هل يمكن أن تفسد إنتخابات اليونان الحفل الأوروبي مرة أخرى كما حدث في العام 2011؟ ، حيث بدأ الحديث يتردد حول احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو، في حال فوز حزب سايريزا، اليساري المتطرف، بالانتخابات التي ستجرى في 25 يناير/ كانون الثاني المقبل؟.
وإحتمال خروج اليونان من منطقة اليورو يقلق بال الساسة وأصحاب الأموال في أوروبا، رغم أن اليونان ليست من الدول المؤثرة
سياسياً أو حتى اقتصادياً، في أوروبا. ولكن القلق يتركز حول ما سيتركه فوز اليسار اليوناني من تداعيات على مستقبل منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي، وخاصة أن اليمين المتطرف يتقدم في الانتخابات التي جرت في أوروبا خلال العام الماضي ويطالب بتمزيق الوحدة الأوروبية.
وحزب سايريزا، الذي يشغل الآن مقاعد المعارضة في البرلمان اليوناني، يتقدم في استفتاءات الرأي على الحزب الحاكم، يطرح برنامجاً انتخابياً يلغي تقريباً جميع بنود التقشف التي تضمنتها خطة الإنقاذ التي وضعتها المفوضية الاوروبية وصندوق النقد الدولي في العام 2012.
وحتى الآن أصبح احتمال صعود حزب "سايريزا" للحكم كبيراً، وسط المعارضة الشعبية الواسعة لبرامج التقشف، وجماهير ضائعة جائعة عاطلة عن العمل تبحث عن منقذ، أوعلى الأقل عن قشة تتعلق بها في بحر طوفان الفقر المدقع.
ويلاحظ أن خطط التقشف التي نفذتها الحكومة اليونانية خلال العامين الماضيين ومنذ إنقاذها من الإفلاس، أفقدت المواطن اليوناني الكثير من مخصصات دولة الرفاه التي كانت توفر له مساندة واقية من الوقوع في مصيدة الإملاق.
والخطورة أن هذه الانتخابات تأتي في وقت تجاهد فيه اليونان للخروج من ركود قاسٍ بعد ثلاث سنوات من خروجها من دائرة الإفلاس، حيث يبلغ معدل البطالة 25%، ورفعت الحكومة رسوم العديد من الخدمات الضرورية، مثل تعرفة الكهرباء والغاز، وخفضت مخصصات التقاعد. وبالتالي فالظروف الاقتصادية للمواطن "الإغريقي" ولليونان ككل تخدم الحملة الانتخابية لحزب سايريزا.
ومن المؤشرات الدالة على ذلك، أن نسبة الديون الى الناتج المحلي في اليونان قبل اشتعال أزمة اليورو فى العام 2011، كانت 113%. والآن، بعد برنامج الإنقاذ الاقتصادي وكل الاعفاءات التي مُنحت لليونان، يبلغ حجم الديون اليونانية كنسبة من إجمالي حجم الاقتصاد حوالى 174%. وهذا بالتأكيد مؤشر خطير على أن اليونان لم تخرج بعد من نفق الإفلاس المظلم وأن فوز اليسار سيعني دخولها في الدائرة الخطرة مجدداً.
ويدعو حزب "سايريزا" المعارض، في برنامجه الانتخابي، إلى رفض برنامج التقشف ويطالب بالتفاوض حول خفض ديون اليونان المقدّرة بحوالى 370 مليار دولار. وهذا البرنامج الانتخابي يعني ببساطة "شهادة وفاة" لشروط التقشف التي بُني عليها برنامج الإنقاذ المالي.
ويذكر أن مسؤولي المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي قد وضعوا خطة لإنقاذ اليونان من الإفلاس قيمتها 300 مليار دولار في العام 2012. وشملت هذه الخطة برنامج تقشف بخفض الإنفاق الحكومي وبيع بعض الممتلكات العامة، من بينها جزر وآثار إغريقية نادرة.
وفي مقابل إصرار اليسار اليوناني المتطرف على إعادة التفاوض حول شروط برنامج الإنقاذ،
تصر الحكومة الألمانية على عدم إجراء أية مراجعة على برنامج الإنقاذ الذي صادقت عليه الحكومة اليونانية الحالية.
