فلسطين في مجلس الأمن: جلسة باهتة تحت الضغوط الأميركية

24 فبراير 2020
ستقتصر جلسة مجلس الأمن على إحاطة ملادينوف (Getty)
+ الخط -

لن تخرج جلسة مجلس الأمن الدولي، المقررة اليوم الاثنين، التي سيقدّم خلالها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، إحاطته الشهرية حول القضية الفلسطينية، عن المعتاد من دون أي تحرك جدي لمواجهة القرارات الأميركية والإسرائيلية لضرب القضية الفلسطينية، خصوصاً أن هذه الجلسة تأتي في ظل تكثيف الضغوط، الأميركية والإسرائيلية، في الأمم المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة، على أكثر من صعيد لإسكات أي أصوات أو محاولات حتى لنقاش ما يحدث على الأرض.

وآخر تلك التطورات عدول بلجيكا، التي ترأس مجلس الأمن للشهر الحالي، عن دعوتها للأميركي براد باركر، وهو حقوقي وأحد المسؤولين في منظمة "الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال"، إلى تقديم إحاطته حول مقتل الأطفال الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي. رسمياً أكدت السفارة البلجيكية للأمم المتحدة، رداً على أسئلة لـ"العربي الجديد" في نيويورك، "تأجيل دعوة باركر إلى حضور الجلسة، ولكن ننظر في إمكانيات أخرى في المستقبل يمكنه من خلالها أن يقدّم إحاطته، لأن موضوع الأطفال والصراعات المسلحة ذو أهمية كبرى بالنسبة إلينا". وترأس بلجيكا لجنة الأطفال والصراعات المسلحة، وقد تحاول دعوته إلى تقديم إحاطته خلال أحد اجتماعاتها. إلا أن "التأجيل" رسمياً، والعدول عن الدعوة فعلياً، يعني إبعاد الأنظار عن الموضوع، لأن الزخم والاهتمام الإعلامي في جلسات مجلس الأمن أوسع من الاجتماعات الفرعية.

أما الجلسة التي ستعقد اليوم الاثنين، فستكون خافتة قدر الإمكان، وسيقدّم خلالها ملادينوف، إحاطته الشهرية. ومن المتوقع أن يتطرق إلى الإعلان الأخير من قبل سلطات الاحتلال عن بناء آلاف "الوحدات السكنية الاستيطانية" الجديدة وغيرها من الخروقات. ولن تقدّم أي من الدول الأعضاء مداخلة، بما فيها الجانب الفلسطيني وممثل دولة الاحتلال، بحسب تصريحات للسفارة البلجيكية في الأمم المتحدة في نيويورك لـ"العربي الجديد"، وهو على عكس ما كان مخططاً له مسبقاً.


وقد يُعلل اقتصار الجلسة المفتوحة على إحاطة ملادينوف حتى اللحظة، بأن مجلس الأمن عقد اجتماعات في الحادي عشر من الشهر الحالي بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأن الدول الأعضاء سبق أن أعلنت مواقفها. لكن الاجتماع كان لنقاش موقف الدول من الخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية، المعروفة بـ"صفقة القرن"، وحتى الإحاطة التي قدمها ملادينوف كانت حول ردود الفعل الدولية والإقليمية، كذلك لخّص موقف الأمم المتحدة من الصفقة. وكلها أكدت، مع بعض التباينات، استمرار التزامها حلّ الدولتين على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وأن مرجعيتها قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ذات الصلة. وسيغلق الاجتماع بعد إحاطة ملادينوف لتباشر الدول الأعضاء مشاوراتها خلف أبواب مغلقة.

وشهدت الأسابيع الأخيرة منذ إعلان واشنطن "صفقة القرن"، "تأجيلات" عديدة في المحفل الأممي، لعل أبرزها "تأجيل" التصويت على مشروع قرار يرفض الخطة الأميركية ويؤكد حل الدولتين، الذي سحبه أو "أجّله" الجانب الفلسطيني. رسمياً، جاء "التأجيل" لعقد مزيد من المشاورات، والبحث عن فرصة أفضل. وأكدت مصادر دبلوماسية غربية في مجلس الأمن، لـ"العربي الجديد"، أن التداول حول المشروع توقف تماماً، متوقعة أنه ربما سيجري إحياؤه إذا حدثت تغييرات قوية على الأرض، كالإعلان الإسرائيلي المتوقع عن ضم جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما قد يشكل ضغطاً على الدول الأعضاء لتأكيد مواقفها والتزاماتها.




