روزنامة جامدة جداً!

روزنامة جامدة جداً!

03 سبتمبر 2018
+ الخط -
في كل عام وبأوقات تعنيني جداً يلازمني الوجع الخاص بها؛ فأجد الألم يجتاحني كإشارةٍ منه لاستحضار اللحظات الأولى والتواريخ التي ارتبطت بذاك الوجع.

تحدثني إحدى الصديقات أن ذراعها التي بُتِرَت في أيلولٍ ما - بسبب ارتفاع نسبة السكر في الدم - صارت مناسبة سنوية خاصة بهذا الشهر، فمع كل أيلول لها وجع مطابق لوجعها الأول.

صديقي الذي لكمه أحد البلهاء ممن يؤمنون أن العنف هو الطريقة المثلى لإظهار القوة، يقول لي: كل عام وفي ذات اليوم ومن دون أن أدري يعذبني ألم شديد في وجهي مذكراً إياي بتلك اللحظة.

وأنا التي فقدت ابنتها الصغرى ووالدتها في تموز ما، أراني متقوقعة على نفسي، ومتوجسة في كل تموز وكأنها ندبة تأبى أن تفارقني.

وهكذا تجد من الصعب على الذاكرة أن تطوي أحداثها، أو تمحوها من أرشيف ربما لا نريده، ونتمنى أن يزول. وكم من مرةٍ قلنا سننسى، وسنمحو تلك اللحظة؛ لكنها وبكل تفاصيلها تباغتنا كبومةٍ حذقة تجلس على غصنٍ قريب وتراقبنا!

نحن الذين نحيا بذاكرةٍ تنوح بأوجاعها، وتنزف جراح ماضيها ومستقبلها، حتى الهروب لن يسعفنا، ولن يكون عكازتنا التي تحمل ثقل ذاك الكم الرهيب من الماضي الحاضر، وعلى ما يبدو المستقبل أيضاً!

في الأسبوع الماضي، مررت بشارعنا القديم، لألقي سلاماً حاراً جداً على شجرة الكينا العجوز التي آنست غربتي خمس سنين في ذلك المكان، لم أجدها، وآثار دمائها النازفة على بقايا جذع ما زالت. لم أستطع أن أغادر مكانها، وحين سألت؛ قالوا لي: أخذت حقها وحق غيرها من الحياة، ويكفيها.

لقد اقتطعوا تلك الصديقة، بحجة أوان الوقت لحيوات أخرى، لأشجارٍ أخرى؛ وحين عدت إلى شرفتي تساءلت عن العمر الذي تستحقه ذكرياتي؟ ومتى يأتي الأوان لأستطيع اقتلاعها؟ وحينها أكون قد أعددت ما استطعت من العزم لعدم البكاء عليها؛ بحجة أنها أخذت حقها، وحق غيرها من اللحظات الخاصة بحياتي؛ وبحجة أن أعطي مكانها لذكرياتٍ أخرى، أتمنى أن تكون أجمل.

دلالات

8208D0E6-2CD2-427A-A70D-51834F423856
يسرى وجيه السعيد

حاصلة على دكتوراه في فلسفة العلم من جامعة دمشق. ومدرسة سابقة، في قسم الفلسفة بجامعة حلب.