المغرب: السجال حول الإجهاض يلامس اختصاصات الملك

04 ديسمبر 2019
يترأس الملك المغربي المجلس العلمي الأعلى (ألبيرتو بيزولي/فرانس برس)
+ الخط -


أصدر المجلس العلمي الأعلى، وهو أعلى هيئة دينية في المغرب ويترأسه الملك محمد السادس شخصياً بصفته "أميراً للمؤمنين"، بياناً غير مألوف من جانب هذه المؤسسة الرسمية، تضمن رداً على دعوات صدرت أخيراً عن أطراف سياسية، لإعادة فتح النقاش حول القوانين الخاصة بالإجهاض، ما عُد رسالة تنبيه إلى عدم التدخل في اختصاصات الملك.

وقال المجلس، في بيان أصدره مساء الإثنين الماضي، إن رأيه بخصوص هذه القضية هو رفض تغيير المقتضيات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي "إلا بقدر ما تستدعيه المصلحة ويسمح به الاجتهاد"، مؤكداً، في المقابل، أنه "يمكن لكل جهة مخولة أن تعيد رأيها في الموضوع بالطابع الذي يخوله القانون". هذا الخروج الاستثنائي يعبّر عن انزعاج أعلى سلطات المغرب، أي المؤسسة الملكية، من وصول السجال السياسي بين المعسكرين المتناقضين بخصوص الاتجاه الذي ينبغي أن يأخذه مشروع قانون معروض على البرلمان يخص الإجهاض، إلى درجة المطالبة بإعادة فتح النقاش، الذي سبق للملك أن قام فيه بـ"تحكيم" في العام 2015، حيث قام بتأسيس لجنة خاصة ضمت جميع الهيئات والمؤسسات الدستورية المعنية بهذا الموضوع، والتي انتهت إلى وضع صيغة توافقية وحلاً وسطاً، هو الذي يتضمنه مشروع القانون المعروض حالياً على البرلمان.

نبرة الغضب والتنبيه إلى عدم التدخل في اختصاصات الملك، وردت في بيان المجلس العلمي الأعلى بطريقة ضمنية، إذ إنه أعلن أنه وباستثناء حقّ كل هيئة في التعبير عن رأيها بالطابع الذي يخوله القانون "فإنه لا يليق بأحد أن يستبق جهة الاختصاص استباقاً يقحم به المجلس العلمي الأعلى في نقاش غير مفتوح، كما لو أن هذا المجلس غائب عن مسؤولياته، حتى يستغل هذا الإقحام في سجال ذي طابع سياسي". وشدّد البيان، الذي صدر عن الأمانة العامة للمجلس، والتي تتولى تدبير شؤونه الإدارية واليومية، على أن الموضوع يدخل في الشأن العام، وبالتالي "فإن الآلية التي يدخل بها المجلس العلمي الأعلى في النقاش معروفة ولا يجوز لأحد تجاهلها"، في إشارة واضحة إلى أن صلاحية تحريك المجلس وتكليفه ببعض المهام تعود إلى رئيسه، أي الملك.

وفي الوقت الذي بدت الفقرات الخاصة بتأكيد الحرص على عدم القيام بأي تعديل قانوني خارج ما يسمح به الاجتهاد الديني، ردّاً ضمنياً على المذكرة التي وجهها المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى البرلمان، وطالب فيها بتبني الموقف المتحرّر والقاضي بإباحة الإجهاض لكونه حقاً مطلقاً للمرأة، جاءت الإشارة إلى عدم إقحام المجلس في السجال السياسي أو التطاول على اختصاصاته، موجهة إلى رئيس حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية، عبد الرحيم الشيخي، والذي دعا المجلس الخميس الماضي إلى الخروج لتوضيح الحجج التي استند إليها لإصدار رأيه خلال النقاش الذي دار في المغرب في 2015 حول موضوع الإجهاض.

ورداً من الحركة ذات المرجعية الإسلامية على محاولة المجلس الوطني لحقوق الإنسان فرض التراجع عن التوافق السابق لصالح الموقف المتحرّر، حاول الشيخي لعب ورقة مضادة تتمثل في الخروج عن التوافق السابق باتجاه الموقف الديني المحافظ. واعتبر الشيخي، في ندوة فكرية نظمها "مركز مقاصد للدراسات والبحوث" التابع لحركة التوحيد والإصلاح في موضوع الإجهاض الخميس الماضي، أن ما تم التوصل إليه بعد نقاش العام 2015 بين المؤسسات الدستورية المعنية، وداخل اللجنة الخاصة التي شكّلها الملك لهذا الغرض، ينبغي أن يناقش بدل تقديمه كما لو ينبغي قبوله كما هو. ودعا في هذا السياق المجلس العلمي الأعلى إلى تقديم الحجج التي اعتمدها في رأيه الصادر عام 2015، وأعلن فيه إمكانية القيام بالإجهاض خلال الـ 120 يوماً الأولى من الحمل. وتساءل الشيخي عن الأساس الذي بني عليه موقف المجلس العلمي الأعلى، في الوقت الذي تقول حقائق علمية أخرى إن الأمر لا يمكن أن يتم بعد تجاوز 40 يوماً فقط من الحمل. وتساءل "هل هناك حقائق علمية ظهرت له ولم تظهر لنا، لو اعتمد على نصوص أحق وأوثق وأدق وأصح، أم على ماذا؟".

المساهمون