وكان لمشروع القرار هذا عدد من التبعات، أُولاها إقالة السفير التونسي المنصف البعتي، وبيان وزارة الخارجية التونسية الذي اتهمه بعدم المهنية وعدم التشاور مع تونس والجهات المعنية في ما يخصّ صياغة المشروع، الذي عمل عليه مع الجانب الإندونيسي. وبحسب مصدرين دبلوماسيين غربيين، فإن القرار التونسي جاء بعد ضغوط مارسها مستشار الرئيس الأميركي، وصهره جاريد كوشنر، على الجانب التونسي، مع ترجيحات كذلك بأن تكون بعض الدول العربية قد مارست ضغوطاً، لأن لغة المشروع، بصيغتها الأولى، لم ترقَ للجانب الأميركي. كذلك استغرب عدد من السفراء الحديث عن عدم مهنية البعتي، وأعربوا عن تضامنهم معه، بمن فيهم سفيرا أستونيا وإندونيسيا، الدولتين العضوين في مجلس الأمن.

وليس مستغرباً أن تثير الصياغة الأولية لأي مشروع قرار حفيظة هذا الطرف أو ذاك، وهي غالباً ما تكون لجسّ النبض ووضع خطوط عامة، لتبدأ بعدها الدول بجولات من المحادثات تقدّم فيها تنازلات. لكن يبدو أن الجانب الأميركي لم يرغب حتى في طرح المشروع للتصويت، حتى لو كانت لديه المقدرة لإفشاله من طريق حق النقض (الفيتو). وأشارت مصادر أخرى إلى أن الجانب الأميركي مارس ضغوطاً غير مسبوقة على الدول الأعضاء كي لا تقدّم المشروع حتى للتصويت.

وعلى عكس ما شاع في وسائل إعلام مختلفة، لم يقدّم الجانب الأميركي مسودة مشروع خاصة به تدعم "صفقة القرن"، بل فضّل إدخال تعديلات على مشروع القرار التونسي والإندونيسي، تنسف بشكل كامل فحوى المشروع بصيغته المعدلة. وطلبت بريطانيا تعديلات على المشروع، أبرزها عدم الإشارة إلى الخطة الأميركية بالاسم، وعدم الحديث عن أنها تخرق قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ذات الصلة، لكنها تتحدث عن التزام تلك القرارات. أما التعديلات الأميركية، فمسحت حرفياً أي ذكر لأي قرارات دولية سابقة. وقبل أن ترفض تلك التعديلات أُعلن "التأجيل" إلى أجل غير مسمى.

وبدا كأن القيادات الفلسطينية التي جاءت إلى نيويورك، عباس، ومسؤول ملف المفاوضات صائب عريقات، ووزير الخارجية رياض المالكي، حضرت لحفظ ماء الوجه. فلم تستغل وجودها في محفل دولي، واكتفت بالإحاطة الباهتة التي قدّمها عباس. بل زادت الطين بلة، عندما عقدت مؤتمراً صحافياً في نيويورك جمع عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت. هذا المؤتمر الصحافي عُقد من دون أخذ أي أسئلة، ولم يقدّم فيه أولمرت الدعم الذي كانت ترغب فيه قيادات السلطة، وهو أن يقول إن القادة الإسرائيليين هم من انسحب من المفاوضات. بل إن أولمرت، الذي تفاوض مع عباس لسنوات بلا نتيجة، اعتبر الصفقة الأميركية نقطة انطلاق يمكن الالتفاف حولها للتفاوض.

وعلى الأرض تستمر السلطة، على عكس وعود عباس، بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، ولا يبدو أن لديها استراتيجية واضحة حتى على ساحة الأمم المتحدة. في المقابل، تكثّف الولايات المتحدة، ومعها إسرائيل، الضغوط على الساحة الدولية لتمنع حقوقياً حتى من حضور لتقديم إحاطة حول خروقات حقوق الأطفال الفلسطينيين، الموجودة أصلاً في تقارير الأمم المتحدة. إلا أن الاحتلال الإسرائيلي، ومعه الولايات المتحدة، يريدان إسكات أي صوت، حتى لو كان ما يقوم به هو سرد ما يحدث على الأرض من دون أن يكون لذلك حتى أي تبعات قانونية.