"لا أريد لاعبين في الوقت الحالي، بل أطمح إلى رؤية مقاتلين داخل الملعب. موقفنا صعب للغاية والصدمات تتواصل في كافة البطولات التي نشارك فيها محليا، أتفق مع الجمهور أننا بحاجة إلى التحسن على كافة المستويات"، اعترف الإيطالي كلاوديو رانييري بالفشل الذي يسيطر على فريقه، خلال الفترة الأخيرة، بعد خروجه من كأس إنكلترا أمام ميلوول المنقوص من لاعب منذ بداية الشوط الثاني، ليقترب ليستر من موسم صفري، مع صعوبة خطفه لقب الشامبيونزليغ أمام أباطرة أوروبا.
بطل رغم أنفه
يؤكد الكثيرون أن الحلم هو سر تفوق ليستر هذا الموسم، لكن كلمات رانييري بعد التتويج جاءت قاطعة وواضحة، "أنا لم أحلم، لم أحلم أبدا بأن أكون البطل، ولم أكن أتخيل أنني سأكون المتصدر ثم البطل في نهاية الموسم". القصة بأكملها أقرب إلى الروايات والأساطير، فرانييري جاء من الأساس لتفادي الهبوط مع ليستر، لكنه وجد نفسه وفريقه داخل بؤرة المنافسة، وقتها فقط تحوّل الخيال إلى واقع، ونجح رفاق محرز في خطف البريميرليغ.
وبالتالي، فإن مهمة كلاوديو ليست في الفوز بالدوري أو حتى بالحفاظ عليه لموسم آخر، مع قوة المنافسين مؤخرا بقدوم كونتي وغوارديولا إلى البطولة، وتطوّر مستوى توتنهام واليونايتد، مما يجعل فكرة الوصول إلى مركز مؤهل للأبطال شبه مستحيلة من بداية الموسم وليس الآن فقط، لذلك يجب أن يحاسب جمهور ليستر مدربهم ولاعبيهم على شيء واحد فقط، النجاح في الهروب من مراكز الهبوط، واحتلال مركز آمن في منتصف الجدول.
بكل تأكيد الفوز بالدوري أجبر جمهور ليستر على الحلم مبكرا، لكن كل المعطيات تؤكد صعوبة وضع حامل اللقب أمام منافسيه، من دون نسيان بعض القرارات الخاطئة للمدرب والإدارة خلال الصيف الأخير، بعد عقد مجموعة صفقات ضعيفة، والتخلي عن أبرز ميزة تكتيكية لديهم، الفوز بالكرة الثانية في التكتيك الإنكليزي.
الغائب الأكبر
يهتم الفائز في إنكلترا دائما بالكرات الطولية، كرة القدم هناك ليست عبارة عن استحواذ أو حتى هجمات مرتدة عند الحاجة، ولكن تقوم كل الفرق بعمل هجمات مرتدة ضد بعضها البعض في كل وقت، إلى ما لا نهاية. إنها ثقافة المرتدات، حيث لا تميل الفرق إلى استعمال سلسلة التمريرات للحيال دون ذلك، والفريق الذي يدافع بشكل جيد فإنه يتفوق بخطوة على البقية، يحمي مرماه من المرتدات، ويخطف الكرة الثانية قبل غيره.
وتعرف الكرة الثانية كما تم الحديث عنها من قبل بأنها التمريرة التي تأتي بعد التمريرة الأولى هجوميا، وفي أغلب الأحيان تكون هي اللعبة التالية للكرة الطولية في نصف ملعب الخصم، وتحتاج هذه اللعبة إلى لياقة قوية من أجل مواصلة الركض باستمرار، ومحاولة الحصول على التمريرات بعد سقوطها من الهواء إلى أرض الملعب، وهذا هو السر الحقيقي وراء فوز ليستر بالدوري، وتفوق تشيلسي دفاعيا هذا الموسم، وكانتي هو العامل المشترك الوحيد بين الفريقين.
نغولو كانتي هو الفارق، لقد أثبت ذلك بوضوح على مدى عامين، بعد تألقه في طريقة 4-4-2 لرانييري الموسم الماضي، وقيامه بحائط الصد الأول أمام الدفاع، ليحصل دائما على الكرة الثانية بعد ألعاب الهواء، ويمررها سريعا تجاه الأطراف أو لاعبي الثلث الهجومي الأخير. يقول رانييري عن كانتي إنه لاعب يستطيع الركض من أول الملعب لآخره طوال التسعين دقيقة، ومع انتقاله إلى تشيلسي، فقد ليستر أهم نقطة قوة يمتلكها في الشق الدفاعي.
