صحافي هارب من داعش.. والطائفية

16 سبتمبر 2014
يرفض الصحافي التلعفري الكشف عن اسمه او صورته (GETTY)
+ الخط -
قال لي: "أوافق على المقابلة شريطة أن تكون بلا صورة او اسم"... بهذه الجملة بدأ الصحافي الموصلي التلعفري (من تلعفر) حديثه معي، ولم ينسَ أن يزرع على شفتيه ابتسامة للمجاملة والتخفيف عن حرج الموقف. فهو يخشى من أن يقوم المسلحون بتهديم داره، في حال اطلعوا على نص المقابلة.
ومحدّثنا، محام، وهو الاخ الاكبر في عائلة شيعية تركمانية مؤلفة من 11 فرداً، إضافة الى الأم والأب وزوجات الابناء واطفالهم. ولد في تلعفر، التي تبعد نحو 65 كيلومتراً عن الموصل، مركز محافظة نينوى، التي سيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية، "داعش"، في التاسع من يونيو/ حزيران الماضي.
يروي "الصحافي التلعفري" لـ"العربي الجديد" تفاصيل قصته الدراماتيكية الحزينة بأسى شديد: في يوم 15 يونيو\حزيران الماضي، تعرّضت مدينتنا الى قصف عشوائي بمدافع الهاون من الساعة الثانية صباحاً حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً. كان القصف يستهدف الأحياء الشيعية تحديداً في تلعفر، مثل أحياء: القلعة، المعلمين، الخضراء، والوحدة. وعند منتصف ليلة اليوم التالي، هرب معظم الأهالي، وخاصة الشيعة. خرجنا بملابس النوم وتركنا وراءنا كل شيء.
كان مشهد الطريق المؤدية من تلعفر الى سنجار، عند الساعة الثانية صباحاً لا يمكن تخيّله، إذ امتلأ بمئات السيارات وآلاف العوائل. وكان الخوف والفزع يسيطر على الجميع، حتى أن إحدى العوائل الهاربة نسيت أحد اطفالها نائماً وهربت، لكن جيرانها تنبّهوا لوجوده واخذوه معهم لحسن الحظ، "غير أن سوء الحظ عرقل خروج خالي من المدينة، حتى أننا نجهل مصيره وماذا حل به لحد الآن".
ويواصل قائلاً: "بقينا في مخيّم في العراء، بسنجار، التي تبعد نحو 50 كيلومتراً عن تلعفر، شهراً كاملاً، لم تكن هناك مرافق صحية ولا حمّامات ولا كهرباء. سرنا في الطرق الخطرة ثلاثة أيام متواصلة. لم نأكل شيئاً خلالها، واكتفينا فقط بإطعام الأطفال العصائر وقطع البسكويت".
تبدو مأساة التهجير والنزوح، التي تعرّض لها الصحافي التلعفري، تتويجاً لمأساة عشر سنوات قضاها في مكابدة المشاكل والتحديات في عمله الصحافي الذي التحق به عام 1995، حين عمل محرراً بجريدة "الحدباء" في الموصل. وما تعرّض له يكشف بوضوح فداحة التحديات التي يواجهها الصحافي العراقي، حين يتوجب عليه العمل في عالم مضطرب، تتآكله وتعصف به رياح الصراعات الطائفية العميقة. "عانيتُ الأمرّين في عملي الصحافي منذ عام 2003، فإن قمتُ بالعمل مع جهة إعلامية شيعية، غضبت مني الجهات السنية، وبالعكس، لذلك فقدت الكثير من فرص العمل لهذا السبب، واضطررت مرات عديدة للاعتذار عن العمل بسبب الخشية من الجهات المتنافسة في ما بينها".
أما إنهاء عقده مع "قناة العراقية"، المملوكة للدولة، نهاية عام 2013، فيمثّل ذروة ما يمكن أن يتعرض له الصحافي في منطقة تتآكلها الصراعات والانحيازات الطائفية والاثنية والسياسية. فقد التحق بقناة "العراقية" عام 2008، وفي عام 2010، طلب من "قناة الرافدين" المقرّبة من "هيئة علماء المسلمين" المناوئة للحكومة، عبر اتصال هاتفي، التعليق على حادث انفجار وقع في تلعفر، "لسوء الحظ، تم إنهاء عقدي بسبب حديثي العابر لقناة الرافدين. أنا الآن مهجّر وبدون عمل نتيجة صراعات لا دخل لي فيها".

المساهمون