شبكة الإعلام العراقية.. الانحياز الصريح

شبكة الإعلام العراقية.. الانحياز الصريح

03 سبتمبر 2014
تحوّلت الشبكة إلى بوق ناطق باسم المالكي (AFP\Getty)
+ الخط -
مرّ عقد من الزمن على "الأمر 66"، الذي أطلق من خلاله الحاكم المدني الاميركي للعراق بول بريمر، شبكة الإعلام العراقية (imn)، التي كان يفترض ان تدشن عهداً جديداً من الانفتاح بعد عقود من هيمنة الإعلام الحزبي الايديولوجي الموجه.

وصدر الأمر بديباجة استهلها بريمر بقوله: "بناء على السلطات المخولة لي بصفتي المدير الإداري لسلطة الائتلاف المؤقتة".. وتمضي ديباجة بريمر، في مقدمة "الأمر 66" الذي صدر عام 2004، الى التاكيد على "أهمية الإعلام في بلد ديمقراطي"، وعلى ان "الحوار المفتوح والنشط يشكل عنصراً ضرورياً لتطوير أسلوب ديمقراطي". ثم تعرّج على مسألة "الحق في حرية التعبير". وشدّد على أن "عدم التدخل في استقلال الإعلام هو واجب الحكومة".

وها هي الشبكة التي أراد لها بريمر أن تكون "مستقلة وغير منحازة"، عملت، طوال السنوات الماضية، باستثناءات قليلة، على ان تكون وفية لمبدأ "الانحياز الصريح" لمنصب رئيس الوزراء والحكومة، برغم ملكيتها للدولة وتمويلها من المال العام.

غير أن هذا الانحياز تباينت درجاته تبعاً لقوة مراكز القوة أو عدمها، بمعنى أن المشرفين على الشبكة عموماً، تباينت مواقفهم طردياً مع قوة أو ضعف رئيس الوزراء. لذلك نرى أن الشبكة، ومنذ عام 2006، اخذت بالخضوع الى سلطة رئيس الوزراء نوري المالكي آنذاك، وتبين ذلك الخضوع بوضوح بعد عام 2010، عندما ظهر المالكي باعتباره الرجل الاقوى في العراق بعد فوزه بولاية ثانية لرئاسة الوزراء.

ويمكن اعتبار ان عدم التصويت على قانون الشبكة في مجلس النواب، سهّل من انقضاض السلطة التنفيذية عليها. وبالعودة الى ايام التأسيس عام 2004، عملت الشبكة في البداية بمستوى جيد من التوازن، حينما كان يتولى إدارتها الصحافي جلال الماشطة، الذي شغل، لاحقاً، منصب مستشار الرئيس السابق جلال طالباني.

وحين تولى إياد علاوي رئاسة الوزراء عام 2005، عيّن حبيب الصدر لإدارتها، وهو ضابط سابق في الجيش ومقرب من "المجلس الاعلى"، بزعامة عبد العزيز الحكيم حينذاك. وكان الصدر يوزع ولاءه في إدارة القناة بين جماعة الحكيم وعلاوي، ويسعى إلى إرضاء جهات سياسية أخرى.

وعلى الرغم من وجود هيئة أمناء مكونة من تسعة اشخاص، مهمتها الاشراف ومراقبة عمل الشبكة واختيار رئيس لها، وعلى الرغم من تقاليد التمثيل النسبي للمكونات العراقية داخل الهيئة، تكرّس منصب المدير العام للهيئة من حصة المكون الشيعي، ذلك أن الأشخاص الخمسة الذي تعاقبوا على إدارتها ينتمون إلى هذه المكون، على الرغم من توجهات بعضهم العلمانية. ولعل ذلك، من الأسباب المهمة التي وقفت وراء الاتهام المتكرر للشبكة من قبل كثيرين، بميولها الطائفية.

لكن ممارسات بعض رؤسائها أسهمت أيضاً في هذا الصيت، فقد كان حبيب الصدر يحوّل "قناة العراقية"، التابعة لشبكة الإعلام، إلى ما يشبه "المسجد" الشيعي أيام العاشر من محرم ذكرى استشهاد الإمام الحسين.

وفي عام 2008، قام المدير الثالث للشبكة حسن الموسوي، بنفسه، بتغطية مراسيم زيارة العاشر من محرّم، من خلال النقل المباشر للزيارة والتعليق عليها. أما حسن الياسري فقد انتقل بعد إعفائه من إدارة الشبكة إلى قناة "الأنوار2 "الدينية المعروفة بمواقفها المتشددة. إلا أن هذا التوجه خفّ مع تولي الدكتور عبد الكريم السوداني إدارة الشبكة عام 2009 حتى عام 2011.

