وجاء قرار نائب رئيس الحكومة، وزير الدفاع، سمير مقبل، بتأجيل تسريح قائد الجيش، العماد جان قهوجي، ورئيس الأركان، اللواء وليد سلمان، والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع، اللواء محمد خير، لمدة سنة، ليصبّ الزيت على نار الخلافات العونيّة الداخليّة، وخصوصاً أن المعلومات كانت تُشير إلى اتفاق على تأجيل تسريح سليمان تمهيداً لإيجاد تسوية.
لقد صدر قرار تأجيل التسريح بينما كان رئيس التيار الوطني الحرّ، النائب ميشال عون، يُبلغ المعنيين موافقته على ما رفضه سابقاً، أي تعديل قانون الدفاع الوطني، ليكون مخرجاً للأزمة، وهو تعديل يسمح برفع سنّ انتهاء الخدمة للضباط من رتب عميد ولواء وقائد الجيش ثلاث سنوات. وهذا ما كان ليسمح بتمديد ولاية قهوجي في قيادة الجيش، وهو الذي يملك إجماعاً دولياً حول بقائه، وباستمرار حظوظ العميد، شامل روكز (صهر عون)، بتولي قيادة الجيش بعد سنتين. لكن تيار المستقبل أعلن رفضه هذا الاقتراح بوضوح، وهو ما أدى لسقوطه. وبحسب مصادر سياسيّة تابعت هذا الملف، فإن باسيل أقنع عون بإمكانية السير بهذا الاقتراح.
اقرأ أيضاً: مأسسة تيار ميشال عون تهدّد بالانقسام الكبير
في المحصّلة، تم السير بتأجيل تسريح قهوجي، وهو قرار لم يكن ليمرّ فيما لو كان رئيس مجلس النواب، نبيه بري، وحزب الله يعارضانه. هنا تؤكّد مصادر سياسيّة متابعة لهذا الملف أن حزب الله تخلّى عملياً عن عون، رغم استمرار التضامن الإعلامي، "ويمكن القول إن حزب الله لم يكن في وارد السير في معركة لا أفق لها" كما تقول هذه المصادر. وتؤكّد هذه المصادر أن الخيارات محدودة أمام التيار اليوم، فهو غير قادر على التحرّك بالشارع، وخصوصاً أن تحركه الأخير في التاسع من يوليو/تموز الماضي أظهر ضعفاً كبيراً في القدرة على الحشد الشعبي في الشارع، كما لا يستطيع العودة إلى نغمة تعطيل الحكومة، "إلا إذا قرر عون الانتحار السياسي" بحسب هذه المصادر.
كان واضحاً هذا الضياع العوني عندما رفض الوزير المحسوب على التيار العوني، الياس بوصعب، التعليق على القرار في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، مبرراً ذلك بأنه خارج البلاد. لكن نائب رئيس مجلس النواب السابق، إيلي الفرزلي، (من الحلقة الضيقة المحيطة بعون)، يرى أن ملف التعيينات يُعدّ تفصيلاً في المعركة الكبرى وهي معركة قانون الانتخابات والشراكة الوطنية. ويُشير في حديث لـ"العربي الجديد" إلى ضرورة عدم إعطاء قيمة للمعارك الثانوية، التي حوّلها الإعلام إلى معركة كبرى من أجل الاستهداف السياسي. ويرى الفرزلي أن التمديد هو ثقافة هذه "الأكثرية التي سطت على الحكم عبر قانون انتخاب غير تمثيلي، نتج عنه مجلس نيابي مدد لنفسه".
لكن تداعيات قرار تأجيل تسريح قهوجي لا تقتصر على الواقع السياسي العوني، بل تنعكس على العلاقات داخل التيار الذي يُحضر للانتخابات الحزبية الأولى في 20 سبتمير/أيلول المقبل. وهنا تُشير مصادر عونيّة إلى أن المعركة لم تعد بين جناحين داخل التيار، واحد يقوده باسيل والآخر يضم النواب إبراهيم كنعان، زياد أسود، سيمون أبي رميا، آلان عون والقيادي العوني نعيم عون، بل باتت بين فريق النواب وشخص ميشال عون.
تقول هذه المصادر لـ"العربي الجديد" إنه بعد عشر سنوات من حرية العمل المتروكة لباسيل، الذي اختار وزراء التيار، وتُركت إدارة العلاقات السياسيّة والمالية له، يفشل باسيل في خوض المعركة وحيداً ويحتاج في كلّ خطوة إلى دعم "الجنرال"، كما يُسمي العونيون رئيس التيار، "ففي كلّ نقاش يُقال لمعارضي باسيل هذا ما يُريده الجنرال وهذا يُفضّله الجنرال وما إلى ذلك، واليوم يُطلب من الحزبيين انتخاب باسيل لأن الجنرال يمون".
وتسود أجواء الكوادر العونيّة حالة إحباط بسبب توالي الهزائم السياسيّة وفشل التنظيم الداخلي للحزب، "فهل يُعقل أن نعادي الطائفة السنية ونُسمي رئيس الحكومة، تمام سلام، بالداعشي فقط إرضاءً لباسيل بهدف تعزيز حظوظه في المعركة الحزبية" يقول أحد كواد تيار عون لـ"العربي الجديد". فيما يسأل آخر: "أين أصحاب العنتريات من قرار وزير الدفاع؟ لماذا صمتوا اليوم؟".
القاعدة العونيّة تُفضّل انتخاب روكز رئيساً جديداً للتيار، وتعتقد أنه قادرٌ على لمّ شمل الحزب، خصوصاً أن لهذه القاعدة علاقة محبة كبيرة للبزّة العسكريّة. لكن توقيت الانتخابات الحزبية يحرم روكز من هذا الحق، فهو يُحال للتقاعد بعد ثلاثة أسابيع من موعد الانتخابات المفترض، وفي حال فاز باسيل، فإنه قادر على مسك مفاصل التيار بسبب الصلاحيات الواسعة التي يملكها رئيس الحزب في النظام الداخلي، وقدرته المالية الكبيرة. في المقابل، يُصرّ معارضو باسيل على قدرتهم على المواجهة، "فالجنرال وُضع تحت سابع أرض عام 1990 ولم ينتهِ سياسياً، وظروفنا ليست بهذه الصعوبة، وإذا ما وقف الجنرال على الحياد، فإننا نستطيع حسم المعركة بسهولة مطلقة".
اقرأ أيضاً: فدرالية عون ترث المؤتمر التأسيسي و"القانون الأرثوذكسي"