روسيا تواجه الولايات المتحدة

16 يونيو 2014
+ الخط -
منذ اندلاع موجات الربيع العربي، بداية من تونس ومروراً بمصر وليبيا واليمن، ووصولاً إلى سورية، وملامح الصراع الأميركي ـ الروسي على مناطق النفوذ بدأت في الظهور مع استغلال حالة التقهقر السياسي والاستراتيجي لقطب العالم الأوحد آنذاك (الولايات المتحدة).
واحتدام الصراع الروسي ـ الأميركي، بعد انهيار نظام معمر القذافي في ليبيا، والمحسوب ضمن مناطق النفوذ الروسي، والقريب من الجزائر، إحدى أكبر مستوردي السلاح الروسي بعد سورية، جعل الأخيرة حجر الرحى في هذا الصراع، ودفع الدب الروسي البارد في اتخاذ مواقفه الخارجية، حامي الرأس للمرة الأولى، فدول عديدة في المنطقة تمتلك تاريخاً طويلاً من التفاعل مع الولايات المتحدة، بإيجابياته وسلبياته، وإذا كان هناك "مشروع" أميركي للمنطقة، فإن أبعاده أثيرت في سياقات متعددة، في إطار نظرية "المؤامرة"، أو البحث عن "المصالح" وغيرها، حتى أن هناك اتجاهات تتعامل مع واشنطن على أنها المهيمنة على تفاعلات المنطقة. تحوّل روسيا إلى دولة تنافس النفوذ الأميركي في المنطقة، أو تحل محل واشنطن، أو تحظى بنفوذ مهم فيها، يواجه تحديات عدة. فمواقف دول المنطقة من العلاقات مع روسيا، والتي تتعدد وتتنوع، بحسب المصالح الخاصة بكل دولة، إلا أنها لا تتبنى، حتى الآن، سياسات تفيد بأنها تتعامل مع روسيا على أنها بديل للولايات المتحدة، وبالتالي، تفضّل التوازن في علاقاتها مع واشنطن ومع موسكو، وعدم تبني مواقف حادة من القضايا الإقليمية، على نحو يؤدي إلى انحيازها بصورة واضحة للسياسات الروسية، أو الأميركية، ما يضع قيوداً على أي تمدد للنشاط الروسي في المنطقة.
ويصطدم الحراك الروسي بنظرتها غير الشعبية إلى الثورات في العالم العربي، لا سيما أن نخباً حاكمة جاءت بدعم من قوى الشارع، التي تتزايد أهميتها في دول الشرق الأوسط، وثارت نتيجة وجود عوامل هيكلية، أدت إلى تحركها ضد نُظُم الحكم التي كانت قائمة قبل عام 2011.
وعلى الرغم من ذلك، تظل التصورات التي تطرحها موسكو لمواجهة ما تعتبره "ثورات ملونة"، تحظى بتأييد من هذه النخب الجديدة، خصوصاً مع تقاطعها مع أهدافها الوطنية، على نحو يخلق موقفاً متناقضاً لهذه النخب، حيث تدعو موسكو لتعزيز سلطات الحكومات المركزية ومؤسسات الدولة، وخفض معدلات الفساد، وتطوير سياسات كفيلة بمحاربة التأثير السلبي للمعلومات، والتي عادة ما تعد محركاً قوياً لذلك النمط من الثورات.
متابعة الخطاب الرسمي الروسي المتعلق بتفاعلات الشرق الأوسط، تؤكد أن هناك ما يشبه "مشروعاً"، أو "رؤية" لتفاعلات المنطقة ومستقبلها، يتمثل في أن روسيا تقدم نفسها دولة تحافظ على الوضع الراهن في الشرق الأوسط، وتشكك في التغيير السياسي الذي جاءت به الثورات العربية منذ نهاية عام 2010. كما تعد روسيا الثورات التي شهدتها تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن خلال العامين 2010 و2011، "ثورات ملونة" حرّكتها قوى خارجية، تدعمها الولايات المتحدة، وتصوّرها موسكو على أنها "وسائل غير عسكرية" للتدخل في الشؤون الداخلية للدول. وطبقاً لذلك، سيترتب على هذه الثورات، في حال استمرار انتشارها في المنطقة، تشكّل أجواء حرب باردة جديدة، طرفاها القوى الداعمة لـ"الثورات الملونة" والقوى الرافضة لها.
كما تلجأ موسكو إلى تصوير الولايات المتحدة، وسياسات توثيق العلاقات معها من دول المنطقة، على أنها مصدر تهديد للمصالح الروسية، ما يضطر دول المنطقة، التي تحتفظ تاريخياً بعلاقات قوية مع روسيا، إلى الحذر في علاقاتها مع الولايات المتحدة، فيما يشبه، وفقاً للرؤية الروسية، حالة من التوازن الذي يصعب تحقيقه في مواقف الأزمات.
ختاماً، لا يمكن التقليل من رغبة الولايات المتحدة، بشكل أو بآخر، في تعظيم الدور الروسي في المنطقة، وتنميته لمصالح ودوافع داخلية تتعلق بشركات السلاح والرهاب الأمني من أي تهديد خارجي، لكن هذه الرغبة الأميركية المتساوقة مع ضعف السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما، وتراجع القوة الاقتصادية لأكبر اقتصاد في العالم قد يفضي، في النهاية، إلى مواجهة عسكرية، ربما تكون بوادرها الحقيقية على وشك التشكّل في أوكرانيا تحديداً، وتدفع الولايات المتحدة باتجاهه من خلال اللعب على وتر المخاوف الأوروبية من الدب الروسي المتأهب لابتلاع شرق أوروبا مجدداً.
 
 
58833448-D554-45B2-8F7D-DCDD63BC35E1
58833448-D554-45B2-8F7D-DCDD63BC35E1
هشام منور (فلسطين)
هشام منور (فلسطين)