ويعتبر يوم 25 فبراير/شباط 2011 بنظر كثير من المتابعين لعمل الشبكة، التاريخ الذي حسم فيه رئيس الوزراء نوري المالكي أمره معها، وقام بـ"تأميمها" واحتكارها لصالحه. ففي هذا التاريخ، بادرت "قناة العراقية"، بقيادة من "خلية الازمة" التي شكلتها الحكومة للتعامل مع تظاهرة 25 فبراير/شباط، التي نظمها ناشطون وصحافيون عراقيون، إلى عمل تغطية منحازة ضد التظاهرات، بحيث إنها بدأت ومنذ الساعة السابعة صباحاً، بتصوير نحو مئة متظاهر وراحت تعيد اللقطة على امتداد اليوم، للتمويه على عدد المحتجين الذي بلغ نحو 10 آلاف شخص عند منتصف النهار.

وخرجت التظاهرة للاحتجاج على سوء الإدارة والخدمات والفساد المستشري في العراق، الأمر الذي أقلق المالكي كثيراً، ودفعه لقمع المتظاهرين والتنكيل بهم.

ومن المعروف أن النائب السابق عن ائتلاف "دولة القانون"، علي الشلاه، هو من أدار عملية التغطية آنذاك، ولم يسمح لكادر القناة بالتدخل. ولا ينفي المدير العام للشبكة في تلك الفترة، عبد الكريم السوداني، حجم التدخلات والضغوط التي عانى منها أثناء إدارته للشبكة، لكنه يقول إن "التدخلات موجودة منذ اليوم الأول لتأسيس الشبكة، وأتت من حاشية رئيس الوزراء، وليس من المالكي تحديداً". والمفارقة أنه يرى أن "المالكي كان داعماً أساسياً لاستقلال الشبكة".

ويدافع السوداني عن تغطية قناة "العراقية" لتظاهرة 25 فبراير، بقوله إن تقريراً بثته القناة وأظهر نحو 3 آلاف متظاهر، أثار غضب المقرّبين من الحكومة فتدخلوا في التغطية بعد ذلك.

الإعلامي عمار السواد، يرى أن "شبكة الإعلام العراقية" تأسست لتكون مثل هيئة الإعلام البريطانية، لكن ما حصل هو أن فضائية "العراقية" وصحيفة "الصباح" خضعتا منذ أواخر عام 2004 للسلطة التنفيذية، وتحولت الشبكة من شبكة للدولة العراقية إلى شبكة خاضعة للحكومة ورئيسها".

ويعتبر أن "القيادات السياسية العراقية لم تؤمن بحرية الإعلام، ولم تؤمن بضرورة استقلال السلطة الرابعة، وهذا ما يظهر بوضوح في الخطاب السياسي السائد". في الفترة اللاحقة على تولي المدير الخامس مهامه، وعضو حزب "الدعوة الاسلامية" السابق، محمد الشبوط، في عام 2011، باتت الشبكة عموماً (قناة "العراقية"، وصحيفة "الصباح" بوجه خاص)، ناطقة ومنحازة بشكل كامل إلى رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي.

واتهمت الشبكة عموماً، بإثارة النعرات الطائفية والتغطيات الخبرية غير الدقيقة، حتى أن قناة العراقية عرّضت علاقات العراق العربية إلى كثير من التصدّعات، وخصوصاً حين أقدمت على إنتاج "برومو" كاريكاتيري بعنوان "دواعش" يتعرض بالإساءة إلى الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، وأمراء خليجيين آخرين وزعماء عشائريين في العراق، يتهمهم بدعم تنظيم بـ"الدولة الإسلامية".

الخلاصة، أن المؤسسة التي أراد لها "المحتل الأميركي"، أن تكون غير خاضعة لأحد، تلقفتها النزوات السياسية المحلية وأهدرت استقلاليتها. ومع غروب شمس المالكي وتخليه عن حلم الولاية الثالثة عاد للشبكة نوع من التوازن المفقود.

يُشار إلى أن "شبكة الإعلام العراقية" تدير خمس قنوات فضائية، هي "العراقية، العراقية 2، الرياضية، الوثائقية، التركمانية"، إضافة إلى جريدة الصباح ومجلة الشبكة، إلى جانب خمس صحف يومية في المحافظات. وتدير أيضاً ثلاث محطات اذاعية.

وبلغت ميزانيتها لسنة 2013، 140 مليار دينار عراقي (نحو 160 مليون دولار أيركي). ويعمل فيها 4000 موظف بين صحافي وإداري وفني. وللشبكة مكاتب في غالبية المحافظات العراقية الثماني عشرة، تعطل بعضها بسبب سيطرة كتائب الدولة الإسلامية.

المساهمون