الثورة التونسية من وجهة نظر "القناصة"

الثورة التونسية من وجهة نظر "القناصة"

10 فبراير 2015
من العرض
+ الخط -

يقترب المخرج التونسي يوسف الصيداوي من فكرة الموت العبثي، غير المعلّل، في مسرحيته "القناصة" التي يتناول فيها لغز قنص المتظاهرين في أحداث الثورة التونسية، عبر مزجه عنصري الجد والهزل في موضوع ما زال يشغل عموم التونسيين إلى اليوم.

ويبدو أن المخرج الصيداوي وكاتب النص عماد الساكت قد فضّلا إبعاد رجال السياسة والإعلام عن الموضوع كجزء من النص، في وقت تتعالى فيه الأصوات المطالبة بكشف أسماء القناصة، والتساؤلات حول اختفائهم وإفلاتهم من العقاب.

يخدم ديكور المسرحية البطلين، وهما قناصان ينفذان مهمة القتل اليومي بدم بارد. فالسينوغرافيا البسيطة تعتمد على سطح بناية شاهقة تطل على الشوارع. ومن مكانهما المخفي والمعزول والمظلم عن الأنظار يأخذ القاتلان (يقوم بدوريهما محمد اللافي وعماد الساكت) فسحة للتفكير والدعابة إثر إنجاز كل مهمة تصدر أوامرها عن أجهزة التخاطب مع غرف قيادة مجهولة.

أما الملابس، فنراها تتغير بما يتفق مع التخفي وتغيير السحنة، فنلمحها معلقة على حبال الغسيل على السطوح. وفي الواقع، فإن العالم السينوغرافي الضيق والمحدود الذي يتطلبه موضوع المسرحية قد ساهم في إضفاء المزيد من أجواء السرية التي يقترحها النص.

يعالج النص الشعور بالذنب لدى القناصين بالتبرير الذي يقدّمه كل منهما للآخر ولنفسه، إذ يقنع أحدهما الآخر في حوار صادم وساخر أنهما مساهمان على نحو محقق في نجاح الثورة، فكلما قتل كل منهما أكثر، كلما ازداد غضب الناس وازدادت معه ثورة الشعب وأصبح من الضروري خلع الدكتاتور وإقامة حاكم عادل ورحيم في محله!

يقيم المخرج أيضاً سجالاً بين كل شخصية ونفسها، مؤسّساً للحظاتٍ هشّة وتبريرية، وفيها يعود القناص إلى رشده مستعيداً ثوبه الآدمي لينهال على نفسه بالأسئلة، فتتجاور المتناقضات وتكدّس حوله مزيداً من الغموض.

وليس من الغريب أن تتعالى حينئذٍ التبريرات الباعثة على السخرية، إذ سبق وأن صرّح قادةٌ سابقون في "حزب التجمع" الحاكم سابقاً، المنحل، في الصحافة التونسية، بأنهم ساهموا في الثورة بانسحابهم من مقرّات الحزب، وانضمامهم طوعياً إلى المتظاهرين بدلاً من رصّ الصفوف والاستماتة في مواجهة الغاضبين ضدّ حكم فاشل يقتل المواطنين.

تبدو مسرحية "القناصة" قد ضيّعت الكثير من توهج الطرح، سيما وأن حجم المعلومات المتوفرة لدى عامة الناس عن الموضوع الذي تتناوله المسرحية هي أغزر بكثير وأكثر تطلّباً مما عُرض فوق الخشبة. وهناك روايات كان يمكن الإشارة إليها في هذا العمل، كأن يمكن المرور على فكرة التعارض الصارخ بين بعض الحقائق، وما يُتداول من إشاعات وتصريحات سياسية حول موضوع القناصة.

دلالات

المساهمون