سنوات استلطاف الإعلاميين أوباما انتهت.. وعداء مع إدارته

05 اغسطس 2014
عفواً سيدي الرئيس لم ننته من الأسئلة بعد (Getty)
+ الخط -

منذ أن تأسست "جمعية مراسلي البيت الأبيض" قبل مئة عام، أي في عهد الرئيس، ويلسون، وجميع الإدارات الأميركية المتعاقبة تشكو من الإعلاميين وتعاني من رقابتهم المسلطة على أعمالها.

وكانت معظم الإدارات تحرص عادة على خطب ود السلطة الرابعة وتجنب شرها. غير أن الرئيس الذي جاء إلى البيت الأبيض حاملاً شعار التغيير، استطاع بالفعل تغيير تقاليد قرن من نفوذ السلطة الرابعة، ولكن من وضع إيجابي إلى وضع سلبي. لقد أصبح البيت الأبيض تدريجيّاً في عهد الرئيس باراك أوباما - وفقاً لوصف صحف ومواقع أميركية عديدة - هو المتسلط المشتكي، فيما أضحى المراسلون هم أصحاب الشكوى والتذمر من تغييب البيت الأبيض للشفافية وسوء تعامله مع رواد المهنة.

وعلى سبيل المثال فإن الصحافية المخضرمة في البيت الأبيض، ليزلي كلارك، وهي مراسلة شبكة ماكلاتشي الاعلامية (The McClatchy) التي تدير 30 صحيفة يومية في 15 ولاية أميركية، لم تتمكن طوال سنوات تغطيتها لاخبار البيت الأبيض في عهد أوباما سوى توجيه سؤال واحد للرئيس.

وكشفت كلارك أخيراً لـ "واشنطن بوست" أن الفرصة الوحيدة التي اتيحت لها لتوجيه سؤال كانت قبل أكثر من ثلاث سنوات، أي في صيف عام 2011 عندما كان أوباما مضطراً لتكرار الظهور أمام المراسلين من أجل الضغط على الكونجرس لرفع سقف الدين المسموح به للحكومة الفدرالية، وتجنب إغلاق الحكومة أبوابها. وبعد السؤال اليتيم مازالت كلارك تداوم بصورة شبه يومية على حضور المؤتمرات الصحفية في البيت الأبيض من أجل الحفاظ على بطاقة اعتمادها كمراسلة صحافية، لكنها لا تشعر بالرضا عمّا تقدمه لقرائها والشبكة التي تعمل معها بسبب الزمن الذي تضطر الى تضييعه من الحصول على معلومات مفيدة مع ما يرافق ذلك من سياسات تتبعها إدارة أوباما لحجب المعلومات ذات الأهمية عن المراسلين المعتمدين.

يشار إلى أن من شروط الحفاظ على بطاقة الاعتماد للمراسل الصحافي في البيت الأبيض هو الحضور اليومي لمؤتمرات الناطق الصحافي باسم البيت الأبيض، وهو ما يعني تفرغ المراسل أو المراسلة للبيت الأبيض، وعدم قدرته على متابعة مراكز القرار الأخرى، مثل البنتاغون والكونجرس والخارجية ومراكز الأبحاث. ومثل هذا التفرغ لا تستطيع أن تتحمله سوى المؤسسات الإعلامية الكبرى ذات القدرات المالية غير المحدودة.

تمييز بين المراسلين

ويأتي على رأس المؤسسات المشار إليها محطات تلفزة رئيسية يخصص البيت الأبيض لمراسليها المقاعد الأولى في قاعة المؤتمرات الصحافية بالجناح الغربي من البيت الأبيض، كما يخصص لكاميراتها وأجهزة البث التابعة لها مواضع محددة في حديقة البيت الأبيض لا تستطيع الفضائيات الجديدة منافستها على تلك المواقع. غير أن من بين المراسلين من يعتقد أن أخبار البيت الأبيض يتعذر الحصول عليها من داخله، ويمكن الحصول عليها من خارجه عن طريق التردد على خصوم البيت الأبيض في الكونجرس، أو الذهاب الى البنتاغون أو حتى مراكز الأبحاث التي تعج بالموظفين والمسؤولين السابقين من ذوي العلاقة بأطراف سياسية متصارعة. ومن بين من يتبنى هذا الرأي جانثون كارل مراسل "أي بي سي نيوز"، وكارل بوهان من وكالة "رويترز"، وكذلك ستيفن كوللينسون أحد مراسلي وكالة الأنباء الفرنسية في واشنطن.

ورغم أن التطور الرقمي جعل المعلومة تسابق المراسل الصحافي وتصل إلى وسيلته الإعلامية في اللحظة ذاتها التي يحصل فيها المراسل على تلك المعلومة، إلا أن المراسلين الذين مازالوا يحافظون على الدوام اليومي في البيت الأبيض، لا يمثلون محطات تلفزيون فقط بل يمثل بعضهم وكالات أنباء، وبعضهم الآخر صحفاً يومية عالمية. في حين أن مواقع انترنت لها أيضاً من يمثلها.

