مجموعات العنف في مصر: خدمة للنظام أم ثأر منه؟

09 سبتمبر 2016
تستهدف المجموعات كمائن وسيارات الأمن (الأناضول)
+ الخط -
منذ الانقلاب العسكري على الرئيس المعزول محمد مرسي، ظهرت مجموعات مسلحة عدة على الساحة المصرية، تشترك جميعها في الرغبة بالثأر من النظام الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي، خصوصاً بعد عمليات القتل الواسعة والاعتقالات والتصفيات الجسدية التي طاولت رافضي الانقلاب. في 21 أغسطس/ آب الماضي، هاجم مسلحون مجهولون كميناً للشرطة المصرية في محافظة المنوفية، وظل الفاعل مجهولاً لنحو أسبوعين، حتى أن وزارة الداخلية لم تفد بأي معلومات حول المتورطين في هذا الحادث. لكن معلومات جديدة بدأت تظهر حول حادث الهجوم المسلح من خلال شريط مصوّر لمجموعة جديدة على الساحة المصرية تدعى "لواء الثورة"، في 6 سبتمبر/ أيلول الحالي، لتعلن مسؤوليتها عن الواقعة.

وعلى الرغم من أن الشريط المصوّر ظهر على موقع يوتيوب، لكن لم يلتفت إليه أحد إلا قبل ساعات قليلة، نظراً ﻷن تلك المجموعة المسلحة جديدة على ساحة الحركات الناشئة في مصر عقب الانقلاب على مرسي، فضلاً عن عدم وجود صفحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لنشر بياناتها. وتثير حركة "لواء الثورة" المسلحة علامات استفهام كنظيراتها من المجموعات التي ظهرت في مصر كرد فعل على الانتهاكات والقتل والتنكيل برافضي الانقلاب، بحسب ما أعلنوه في بيانات سابقة. ولم يستبعد مراقبون للحركات اﻹسلامية أن تكون هذه المجموعة الجديدة تطوراً لأخرى كانت موجودة وتفككت لسبب ما، وهذا ما يعكسه وجود نوع من التعامل اﻷكثر احترافية مع العمليات المسلحة.

بعض من تلك المجموعات كانت واضحة في بداية ظهورها ومحددة الرؤية واﻷهداف وعملياتها مؤثرة، خصوصاً تلك التي ارتبطت بتنظيم "الدولة اﻹسلامية" (داعش)، وأخرى كانت أقرب لتنظيم القاعدة، وهو ما بدا ظاهراً في خطابها. عدد آخر من تلك المجموعات مجهولة وعملياتها محدودة التأثير، اعتاد مؤيدو الانقلاب على إلصاق تبعيتها للتيار اﻹسلامي الرافض للنظام الحالي، وخصوصاً جماعة اﻹخوان المسلمين، بيد أن طرفاً آخر اعتبر العنف الذي تمارسه هذه المجموعات هو برعاية النظام الحالي نفسه.

ويعد السيسي هو المستفيد اﻷول من أي عمليات عنف تمارس تجاه قوات الجيش والشرطة، لاستغلالها في الخطاب للشعب المصري ليكون العنف واﻹرهاب هو "الشمّاعة" التي يعلق عليها فشله على مختلف المستويات. كما أنها رسالة للغرب بتعرض الرئيس لضربات موجعة من اﻹرهاب، في محاولة لتخفيف حدة الضغوط عليه المتعلقة بحقوق اﻹنسان والحريات ولضمان بقائه في الحكم، وفقاً لمراقبين. ويشير هؤلاء إلى أنّ الأمن المصري يظل المتهم الأول في التعامل مع مجموعات العنف، إما برعاية بعضها لخدمة النظام الحالي، أو بالفشل في التعامل معها وتفكيكها.

وبعيداً عن عمليات "داعش" في مصر، تظل هناك علامات استفهام حول تلك المجموعات المجهولة التي تعلن عن تنفيذ عمليات بين الحين واﻵخر. وكانت أبرز المجموعات التي ظهرت، بعيداً عن تلك التي تنتمي للسلفية الجهادية، العقاب الثوري، والمقاومة الشعبية، وحسم، وجبهة التحرير. وكانت آخر عملية أعلنت عنها حركة العقاب الثوري، في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، في محافظة الفيوم، من خلال استهداف سيارتين للشرطة.






أما جبهة التحرير، والتي تنشر بياناتها عبر أحد مواقع التدوينات، فأعلنت عن اقتحام كمين في محافظة القليوبية، وقتل رقيب داخلية يدعى مصطفى رفعت وإصابة نقيب وملازم أول، واغتنام أسلحتهم وذخيرتهم، في 4 إبريل/ نيسان الماضي. وحركة حسم أعلنت مسؤوليتها عن محاولة اغتيال مفتي الجمهورية السابق علي جمعة. وأعلنت في 16 يوليو/ تموز الماضي تصفية رئيس مباحث طامية بمحافظة الفيوم، وإصابة أمين شرطة وخفير. والغريب أن حركة المقاومة الشعبية أعلنت هي الأخرى تبنيها لمحاولة اغتيال جمعة أيضاً، بما يفتح مجالاً واسعاً للتشكيك في حقيقة تلك المجموعات.