فرسا الرهان
اعتمد فريق ليستر على لعبة التحولات طوال العام الماضي، يغلق الفريق بأكمله نصف ملعبه بأكثر من خط، رباعي في الدفاع ثم رباعي بالوسط، مع عودة المهاجمين إلى دائرة المنتصف تقريبا، مما يجعل الفراغات ضيقة للغاية أمام المنافسين، لينجح رانييري في الجزء الأول من خطته، بحماية مرماه من استقبال أهداف، والحفاظ على نظافة شباكه لأطول فترة ممكنة، قبل أن تأتي الخطوة الثانية والأخيرة، بمحاولة إيذاء الخصم عن طريق المرتدة أو الكرة الثابتة أو اللمسة المهارية.
فاردي مثل المهاجمين القدامى، يقتل خصمه في الفراغ، ويتحين اللحظة المنافسة للانقضاض على مراقبه، بينما محرز يمتاز بالمهارة والناحية التقنية، يتفوق في المراوغة وهزيمة المدافعين، ليقدم هذا الثنائي أفضل تعاون ممكن، ويسجل الإنكليزي والجزائري أهدافا غزيرة، ساهمت بشكل رئيسي في حصول ليستر على اللقب، لكن هذا الموسم سجل فاردي 5 أهداف بالدوري، ومحرز 3 فقط، في انهيار تام على الصعيدين الفردي والجماعي.
فشل رانييري في تجهيز الثنائي الكبير مؤخرا، وأشارت الصحف إلى وجود حاجز نفسي بينه وبينهما، لكن الشيء المؤكد أن فاردي لن يصل أبدا لأكثر من ذلك، مع اقترابه من سن الثلاثين، بينما وجد محرز نفسه أسيرا لفكرة الرحيل منذ الصيف الماضي، ومع استمراره لفترة إضافية، حدث الخلل المنتظر بسبب عدم التركيز الكلي في مكان واحد، وتفكيره المستمر في خطوة أكبر خلال أول فرصة قادمة.
الجانب التكتيكي
الجماعية هي الأساس في النهاية مهما زاد أو نقص الجانب الفردي، وتؤكد لغة الأرقام أن ليستر سيتي يعاني أمام معظم منافسيه، بسبب رهانهم على نفس أسلوبه تقريبا، ألا وهو العودة للخلف وغلق الفراغات، مع الضرب بالمرتدات والتحولات السريعة، مما جعل الأمر صعبا أمام رانييري، لدرجة أن فريقه سجل فقط بالدوري 24 هدفا، بينما سجل 68 خلال الموسم الماضي ككل، ومن بين الرقم 24، وصل ليستر إلى الشباك أربع مرات من خارج منطقة الجزاء، مع 4 ضربات جزاء، وركنيتين، أي أنه سجل نسبة ضعيفة جدا باللعب المنظم.
يعاني ليستر بشدة أمام الفرق المنظمة التي تطبع طريقته الدفاعية، ولا يقدر لاعبوه على خلق الفراغات دون اللجوء إلى المرتدات، لكن يصعب ذلك بشدة بسبب صعوبة عمل المرتدة أمام الدفاع المتكتل من الأساس. ولا يعتبر هذا الجانب هو عامل الفشل الوحيد، فالثعالب لم يستغلوا ميزة الكراث الثابتة هذا الموسم بطريقة جيدة، حيث سجلوا فقط 3 أهداف بواسطة هذا السلاح بعيدا عن أرقام ضربات الجزاء.
حصل رانييري ورفاقه على المديح كثيرا، لكنهم يستحقون النقد خلال الفترة الحالية، ويبقى الهدف الرئيسي لهذا الفريق هو تجنب الهبوط إلى الدرجة الأدنى، مع ارتفاع مستوى منافسيهم كهال سيتي وسوانزي وسندرلاند وميدلزبره، مما يعني إمكانية مشاهدة السيناريو الأسوأ بالنهاية، عندما يهبط حامل اللقب إلى "الشامبيونشيب".