انطلاق البحث عن جسيمات جديدة

20 فبراير 2015
من داخل نفق مسرع الجسيمات التابع لسيرن
+ الخط -
قبل سنتين من الآن، وتحديداً في 14 فبراير/شباط 2013 وفي تمام الساعة 7:24 بالتوقيت المحلي الفرنسي، أوقف فريق متخصص من مركز CERN عمل مسرع الجسيمات LHC، مسجلاً بذلك انتهاء الفترة الأولى من استغلاله والتي دامت ثلاث سنوات.

وتكللت هذه المرحلة بالتحقق فيزيائياً من وجود جسيم بوزون هيغز ورصده وقياسه، ويعتبر الأساس في تكوين كتلة المادة. ومنذ ذلك الحين، ومئات المهندسين والفنيين عاكفون على إصلاح وتعزيز المسرع والقيام بالتجارب الأولية لإعداده حتى يعمل بطاقة أعلى في المرحلة القادمة. فما هي الأشياء التي تحققت من وراء هذه الأعمال؟ 

عندما يعاد تشغيله من جديد خلال هذه السنة، ستصل طاقة الجزيئات عند التصادم 13 تيرا إلكترون فولت، (6.5 TeV تقريباً للشعاع مقابل 4 TeV تقريباً في عام 2012). وبفضل تلك الزيادة في الطاقة، سوف يفتح الباب أمام الفيزيائيين لتوسيع نطاق بحثهم عن جسيمات جديدة واختبار النظريات التي لم يتحقق منها مختبرياً حتى الآن.

ومن أجل تحضير المسرع للوصول إلى هذه الطاقة، فقد تم استبدال 18 من ثنائيات الأقطاب من الموصلات الفائقة من أصل 1232، والتي تقود مسار الجسيمات داخل المسرع. كما تم تجهيز أكثر من 10.000 قاطع كهربائي بينها لتدفق الكهرباء العالية (11.000 أمبير) في حال فشل الربط البيني.

كما تمت إضافة أجهزة إلكترونية جديدة لمقاومة الإشعاعات داخل المسرع، وتحسين نظام الفراغ والذي يحافظ على أنبوب التسارع خالياً من الجزئيات الضالة، وتجديد نظام التبريد لثنائيات الأقطاب من الموصلات الفائقة.

كما تم تخفيض الفاصل الزمني بين إرسال اثنين من باقات بروتون من 50 إلى 25 نانوثانية، ما يكثف من شدة إرسال المزيد من الجسيمات لكل وحدة وقت لزيادة وتيرة تصادم الجزئيات، ومضاعفة تصادم الجزئيات في كل اختبار. كما تم تحسين المجسات الفرعية الخاصة لكل من مسرع الجسيمات وملاحقه، وتوسيع نظام جمع البيانات أثناء تصادم الجزيئات.

كما تم تزويد قسم تكنولوجيا المعلومات بأكثر من 60.000 ألف معالج جديد، وأكثر من 100 مليون مليار وحدة ذاكرة تخزين إلكترونية، إضافية إلى التعامل مع الزيادة المتوقعة لكمية البيانات، خلال الفترة الثانية من عمليات التجارب والبحث على جسيمات جديدة.
مجدداً، سوف يدخل علم فيزياء الجسيمات عهداً جديداً مع قرب تشغيل المرحلة الثانية لأكبر مسرع للجسيمات أل.أتش.سي (LHC) خلال هذا الربيع، وهو تابع للمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن- CERN) التي تقع على الحدود الفرنسية - السويسرية.

ويتكون هذا المسرع من أنبوب كبير يُسير بداخله مساران من البروتون (نواة هيدروجين) باتجاهين متعاكسين. ويتم ارتطام بينهما حين وصولهما إلى سرعات قوية تقترب إلى سرعة الضوء في 4 أماكن من هذه الحلقة الضخمة. هنا وفي كهوف تحت الأرض، حيث ركبت أربعة مجسات للجسيمات وهي أطلس (ATLAS)، سي.أم.أس (CMS)، وأليس (ALICE) وأل.أتش.سي.بي (LHCb) المكلفة استقبال وتحليل الشذرات الناتجة من التصادم المباشر لهذه الصواريخ الصغيرة والدقيقة.

إن التصادم يحدث بشدة كبيرة، حيث إن نواة الهيدروجين هذه تكون قد اكتسبت طاقة هائلة ضمن مسارها بمستوى 13000 مليار إلكترون فولت. هذه الوحدة قد تظهر بسيطة لأنها تساوي الطاقة التي تستخدمها البعوضة في أثناء طيرانها، ولكنها تصبح ضخمة إذا ركزت بجسيم متناهي الصغر مثل البروتون.

وقد علقت على مسرع الجسيمات مهام جسام، وحددت من ضمن أولوياته في المرحلة الأولى اكتشاف جسيمات بوزون هيغز (boson Higgs)، والذي لم يُكتشف من لدى مجتمع الفيزيائيين، رغم أنه رسم ضمن نظرية النموذج المعياري منذ أكثر من 4 عقود، ولم تتح له الوسائل آنذاك ليقع في شباك مجسات الفيزيائيين الذين كانوا يتلهفون لإثبات وجوده مختبرياً.
إن مجرد اكتشافه سهل من فهم سر من أسرار المادة، في محاولة لمحاكاة نشوء الكون ضمن أبرز النظريات التي تفسر منشأه، مع بداية "الانفجار الكبير" الذي تمخض عنه تكوين المجرات والسدم والكواكب، وكل ما هو موجود في هذا الكون الواسع.

ويعتبر مسرع أل.أتش.سي (LHC - Collider Hadron Large) في أعين مجتمع الفيزيائيين وسيلة رائعة، لأنه أكبر وأعقد مسرع للجسيمات شيد حتى يومنا هذا. وهو وسيلة مهمة لمحاولة خوض غمار استكشاف أعماق المادة إلى ما هو أصغر من الذرة، لفهم القوى التي تحكم الجسيمات الأولية التي تتكون منها المادة. ولمحاولة التعرف على نشأة المادة والمادة المظلمة، ومحاولة فهم وتفسير نشوء الكون.

ومن مهام المرحلة الثانية، البحث عن جسيمات جديدة وخصوصاً ما يسمى بـ «نيوترالينو» (neutralino). ووفقاً لعلماء الفيزياء، يبدو أن النيوترالينو أكثر استقراراً ليكون أفضل مرشح لتشكيل المادة المظلمة، وهي الكتلة المفقودة في الكون والتي تجعل المجرات مرتبطة بعضها بعضاً، ولكنها غير مرئية للعين.

ويطمح الفيزيائيون خلال هذه السنة إلى اكتشاف المادة التناظرية (supersymmetric matter)، مثل ما تم اكتشاف، في القرن الماضي، المادة المضادة (antimatter).

وفقاً لنظرية التناظر في فيزياء الجسيمات، فإن لكل جسيم في النموذج الأولي للفيزياء شريكاً أثقل. وهكذا فإن الكوارك الذي تتشكل منه البروتونات والنيوترونات في الذرة سيكون له شريك تناظر يسمى squark. غير أن أبحاث وأعين الفيزيائيين تتجه إلى النيوترالينو، وهو جسيم صغير تنبأت به نظرية التناظر الفيزيائية، حيث يتكون من مزيج ثلاثة جسيمات: photino (شريك تناظري للفوتون)، وزينو (الشريك بوزون) وهيكزينو (شريك بوزون هيغز).
دلالات
المساهمون