ويربط بين الجميع شكوى تكاد تكون مشتركة، من أن إدارة أوباما تعمل على تغييب الشفافية واستبدال المعلومة بنمط جديد من الرقابة، والعزل المتعمد لصناع القرار عن المراسلين، أو التدخل أثناء المقابلات التي يسمح بإجرائها بعد تلكؤ مع بعض مصادر المعلومات أو المسؤولين عن صنع القرار.

تذمر من المقرّبين

ولم يعد التذمر مقتصراً على صحفيين يمثلون وسائل اعلامية ذات ميول جمهورية أو معادية للحزب الديمقراطي الحاكم في البيت الأبيض، بل امتد التذمر ليشمل وسائل إعلام ليبرالية صديقة للإدارة أو على الأقل غير معادية لها أيديلوجيا، مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز، وغيرهما من الصحف المحسوبة على التيار اليبرالي.

بل إن أقسى العبارات الناقدة لتعامل أوباما مع الصحافة جاءت على لسان مديرة التحرير التنفيذية السابقة لنيويورك تايمز جيل أبرامسون، عندما أبلغت "الجزيرة أميركا"، في يناير الماضي أن أوباما أكثر الرؤساء تكتماً ممن تعاملت معهم في حياتها الصحفية.

ومما يعزز من صدقية أبرامسون في رأيها، نتائج استطلاع رأي أجراه موقع بوليتيكو الاخباري الأميركي الشهر الماضي شمل 60 مراسلاً في البيت الأبيض، يمثلون تقريباً جميع الأطياف والميول السياسية والأيدلوجية، أظهرت أن أكثر من 40٪ يتفقون معها في هذا الرأي. وجاءت المفاجأة مذهلة عند الإجابة عن سؤال يتضمن مقارنة بين أوباما وسلفه الرئيس الجمهوري السابق، جورج بوش، بشأن أي منهما أكثر شفافية وأكثر إقبالاً على تقديم المعلومات.

وعلى غير المتوقع جاءت المقارنة مخجلة لأوباما وفي صالح بوش، حيث اختار 5٪ فقط أوباما مقابل 41٪ اختارو بوش في حين أن 13٪ جعلوهما في درجة متساوية. ووفقاً للاستطلاع ذاته امتنع 41٪ من المراسلين عن الإجابة، وهذا الامتناع في حد ذاته أمر غير معتاد بين الصحافيين الأميركيين، ويدل على بزوغ جديد لظاهرة الخوف من الإدلاء بالرأي بما لم يكن في حسبان أحد.

بل إن " العربي الجديد" واجه صعوبة في العثور بين الصحافيين الأميركيين على من يقبل الحديث باسمه الصريح عن تجربته الخاصة، حيث أن من أدلى برأي سلبي سرعان ما استدرك بإبداء الرغبة في عدم إيراد اسمه في تخوف قد يكون جديداً على الأميركيين.

ويتندر صحافي، لا يفضل أن نورد اسمه، على الرئيس أوباما بأنه من شدة إيمانه بالمساواة بين البشر، جعل بلاده تنحدر في مستوى عال في حرية تداوال المعلومة إلى المستوى السائد في بعض البلدان القمعية في كثير من أنحاء العالم الثالث. وعلق آخر: إن إدارة أوباما حاولت تصدير قيم الحرية الى بعض بلدان العالم الثالث، وعندما فشلت في ذلك لجأت إلى استيراد قيم الاستبداد والتسلط من الدول ذاتها.

استيراد قيم الاستبداد

ويكاد المراسلون في البيت الأبيض يجمعون على أن تعامل إدارة أوباما معهم مخجل لها، ويتنافى مع كل الوعود والشعارات التي رفعها أوباما أثناء حملتيه الانتخابيتين، قائلين إن الإعلاميين عادوا في عهده يشتكون ما كان يشكو منه أسلافهم قبل مئة عام، أو ما يشكو منه زملاؤهم حاليّاً في بلدان القمع والتسلط.

كما يبدي بعض الصحافيين في كتاباتهم ومدوناتهم نوعاً من الأسى لأن إدارة أوباما حظيت بدلال ملحوظ من المراسلين المعتمدين في البيت الأبيض وخارجه، وكذلك لدى المؤسسات الأعلامية الكبرى التي يمثلونها، ظناً من هؤلاء، ومن مؤسساتهم أن عهد أوباما سيكون ذهبياً في ما يتعلق بالحريات الإعلامية والشفافية المطلقة والتناغم مع متطلبات الحصول على المعلومة. لكن خيبة أملهم كانت كبيرة خصوصاً مع بدء فترة الرئاسة الثانية التي أصبح أوباما أكثر تحرراً من عبء الانتخابات، ولم يعد القلق يراوده كثيراً على شعبيته.

