منذ سنوات، تعيش الرواية التاريخية في قلب الاحتفاء الأدبي والثقافي المنشغل بالرواية. ويمكن التقاط حضورها الطاغي في مختلف المسابقات والجوائز الأدبية حول العالم، حتى تبدو وكأنها طريق أقصر للتكريس وجني الجوائز.
يمكن اقتراح أسباب لذلك، منها تقدير الأعمال التي يظهر فيها جهد صاحبها، ويستشعر الآخرون ذاك الجهد ويتخيلونه: ساعات طوال في مكتبات قديمة، ونفض غبار عن مخطوطات غارت حروفها، وحبو في أثر مصادر، وملاحقة معلومات، وربما سفر بعيد ودراية بلغات أخرى، وغيرها. صورة كصور الباحثين أو كتّاب العصور الماضية.
ومهم على ما يبدو حجم الجهد ومقدار المشقة المقيسة بمعايير حسية، كالوقت والمال وفترات التفرغ للكتابة، وهذه واضحة في الروايات التاريخية. أما المعاناة النفسية والذهنية، فلا تبدو ذات قيمة هنا. صورة الراوي الغارق بين الكتب في أواخر الليل محبّبة تثيرها الرواية التاريخية عن صاحبها. لم تعد صورة الروائي المعذَّب الرازح في الشقاء مثيرة، أو يبدو أنها استُهلكت.
وربما يكشف هذا الميل شعوراً بالنقص لدى المنشغلين بالأدب، والرواية تحديداً، تجاه العلوم الراسخة، وعلى رأسها التاريخ. وربما يريدون من الروايات أن تؤدي دورين: دورها ودوراً تنازع فيه التاريخ الرسمي، لتطرح رواية أخرى، وسط إجماع - كما يبدو - على أن الابتعاد عن الراهن الثقيل المعقّد؛ مريح، للروائي ولنقاده ومقيّميه.. ومانحي الجوائز أيضاً.