لم تدفع الأزمة الأوكرانية المتخاصمين نحو الحرب، وأبقت الجبهة باردة، لكنها دفعت نحو حرب عقوبات "شعواء" بين الولايات المتحدة والأوروبيين من جهة، وروسيا من جهة ثانية.
وبعد العقوبات الآخذة في الاتساع، والتي طالت شخصيات رفيعة ومقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعلنت روسيا عن فرض عقوبات ضد تسعة مسؤولين ومشرعين أميركيين اليوم الخميس، وحذرت الغرب من أنها سترد على "كل ضربة بضربة معادية".
وقالت وزارة الخارجية إن من بين الأميركيين، الذين منعوا من دخول روسيا نائب مستشار الأمن القومي، بنجامين رودس، وأعضاء الكونغرس جون بينر وهاري ريد وماري لاندريو.
ويأتي الردّ الروسي في وقت يواصل سيطرته على القرم ميدانياً، حيث أعلن المسؤول في البحرية الأوكرانية، فلاديسلاف سلجنيوف، أن القوات الروسية استولت على ثلاث سفن حربية أوكرانية في القرم. وقال إن القوات الروسية استخدمت قنابل صوت لدى اقتحام السفينة الحربية "ترنوبول" في عاصمة الاقليم القرمي سيفاستوبول.
وكان العلم الروسي وعلم البحرية الروسية يرفرفان على رصيف في مكان آخر في سيفاستوبول، حيث ترسو سفينتان أخريان للبحرية الأوكرانية مما يوضح انه تم الاستيلاء عليهما.
وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الوزير سيرغي لافروف أبلغ نظيره الأميركي جون كيري أن ضم القرم إلى روسيا لن يعاد النظر فيه ولا يجب طرحه للتساؤل. واضافت أن لافروف أكد في اتصال هاتفي أن "القرار بشأن اعادة توحيد القرم مع روسيا والذي يعكس ارادة أغلبية مطلقة من سكان (القرم) ليس عرضة للمراجعة ويجب احترامه".
وفي تصريح لاحق، أعلن لافروف أن العملية القانونية اللازمة لتصبح منطقة القرم الأوكرانية جزءاً من روسيا، ستكتمل هذا الأسبوع. ونقلت وكالة "إيتار تاس" عن لافروف قوله إنه "يجري اتخاذ خطوات عملية لتنفيذ الاتفاقات بشأن انضمام القرم ومدينة سيفاستوبول (التي تقع بالقرم) إلى روسيا".
الخطوات الروسية ترافقت مع توسيع العقوبات ضدّ موسكو، اذ فرض الرئيس الأميركي باراك أوباما عقوبات على 20 مواطنا روسيا إضافة الى بنك لصلتهم بضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى موسكو، وهدد بتوسيع العقوبات على قطاعات رئيسية من الاقتصاد الروسي إذا توغلت موسكو أكثر في أوكرانيا.
ومن بين العشرين مواطنا الذين استهدفتهم العقوبات عدد من الأشخاص المقربين من الرئيس الروسي لصلتهم بالاستيلاء على منطقة القرم من أوكرانيا إضافة الى تجميد أي أصول قد تكون مملوكة لهم في الولايات المتحدة وحظر سفرهم إليها.
وذُكر بالاسم في قرار العقوبات الأميركية بنك روسيا، ومقره سان بطرسبرغ ولديه ارصدة بعشرة مليارات دولار، ويحتل الترتيب السابع عشر بين قائمة أكبر البنوك الروسية. وقال بيان لوزارة الخزانة الأميركية إن كثيرا من كبار مسؤولي الحكومة الروسية وبينهم أشخاص مقربون لبوتين يستخدمون هذا البنك.
ويرأس البنك يوري كوفالتشوك ويملك جزءا منه. وكوفالتشوك وهو مستشار مقرب لبوتين تعود العلاقة بينهما إلى أوائل التسعينات من بين العشرين شخصية الذين استهدفتهم العقوبات. وقال مسؤول كبير في إدارة أوباما إن البنك "سيمنع من التعامل مع النظام المصرفي الأميركي."
ومن بين من استهدفتهم العقوبات أيضا جينادي تيمشينكو، أحد مؤسسي شركة "جانفور"، وهي واحدة من كبريات الشركات العالمية العاملة في مجال تجارة السلع وتعمل في أسواق النفط والطاقة.
وبصدور القائمة التي ضمت 20 اسما، يرتفع عدد الأفراد الذين استهدفتهم العقوبات الأميركية في الأيام القليلة الماضية إلى 31 شخصا.
وفي خطوة أخرى من المحتمل أن تكون لها تداعيتها، وقع أوباما أمرا تنفيذيا يفسح المجال لعقوبات أميركية ضد قطاعات واسعة من الاقتصاد الروسي إذا أقدم بوتين على خطوات عسكرية أخرى خارج القرم في جنوب وشرق أوكرانيا.
وقال مسؤولون كبار في إدارة أوباما إنه قد يجري استهداف قطاعات كثيرة من الاقتصاد الروسي بما في ذلك قطاع الخدمات المالية وقطاعات الطاقة والدفاع والتعدين. وتشكل صناعة النفط والغاز الروسية وحدها ما يقرب من نصف إيرادات الميزانية السنوية لروسيا.
وقال أوباما متحدثا في البيت الأبيض إن التهديدات الروسية لمناطق جنوب وشرق أوكرانيا تنطوي على خطر تصعيد خطير للأزمة في المنطقة. وأضاف "ليست هذه هي النتيجة التي نفضلها. فلن يكون لهذه العقوبات تأثير كبير على الاقتصاد الروسي وحده لكنها قد تكون مزعجة أيضا للاقتصاد العالمي. ولكن يجب أن تعرف روسيا أن أي تصعيد آخر لن يؤدي إلا إلى زيادة عزلتها عن المجتمع الدولي."
من جهته، أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الرئيس الروسي أنه يشعر "بقلق بالغ" تجاه الأزمة بين أوكرانيا وروسيا.
والتقى بان مع بوتين في الوقت الذي أقر فيه مجلس النواب الروسي (الدوما) بأغلبية ساحقة معاهدة لضم منطقة القرم الى روسيا الاتحادية.
وقال بوتين عقب اللقاء إن روسيا "تدعم باستمرار وبقوة الدور المحوري للأمم المتحدة في الشؤون العالمية." واضاف "نحن نثمن غاليا جهودكم (في إشارة الى بان كي مون) في حل الأزمات القائمة المحتملة وما قبلها من أزمات على هذا الكوكب. وهو دور يتسم بالإيجابية والكفاءة العالية". ولم يذكر بوتين أوكرانيا في الجزء الذي حضره الصحفيون من الاجتماع.