بلاد بلا سماء: ذكورية المجتمع وعدوانيته

26 يناير 2020
الممثلة الجزائرية نسيمة لوعيل بطلة سما (العربي الجديد)
+ الخط -
بعد عرضها مسرحياً على خشبة "مركز باترسي للفنون" في لندن منتصف نيسان/ إبريل 2019، جرى تقديم رواية "بلاد بلا سماء" للكاتب اليمني وجدي الأهدل (1973)، مطلع العام الجاري في فيلم سينمائي بالجزائر العاصمة بمشاركة ممثلين يمنيين وجزائريين، وطاقم عمل عربي مشترك.

تحكي الرواية قصة فتاة عشرينية محافظة، وهي طالبة جامعية، تعيش في مجتمع ذكوري وعدواني في آن، يحاصرها بنظرته القاصرة تجاهها ورغبته في النيل من جسدها، في الوقت الذي يدعي فيه الفضيلة. تختفي الفتاة فجأة في ظروف غامضة، وتتماهى قضيتها، كما تتعدد الأطراف المشتبه بهم وراء الجريمة، فيعاقب شاب بريء بذنب لم يقترفه؛ للتخلص من العار، وتلجأ أسرتها إلى الشعوذة؛ لتبرير اختفاء ابنتهم ولإقناع أنفسهم بمصيرها.

في الرواية التي ترجمها للإنكليزية البروفيسور الأميركي، وليام هتشينز، استطاع الأهدل من خلال طرحه الجريء لمثل هذه القضية، عرض كثير من المشكلات الحاصلة في اليمن ومنها رداءة التعليم الجامعي وقلة اهتمام الأهالي بمواصلة الأبناء دراستهم، والبطالة التي تتخذ من خريجي الجامعات هدفاً رئيسياً، إلى جانب عرضها واقع المرأة والكبت الحاصل في المجتمع اليمني ونفوذ الأقيال والمشايخ (زعماء القبائل) على القانون وضعف أجهزة الأمن وخوف المجتمع من بطش المقربين من الحكّام حال مطالبتهم بحقوقهم أو قولهم الحقيقة ومطالبتهم بمعاقبة المجرمين، علاوة على الممارسات الشخصية الخاطئة في البلاد من قبل المواطنين والمسؤولين.

"سما" هو اسم الفيلم الذي تناول الرواية في (26:45) دقيقة، وهو من إخراج الشاب اليمني عمّار الربصي، الذي يقيم في الجزائر لإكمال دراساته العليا في مجال الإخراج السينمائي، وهذا سبب اختياره لمكان تصوير الفيلم حد قوله. يقول الربصي في حديث إلى "العربي الجديد" إنه أجرى تغييراً في "البناء الدرامي وطريقة السرد الخطي للرواية"، تمثل ذلك في "تعديل وحذف بعض الأحداث بعد تحويلها إلى مشاهد مصوّرة لخلق الإثارة والتشويق ولجذب المشاهد وجعلة في حالة تركيز مستمر".

من جانبه، يقول الروائي وجدي الأهدل،" إن الإضافة هائلة، والتغييرات التي أجراها المخرج كانت مطلوبة وحتمية، لأنه لا يمكن لكاتب السيناريو أخذ الرواية بحذافيرها، فالكاميرا لها لغتها الخاصة، والدراما لها طرقها الفنية المختلفة عن التقنيات المستخدمة في الأدب"، وبحسب الكاتب فإن من يقرأ الرواية ويشاهد الفيلم سوف يدرك مقدار التنوع الحاصل بين الفنين.
ويرى الأهدل أن انتقال روايته إلى فيلم سينمائي هو نصر لعمله الأدبي وتوسيع لحضوره بين الجماهير، ولا يلغي ذلك مسألة تذوّق القراء للرواية؛ "لأن هذه نظرة خاطئة" حد قوله، إذ "يشعر المؤلف وهو يرى روايته وقد تحولت إلى عمل درامي بالدهشة الشديدة، كما أن انتقال الشخصيات من الورق إلى الحياة هو بمثابة بعث جديد للرواية وروحها".

وخلال عرض المسرحية في لندن أجرى فريق "جماعية سرحة" المسرحي بقيادة المخرج الفلسطيني مؤمن سويطات، معالجة درامية لتغير ثلاثة أشياء أساسية في الرواية فتحولت "ياسمين" (اسم البطلة في الترجمة الإنجليزية "بلاد بلا ياسمين") من شخصية إلى اثنتين: الأولى حقيقية والثانية ليست سوى شبحها، وتحويل دور المحقق إلى محققة، ودمج الحاج سلطان بشيخ القبيلة، وعادت ياسمين إلى المنصة في آخر مشهد ولكن في مكان وعالم غير مألوف، كما أكد المخرج سويطات لـ "العربي الجديد". وتشترك الرواية، في كثير من خصائصها وعناصرها مع المجال السينمائي، بحسب المخرج اليمني الربصي، هذا الأمر أهّلها لأن تتحول إلى فيلم سينمائي، خاصة أنها تلتقي مع الكثير من عناصر بنائه، وأهمها السرد.

استطاعت "بلاد بلا سماء" ملامسة جانب المخرج العاطفي المتحيز للمرأة التي هي الأم والأخت والزوجة، وهو ما ساهم إلى جانب النظرة القاصرة لها من جانب الرجل الشرقي بشكل عام واليمني بشكل خاص، إلى اختيار الرواية لتكون فيلماً سينمائياً، حد قول المخرج، الذي يرى تلك النظرة المصحوبة بالغريزة سببًا في سلب المرأة حقوقها وجعلها تابعة للرجل.

إلى جانب ذلك، يقول عمّار الربصي: "عندما قرأت الرواية لأول مرة أحسست بعالم من السينما؛ لما تحمله من حالة تسويق وصراع بين بطلة الرواية والمجتمع القاسي تجاهها، والذي يشوّه صورة المرأة مهما كانت ملتزمة أخلاقياً"، علاوة على ما "تحمله هذه الرواية من سرد جميل وبناء روائي محكم وأحداث مشوّقة".
في الفيلم أدت الممثلة الجزائرية نسيمة لوعيل دور البطلة "سما"، فيما أخذ الممثل اليمني توفيق الأضرعي دور صاحب الدكّان، وجاء عدلان بكوش في دور "علي" جار سما، بينما أدى كل من مصطفى سفراني دور محقق الشرطة، وفايزة لوعيل دور أم سما، وعلي حموش دور الأب، وسليم العربي دور دكتور الجامعة المتحرش.

وفي حين تطغى قضية اختفاء سما على المشهد العام للرواية، فإن قصة أخرى تفرزها التطورات الحاصلة داخل السطور لشاب قضى ضحية حبه لها، هو جارها "علي" الذي يصغرها بأربع سنوات، ويحمل عاطفة جامحة تسبب الشعور بالضيق لدى الطرف الآخر وتنتهي إلى الفشل؛ لأن النظام الاجتماعي في اليمن لا يسمح بنمو العواطف بين الجنسين قبل الزواج.
ويعكف المخرج على ترجمة الفيلم إلى العربية الفصحى حد قوله؛ لأن لكنته الجزائرية ليست مفهومة في كثير من بلدان المنطقة ومنها اليمن؛ حتى يتمكن الجميع من مشاهدته. وعرض الفيلم مرة واحدة فقط مطلع العام الجاري، على الرغم من أنه أُنتج في عام 2014.

المساهمون