ليبيا: حكومة طرابلس تقلب موازين القوى لمصلحتها في الجنوب

08 فبراير 2019
تتمركز كل قوات حفتر في سبها حالياً (فرانس برس)
+ الخط -
ظهرت في الساعات الماضية، ملامح انقلاب جدي في موازين القوى في الجنوب الليبي لمصلحة قوات حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، على حساب جيش اللواء خليفة حفتر. وطيلة شهر تقريباً، ظلت الكفة تميل لمصلحة حفتر الذي شنّ حملة لانتزاع السيطرة على الجنوب من قوات حكومة طرابلس، ومن القبائل المعارضة له، والمليشيات المحلية والأجنبية المنتشرة هناك، قبل أن تنقلب الأحوال فجأة لفائدة طرابلس، التي تأخرت في إرسال تعزيزات عسكرية إلى المناطق المستهدفة بزحف الجيش التابع لحفتر ولبرلمان الشرق. وتسارعت الأحداث في الساعات الماضية، منذ إعلان قوات برلمان طبرق سيطرتها، ليل الأربعاء، على حقل الشرارة النفطي الليبي في الجنوب، أكبر حقول النفط الليبية، فتقدمت سريعاً باتجاه مدينة أوباري المتاخمة للحقل (تبعد عنه نحو 60 كيلومتراً)، لتسيطر أيضاً على المواقع العسكرية فيها، قبل أن تندلع مواجهات مسلحة عنيفة بين قوة عسكرية تابعة لحكومة الوفاق، وصلت إلى المنطقة ظهر أمس، لتأمين حقل الشرارة، وجيش حفتر. وكانت المواجهات العنيفة أكبر من قدرة قوات قائد "عملية الكرامة"، التي اضطرت للانسحاب من تمركزها الأكبر في معسكر التنييري في أوباري. هكذا، استعادت حكومة الوفاق المبادرة في الجنوب بعدما اتخذت جملة من الإجراءات التي اعتبرها كثيرون متأخرة، منها تعيين الفريق علي كنه، الوجه المعروف من نظام العقيد معمر القذافي، وابن قبيلة الطوارق، آمراً لمنطقة سبها العسكرية التي اقتحمتها قوات حفتر قبل أيام. وجاءت نتيجة تعيين كنه وإرسال تعزيزات من الغرب إلى الجنوب، فورية، مع اتجاه قوة عسكرية أخرى تأتمر من طرابلس باتجاه حقل الشرارة لاسترجاع السيطرة عليه من مقاتلي جيش برلمان طبرق.

وبحسب مصادر عسكرية ليبية، تحدثت إلى "العربي الجديد" عصر أمس، فإن تلك القوة التي طردت قوات حفتر كانت بقيادة الفريق علي كنه شخصياً، وأنها تنتظر إمدادات من المنطقة العسكرية الغربية التابعة لحكومة الوفاق، بغية استعادة السيطرة على حقل الشرارة، الأكبر من حيث الإنتاج حالياً في الجنوب. المصدر العسكري، الذي فضل عدم ذكر اسمه لحساسية منصبه، أكد أن الفريق كنه وصل، ظهر الخميس، إلى منطقة غان، جنوب غرب البلاد، وسيبدأ خلال ساعات بإنشاء غرفة عمليات برفقة ستة من الضباط الموالين لحكومة الوفاق لدراسة خطط يمكن من خلالها السيطرة على كامل الجنوب لصالح حكومة الوفاق. لكن المصدر أشار إلى أن خطط الحكومة من خلال الفريق كنه تجري في موازاتها اتصالات مع قيادات قبلية لإقناعها بفك تحالفها مع حفتر.

وعن شكل القوات التي يمكن أن يقودها الفريق كنه لمواجهة قوات حفتر، قال محيي الدين زكري، وهو خبير أمني وعقيد متقاعد، إن السلاح في الجنوب هو بيد القبائل "ومن يكون قريباً منها سيمتلك القوة". وأضاف زكري في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "اللواء 177 (التابع لبرلمان طبرق) الذي دخل أوباري، مؤلف من مقاتلي قبيلة الحساونة، وأغلب الظن أنه انسحب بعدما اتضح له رجوع كنه إلى الساحة" (بعد تعيينه قائداً لمنطقة سبها). وتابع زكري: "أعتقد أن الحكومة أصابت في تعيين كنه آمراً عسكرياً للجنوب، لأنها تعرف مكانته الاجتماعية هناك وتعرف أن الحسابات تجعل من الصعب أن تقرر القبائل التي تحارب إلى جانب حفتر إعلان العداء للقبيلة التي ينتمي إليها كنه (الطوارق) التي تجمعها بمختلف القوى القبلية في الجنوب علاقات طيبة، مشيراً إلى أن القبيلة الوحيدة التي تختلف مع الطوارق هي قبيلة التبو، وهم خصوم حفتر في الجنوب اليوم.