ومن مظاهر التشدد التي يبديها أوباما أكثر من جميع أسلافه حسب ما يقول مراسل "ذي ديلي كولر" في البيت الأبيض، نييل مونرو، إنه لم يعد يسمح للمصورين غير التابعين للبيت الأبيض بأخذ اللقطات له أثناء نزهاته أو الأوقات المخصصة للرياضة. كما أن مساعدي أوباما وإن سمحوا للمراسلين بالحضور فإنهم لا يتيحوا الفرصة لأحد منهم بالاقتراب منه.

ويسافر كثير من المراسلين مع أوباما في الطائرة الرئاسية، ولكن موظفي البيت الأبيض يحشرونهم في الجزء الأخير من الطائرة، ولا يحظون بفرصة الحديث إلى أوباما إلا إذا تكرم بالمجئ إليهم لدقائق عدة، على عكس ما كان يفعله الرؤساء السابقون.

ويتذكر كبار السن من الصحافيين بنوع من الإجلال الرئيس الديمقراطي الأسبق، جون كندي، الذي كان صحافيّاً في بعض مراحل حياته، وعندما وصل للرئاسة أبدى إدراكاً لأهمية حرية الحصول على المعلومة. ومن المفارقات أن بعض من يشاركهم أوباما الاعجاب بجون كندي، دفعهم إحباطهم من سياسته التعتيمية إلى تحميل مقاطع يوتيوب من خطابات لجون كندي توضح بجلاء عمق إيمانه بالدور المناط بالاعلام الحر في تنقية المجتمع من مظاهر الخلل الناجم عن السرية.

ومن بين أشهر مراسلي البيت الأبيض الذين عاصرت جميع الرؤساء من عهد كندي حتى باراك أوباما، الصحافية الأميركية ذات الجذور العربية، هيلين ثوماس، وقد توفيت في 2013. وكان الرئيس السابق، جورج بوش، من أبرز الرؤساء الذين ناصبتهم العداء، لكنه كان يستمع لأسئلتها الجريئة المحرجة له. ونقل زميل لهيلين ثوماس عنها قبيل وفاتها أنها ترحمت على جورج بوش وأظهرت نقمتها على مساعدي أوباما الإعلاميين.

مراقبة تغريدات المراسلين!

ولكن الكاتب في ناشيونال جورنال رون فورنير له رأي مخالف، إذ أنه غير مقتنع بما يطرحه المراسلون من انتقادات للإدارة وخصوصاً ما يتعلق بمنع الصحافيين من الحصول على تعليقات رسمية من مسؤولين، فيقول في مقال له نشر هذا الأسبوع: إن الحصول على المعلومة لا يتم بالضرورة من التصريحات الرسمية، وأن مسؤولي العلاقات العامة بالذات مدربون على الهروب من ذكر الحقائق، ولهذا على المراسل أن يصل إلى المعلومة من مصادر أخرى غير مباشرة.

من جهته نشر الصحافي في واشنطن بوست، باول فارهي، مقالاً مطولاً في الـثالث والعشرين من يوليو الجاري، دوّن فيه وقائع عديدة تثبت أن البيت الأبيض لم يعد يسمح حتى بانفراد الصحافيين بأي من رجال السياسة وصناع القرار، وأصبحت معظم المقابلات يشارك فيها طرف ثالث من المكتب الصحافي، وكثيراً ما يتدخل في تصحيح قول أو تعديل عبارة أو مقاطعة حديث المسؤول.

لكن الأخطر من ذلك كما يقول الصحافي، أوليفر ناوكس، هو تكليف موظفة متفرغة للرقابة وهي جاسيكا آلين (24 عاماً)، مهمتها متابعة تغريدات المراسلين على تويتر لاستخدامها في تصنيف المراسلين واعتبار تغريداتهم مؤشرات إنذار مبكرة لما يمكن أن يكتبوه لاحقاً. وتعمم بعض الأسماء وفقاً لناوكس على أكثر من 80 مسؤولاً في البيت الأبيض، الأمر الذي يقود أحياناً إلى محاصرة بعض أصحاب الآراء المعارضة لسياسات الإدارة وتصعيب مهماتهم في الحصول على المعلومات.

ولكن مع كل هذا فإن من المفارقات غير المفهومة أن الآراء السلبية عن إدارة الرئيس أوباما التي يتبناها مراسلون يمكن اعتبارهم من أهم قنوات إيصال الأخبار لجماهير عريضة في العالم إلا أن الصورة النهائية لتغطية أخبار البيت الأبيض تظهر أكثر إيجابية مما كان عليه الحال في عهد السلف، جورج بوش، الذي كانت إدارته أكثر مصداقية وأقل كذباً على مراسلي البيت الأبيض على الأقل بالمقارنة مع الإدارة الحالية.

وفي تلخيص مختصر لواقع حال المراسلين مع الرئيس أوباما تقول الصحفية في البيت الأبيض ليزيلي كلارك: إننا نحن المراسلين أقرب ما نكون من الرئيس أوباما، ولكنا في ذات الوقت أبعد الناس عنه.

المساهمون