ليست الخرافة فيما تعرضه ريهام سعيد، وإنما الخرافة تكمن في اعتقادك أن شعبا يؤمن بتلك الأشياء ويتناولها ويهدر أياما في تداولها سيمضي يوما إلى الأمام. الخرافة هي أن تنتظر العدالة من الذين برأوا "نطعا" تجاوز عمره في الفساد عمر "أحمد دومة" المحبوس ظلما. الخرافة هي أن تنام كل ليلة على صوت الكائن موسى، وهو يعلمك كيف أن الوطنية تقتضي منك لعن شاب عشريني قضى نحبه وهو يهتف لك بالعيش والحرية والعدالة، بينما أستاذك كان يمسح بلاط المخلوع بوجهه، ثم تصحو وتنظر في مرآتك ولا ترى أمامك حمارا. الخرافة هي أنك تستمتع في هذه اللحظة بأغنية "يا أحمد فين المأذون .. يا أحمد عايزاه بجنون" وأنت من أنت الذي لا تكف يوما عن اتهام كل فتيات الثورة في شرفهن، ثم تظن أنك على خلق.
الخرافة هي أن تتعاطف مع الذين استولوا على وطنك بينما أنت تحرر محضرا لطفل سرق منك كسرة خبز، ثم تؤمن في قرارة نفسك بأنك إنسان طبيعي. الخرافة هي أن تظن أن الله سعيد بزبيبة قمت بنحتها على جبهتك، وأنت تصلي الظهر حاضرا بينما عشرات من البؤساء ينتظرونك في طابور طويل لقضاء مصالحهم. الخرافة هي أن تبرر لنفسك الرشوة، وتتهمنا بتقاضي التمويل. الخرافة هي أن تأمن على نفسك وأولادك من جهاز أمني مرتعش يتمترس خوفا من خياله خلف حواجز خرسانية، ويعتمد في منهجه على التلفيق والتزوير والإكراه البدني والنفسي. الخرافة هي ألا تلعن صحافية التقطت صورا لرجال عرايا في وضعية لا تمكن لهم من قبول ذلك أو رفضه، لأن رأيك فيهم أنهم شواذ. الخرافة هي أن تعتقد في كفر زينب لأنها قتلت نفسها، بينما تتباهى أنت أمام زوجتك وأبنائك بصورتك وأنت ملفوف بعلم مصر، ملوحا بعلامة النصر يوم أن نزلت لتفويض قائد الجيش في قتل كل من يشتبه في كونه "إرهابيا".
الخرافة هي أن تبرر لمتحرش انتهاكه لجسد امرأة جهارا نهارا، اعتقادا منك أنها ما دامت خرجت من بيتها فتلك طبائع الأشياء. الخرافة هي أن تصدق فتاة تتهم الجن بمعاشرتها، وتكذب أخرى تتهم العسكر باغتصابها. الخرافة هي أن تحلل لنفسك الكراهية، وتحرم على غيرك الحب. الخرافة هي إيمانك بأن وجودك في الحياة أهم من وجود عامل النظافة الذي يزيح من طريق الناس بصاقك. الخرافة هي أن تحلم بمستقبل لأطفالك في دولة لا قيمة للإنسان فيها. الخرافة هي أن تثق في سلطة ترعى كل هذه الخرافات وتغذيها وتصدرها لك، ثم تتركك منغمسا فيها بينما هي منشغلة في نهبك. الخرافة هي أن تدعي الوطنية والشرف والتدين بعد كل ذلك لأنك دوما تقول نعم، بينما تنزع عنا كل تلك الأشياء لأننا نقول لا. الخرافة تكمن فيكم، أنت وأقرانك ودولتك المصونة وكل من يؤمن بأن حياة البعض تستدعي قتل الكل.
*مصر