلام – The La La Land) والذي تم ترشيحه لأربعة عشر أوسكارًا وبذلك يعادل عدد ترشيحات فيلمي (التايتانيك - Titanic ) و(كل شيء عن حواء - All About Eve)، وهو أكبر عدد من الترشيحات في تاريخ الجائزة.

وبكل تأكيد سيكون له نصيب الأسد منها، لأن الجميع يعتقد بأنه الفيلم الظاهرة لهذا العام، فاز بسبعة جوائز غولدن غلوب، وأربعة من بافتا، وحوالي مائة جائزة، ومائتي ترشيح آخرين، وهذا رقم كبير جدًا، بالنسبة لمخرج واعد، يصنع فيلمه الطويل الثالث، ولم يتخطَ الخامسة والثلاثين بعد.

ميريل ستريب، تتخطى الجميع في عدد الترشيحات للأوسكار بالترشيح العشرين لهذا العام في فئة أفضل ممثلة وممثلة مساعدة، وسبق أن فازت بها ثلاث مرات، وإن فازت بها هذا العام، ستتساوي والممثلة الكبيرة كاثرين هيبورن بأربعة جوائز لكل منهن.

ميل غيبسون يعود بعد غياب دام عشر سنوات عن الإخراج بفيلمه Hacksaw Ridge ، المرشّح لستة جوائز أوسكار منها الإخراج، ربّما تكون جائزة الأوسكار الثالثة له، أما توم هانكس يستمر غيابه عن الترشيحات منذ عام 2001 عندما تم ترشيحه لأفضل ممثل عن فيلم Cast Away، بالرغم من جودة فيلمه Sully وجودة مخرجه كلينت إيستوود، رّبما ذهب ترشيح هانكس لأحد أعضاء "الكوته".

المهم في هذا الأوسكار، أو في أي حفل فني يحتفي بالسينما، أو أي فنون هو الحفاظ على التنوع، والحفاظ على بريق النجاح وإثارة الجميع لخوض التجربة لأنها بكل تأكيد ستضيف بقدر أصالتها للعالم.

الأغبياء فقط، هم من يتخيلون أنه بالتصفية يمكننا أن نحتوي مشاكلنا، لا بمواجهتها وبمحاولة التأثير والإلهام، سواءً من خلال الفنون أو من خلال التصرّف بعقلانية ومعاقبة المخطئ فقط، لا بذاك المبدأ الحسنة تخصّ والسيئة تعم.

عموما فالفنون لا تحدّها السياسات، فمثلًا بالرغم من عدم وجود تطبيع بين إيران ومصر، تمّ تتويج فيلم (ميلبورن Melbourne)، لمخرجه الإيراني نيما جاويدي بجائزة الهرم الذهبي في مهرجان القاهرة عام 2014، وشاركت بعض جهات الإنتاج اليهودية في أفلام فلسطينية أو متعاطفة مع القضية الفلسطينية، مثل فيلم (شجرة الليمون Lemon Tree).

الفيلم الجيّد هو التجلّي، وما أكثر التجليات التي حاولت الحكومات طمسها لكنها لم تتم بفضل جمهور مخلص، دعم هذا العمل الفني بقصد أو بدون قصد لكي يستمر، يكفي جهود المتطوّعين لإنقاذ مومياء شادي عبد السلام، ومؤسّسة سكورسيزي التي نفذت عمليات الترميم دون مقابل وصبر تجاه بيروقراطية جهاز السينما في مصر، أن ترى الكثير من المتطوّعين لمساندة هذا المخرج أو ذاك في حملات التمويل الجماعي، والتي كانت إحداها مشاركة في تمويل الفيلم الأخير للمخرج أليخاندرو خودوروفسكي.

كل ذلك إيمانًا بأن الانسان وحده المهم، ما يزيده رفعة بالضرورة يحافظ على فرصنا في البقاء، وكل ما هو ضدّ لذلك هو ضد للطبيعة البشرية التي تحاول الاندماج دائمًا في المجموعة.

المساهمون