الفلسطيني الجديد وكيّ الوعي

الفلسطيني الجديد وكيّ الوعي

02 سبتمبر 2014
+ الخط -


"ما فعلناه هو بناء رجال جدد"، تلك العبارة زبدة خطاب الجنرال كيث دايتون، المنسق الأمني الأميركي بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، عندما وقف متفاخراً في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط عام 2009، وهو يستعرض مهمته في صناعة جيل أمني فلسطيني جديد، لا يمكن أن يكون مبعث تهديد لإسرائيل، مقتبساً في خطابه ذاك كلمات ضابط فلسطيني كبير، خاطب أفراد الأجهزة في حفل تخريج أمني: "لستم هنا لتتعلموا كيف تقاتلون إسرائيل"! وعقّب عليه دايتون في حينه "جعل هذا التغيّر ضباطاً في الجيش الإسرائيلي يسألونني: كم من هؤلاء الرجال الجدد تستطيع أن تصنع؟"
الجنرال الآخر، موشيه يعلون، القريب سياسياً وفكرياً من أحزاب اليمين، وزير الحرب الحالي في كيان العدو، هو مخترع مصطلح "كيّ الوعي"، وبدأ في استخدامه بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، وكان يسعى إلى توجيه الضربات القاسية والمؤلمة للفلسطينيين، باستخدام المزيد والمزيد من القوة، وإنزال الهزيمة الثقافية والفكرية، كما السياسية والأمنية بهم، بإجبارهم على الإقرار بالعجز عن الانتصار على إسرائيل عسكرياً، أو إكراهها على تقديم التنازلات، تحت الضغط العسكري والأمني.

صناعة الفلسطيني الجديد ونظرية كيّ الوعي محور عمل دؤوب، عكف عليه جنرالات العدو الإسرائيلي، ومن والاهم ودعمهم من أعداء شعبنا الفلسطيني، في اعتقاد منهم أنها الوسيلة الأنجع والعمود الفقري للتعاطي مع هذه المرحلة من الصراع.

في المقابل، تشير أبرز نتائج معركة العصف المأكول، بوضوح، إلى أن مَن احتُلَت أرضه، وحوصِر فيها، ومنع عنه الوقود والدواء والحرية، لم يستسلم ولم يخنع ولم يخضَع لظالم، بل بقي مُصراً على موقفه العادل المُحِق، الفلسطيني الذي حسم المعركة في أرض الإرادات والمعنويات، قبل حسمها على الأرض هو، في الواقع، النموذج الحقيقي للفلسطيني الجديد.

هذا الصمود والقدرة على مجابهة عملاق مدجّج بالنار ضرب نظرية "كيّ الوعي"، ففي غزة منيت هذه العقيدة العسكرية بفشل ذريع، بعدما يئست إسرائيل، وهي تنتظر رايات بيضاء لم ترتفع.

وبقيت المقاومة الفلسطينية حتى الدقائق الأخيرة عفية، ترسل صواريخها لضرب العمق الإسرائيلي، وظل السكان صامدين، على الرغم من آلامهم الرهيبة. هذه المقاومة وهؤلاء السكان هم النموذج الحقيقي للفلسطيني الجديد.

والخطاب الذي لا يمكن أن يغيب عن الحضور في ذهن المتابع للمشاهد المتناقضة على الساحة الفلسطينية، هو ذلك الذي يؤكد أن المعركة الأخيرة أفشلت نظرية وزير الحرب، موشيه يعلون، وارتدت هذه النظرية إلى الوسط الإسرائيلي، وأن صورة الفلسطيني الجديد معاكسة ومغايرة لما أراده الجنرال دايتون، ما يؤسس قواعد مختلفة لطبيعة الصراع، تستهدف، هذه المرة، شكل الوجود وطبيعة الدور المرسوم لهذا الكيان الاستعماري المصطنع. وإن إطلالة بسيطة وسريعة على إعلام العدو والإعلام الغربي خلال الحرب وبعدها، تشي، بوضوح، وتدلل، بما لايدع مجالاً للشك، على صحة ما نذهب إليه.

ويبقى الرهان في ترسيخ لغة الخطاب هذه على نموذج حقيقي للوحدة الوطنية، بعيداً عن أسلوب المجاملات والمزايدات التي طفت على السطح سريعاً جداً، وبشكل لا ينسجم وحجم العطاء والتضحيات التي لا يبخل بها أبناء شعبنا الفلسطيني، لاسيما في ظل أصعب وأعقد حجم من التحديات.

ماهر حسن شاويش
ماهر حسن شاويش
ماهر حسن شاويش
كاتب صحفي مقيم في هولندا، يرى أن "الحرية حق والحقيقة أولاً".
ماهر حسن شاويش