وعن المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، وتفيد بقرب تعيين رئيس حكومة الوفاق فائز السراج للواء محمد الشريف المنتمي لمنطقة ودان، رئيساً لأركان الجيش خلفاً للواء عبد الرحمن الطويل، اعتبر زكري أن الخطوة تصب في صالح حكومة طرابلس، لأن "الشريف أيضاً من الشخصيات العسكرية التي تحظى بتقدير كبير في الجنوب سواء بين الضباط أو القبائل، ويبدو أن السراج، بوجود الشريف، سيكسب انسحاب ضباط الجنوب الذين لديهم ميول حالياً لمصلحة حفتر".



وعن السيناريوهات المتوقعة، اعتبر زكري أن "معطيات المنطقة في الجنوب تشير إلى أن عملية كنه الحالية في أوباري تهدف إلى فصل قطاع الجفرة عن سبها التي تتمركز فيها كل قوات حفتر حالياً، والمرجح أن عملية عسكرية ستجري قريباً للسيطرة على منطقة الجفرة من قبل المنطقة العسكرية الغربية بقيادة اللواء أسامة الجويلي (الموالي لحكومة طرابلس)، لافتاً إلى أن سيطرة حفتر ستقتصر حينها على منطقة جنوب شرق البلاد التي تقع تحت سيطرته أصلاً، إضافة إلى سبها. كذلك اعتبر زكري أن خطة الحكومة غير المعلنة يُفهم منها أنها لن تتوقف إلا بعد استعادة السيطرة على سبها، ذلك أن "مسمى المنصب الذي منح لعلي كنه، هو آمر منطقة سبها العسكرية، وهو ما يوحي بأن سبها هي الهدف النهائي، لما لها من أهمية استراتيجية لكونها مركز الجنوب". وخلص زكري إلى أن تعيين علي كنه والشريف، إن حصل، يعني أن حكومة السراج تلعب على الوتر القبلي، وهو العامل الوحيد القادر على تراجع القبائل في الجنوب عن تأييد حفتر، على حد تعبيره.

لكن عقيل الأطرش، المحلل السياسي الليبي، يعتبر في المقابل أن خطط حكومة الوفاق لقلب الموازين في الجنوب ميدانياً لا تزال غير كافية، موضحاً في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "حفتر يقود حملة عسكرية بالتنسيق مع قوى دولية اتضح منها فرنسا حتى الآن، التي قصفت أرتالاً مسلحة لقوى المعارضة التشادية على الحدود مع ليبيا". من هنا، يخلص الأطرش إلى أن "حسم الأوضاع في الجنوب لصالح حكومة الوفاق يتطلب وجود قوى دولية تدعمها".

وعن هذا الموضوع، اعتبر الأطرش أن الولايات المتحدة يبدو أنها "غير راغبة في إطلاق يد فرنسا في الجنوب، بدليل اللقاءات التي عقدتها نائبة المبعوث الأممي في ليبيا ستيفاني ويليامز مع مكونات قبلية جنوبية"، وهو ما فهم منه الأطرش "عدم رضى أميركياً عما يحدث في الجنوب". ويضيف المحلل الليبي إلى معطيات انزعاج بعض العواصم من تمدد النفوذ الفرنسي في الجنوب، تكثيف السفير الإيطالي الجديد لدى ليبيا، جوزيبي بوتشينو، لقاءاته مع فائز السراج، "ما يعني أن أميركا وإيطاليا تدعمان رئيس حكومة الوفاق في حسم الوضع جنوباً"، ذلك أن "مواقع النفط هي هدف كل شيء يحدث في الجنوب"، على حد تعبير الأطرش. ويختم المحلل نفسه كلامه بالقول إن "قوات حفتر فشلت في الذهاب إلى مرزق حيث تنتشر أكبر أحواض النفط والغاز بسبب معارضة قبائل التبو، فحوّل حفتر وجهته إلى حقل الشرارة وأراد تأمين وجوده هناك بالسيطرة على منطقة أوباري، ولكننا لم نسمع عن مواجهات في مناطق أخرى مثل تراغن والقطرون، حيث يتركز وجود المعارضة التشادية، مع أنه يفترض أن تكون هذه المناطق هي أولوية حملة حفتر بما أنه يصرّ على أن هدف حملته بالفعل هو طرد المعارضة التشادية". كذلك توقف الأطرش عند الزيارة العاجلة والمفاجئة التي أجراها فائز السراج قبل أيام إلى النمسا التي تمتلك أكبر الحصص في حقل الشرارة النفطي، قبل أن يعود إلى طرابلس سريعاً، ويعلن عن مجموعة قراراته العسكرية في ما يتعلق بالجنوب.

المساهمون