وحسب تصريحات وزير المالية الألماني، ولفجانج شوبله، فإن المانيا لن تتفاوض حول برنامج إنقاذ اليونان وشروطه، بغض النظر عمّن سيفوز في الانتخابات. وفي تصريحاته الأخيرة، يقول شوبله: "لن تغيّر نتائج الانتخابات شيئاً حول برنامج الإنقاذ الذي وقعته الحكومة اليونانية، وأن أية حكومة جديدة في اليونان يجب أن تلتزم بالاتفاقات الموقعة مع سابقتها".
ومعروف أن ألمانيا هي صاحبة الحصة الأكبر في تغطية أموال حزمة الإنقاذ إلى جانب صندوق النقد الدولي. كما هو معلوم أيضاً أن باقي دول منطقة اليورو تعاني من ظروف مالية ضاغطة، لا تستطيع معها تقديم أموال جديدة لليونان في حال حدوث انتكاسة مالية جديدة.
وفي لندن، يقول اقتصاديون إن المستثمرين في السندات اليونانية، وهي السندات التي تعتمد عليها الحكومة اليونانية في تمويل الإنفاق، ليسوا مستعدين لأخذ مزيد من المخاطر بشراء السندات اليونانية.
ولاحظت "العربي الجديد" أن الفائدة على سندات الحكومة اليونانية ارتفعت إلى نسبة 10% خلال الاسبوع الماضي، وهي نسبة مقاربة لنسبة فائدة الـ11% التي بلغتها السندات اليونانية قبيل تقديم طلب الانقاذ من الإفلاس الذي قدمته أثينا للمفوضية الأوروبية في العام 2011.
ولكن اقتصاديين في لندن يقولون إن ما يزرع الرعب في دول اليورو، ليس احتمال خروج اليونان من اليورو أو إفلاسها في حد ذاته، لأن الاقتصاد اليوناني صغير وغير مؤثر، مقارنة بالاقتصادات الأوروبية الأخرى، ولكن المخاوف تتركز حول التداعيات التي سيتركها حدوث مثل هذا الأمر على دول منطقة اليورو الثماني عشرة، خاصة الضعيفة منها.
من بين هذه التداعيات الخطيرة، تتركز المخاوف من هروب المستثمرين من شراء سندات دول اليورو الضعيفة، مثل البرتغال وقبرص وإسبانيا وباقي الدول ذات المديونية العالية. وتدريجياً تفقد هذه الدول الأموال المطلوبة لتمويل ميزانيات الإنفاق، لتبدأ سلسلة من المتاعب المالية.
ومثل هذه التداعيات حدثت إبان أزمة اليورو في عامي 2110 و2012 ، حيث سحب المستثمرون أموالهم من سندات الديون في اليونان ثم بدأت الإستثمارات تهرب من بلدان اليورو الضعيفة. وكادت البنوك أن تفلس لولا الأموال التي واصل البنك المركزي الأوروبي ضخها
في بنوك البرتغال وإسبانيا وأخيراً في بنوك قبرص.
ثم فرضت عليهم المفوضية الأوروبية في الفترة الأخيرة تحمل جزء من الخسائر. وبالتالي يلاحظ ان المصارف التجارية وأصحاب المحافظ المالية الخاصة شديدوا الحساسية للتطورات السياسية في اليونان وشديدوا المراقبة لنتائج إنتخابات اليونانية المقبلة.
وعلى صعيد آخر، يلاحظ أن المستثمرين في أسواق الصرف باتوا يبتعدون عن شراء عملة اليورو، وهنالك موجات بيع مكثفة لليورو منذ بداية العام الجاري وشراء الدولار، وبالتالي أدت هذه المبيعات إلى ضعف اليورو وهبوطه مقابل الدولار والعملات الرئيسية الأخرى.ويلاحظ أن سعر اليورو يتأرجح حالياً تحت 1.19 دولار، ومن هنا هنالك مخاوف بالاسواق من بداية حلقة خطرة تجرها إنتخابات اليونان إلى كامل منطقة اليورو إذا فاز اليسار.