وما يزيد من الغموض هو أن المقاومة الشعبية ليست أول مجموعة تعلن عن تبني عملية مسلحة نفذتها مجموعة تابعة لـ"داعش"، فقد أعلن "العقاب الثوري" تفجير منزل بالهرم بعد استدراج الأمن إلى كمين بدعوى وجود شقة تضم عدداً من العناصر المسلحة. وعلى الرغم من أن تكتيك تفخيخ المنازل هو أسلوب متبع لـ"داعش" وسبق أن نفذه عشرات المرات في العراق بالطريقة نفسها من خلال استدراج قوات الأمن لكمين، لم يتردد "العقاب الثوري" في إعلان مسؤوليته.

وفي الوقت الذي يعتبر البعض هذه المجموعات "وهمية"، تستمر في إعلان مسؤوليتها عن تنفيذ عمليات لتصفية أفراد من الشرطة. ويفسر باحث في الحركات الإسلامية حالة الغموض حول تلك المجموعات، بالقول: "بعد عمليات القتل والتصفيات الواسعة من قبل قوات الأمن المصري، لجأ بعض شباب التيار الإسلامي إلى العنف وحمل السلاح". ويضيف أن المنطق يشير إلى أنه كلما تزايد الخناق على التيار الإسلامي لجأت مجموعات لحمل السلاح، لكن ليس بأعداد كبيرة هذه المرة، وليس بالضرورة أنها ترتبط بجماعة كبيرة، ولكن يمكن أن يكونوا شباباً إسلاميين غير منتمين لفصيل بعينه.

ويشدد على أن هؤلاء الشباب ربما لجأوا إلى تشكيل مجموعات تنفذ عمليات ثأر، لكن لضعف قدراتهم وقلة عددهم وعدم وجود خبرات تستغرق وقتاً كبيراً في التجهيز، بعضهم سقط في يد قوات الأمن، لكن تم ضمهم إلى قضايا كبرى، وهو أسلوب متبع لأمن الدولة. ولا يستبعد هذا الباحث وجود مجموعات "وهمية" لا تحمل السلاح من الأساس، لكنها ظهرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، برعاية أمنية لاستقطاب بعض الشباب لإلقاء القبض عليهم. وحول التضارب في تبني بعض العمليات ضد قوات الشرطة، يؤكد أنه في ظل عدم وجود معرفة بتلك المجموعات لا يمكن الحكم على مَن الصادق ومن الكاذب، وهذه مسؤولية الأجهزة الأمنية التي تتعامل بنوع من الهدوء غير المفهوم مع هذا الملف.

من جهته، يقول الخبير الأمني، العميد محمود قطري، إنه بعيداً عن حقيقة المجموعات المجهولة، هناك فشل أمني غير مسبوق في الوصول لتلك المجموعات إذا كانت حقيقية بالفعل. ويضيف قطري أن مجموعات مثل العقاب الثوري والمقاومة الشعبية موجودة منذ فترة طويلة، لكن حتى الآن لم تتمكن الأجهزة الأمنية من فك رموزها والقبض على عناصرها.








ويشير إلى أن تلك المجموعات التي لا ترتبط بالتيارات الجهادية وقدراتها وعملياتها محدودة من حيث التنفيذ والتأثير ولا تمتلك خبرات إلا أن الأمن لم يفككها، مع الاكتفاء فقط بالإصرار على أنها تتبع التيار الإسلامي وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين، من دون القيام بأي عمليات بحث وتحرٍّ. ويؤكد أن تلك المجموعات لا يمكن الجزم بانتمائها لأي فصيل، سواء تنظيمياً أو فكرياً، لأنها غير واضحة المعالم والرؤية، عدا عن أنها، وفق ما تعلنه، تسعى لمواجهة النظام الحالي والأجهزة الأمنية.

ويلفت إلى أن قدرات الجهاز الأمني تحتاج إلى جهود كبيرة لتتمكن من مواجهة الجماعات المسلحة التي تمثل خطراً حقيقياً على الأمن الداخلي، وخصوصاً تلك التي ترتبط بـ"داعش" و"القاعدة". ويذهب إلى القول إن العمليات الإرهابية الكبيرة تراجعت بشكل ملحوظ، ليس إلا لتحصين مديريات الأمن وأقسام الشرطة بوضع المتاريس وإغلاق الشوارع، لكن لم يتم تفكيك تلك المجموعات.

من جانبه، يقول أحد شباب "الإخوان المسلمين" إن الجماعة لم تتخذ أو تدعم أي قرار بتشكيل مجموعات مسلحة لمواجهة النظام الحالي، وهناك تمسك بالسلمية التامة. ويضيف الشاب أن الجماعة لا تمتلك كتائب نوعية مدربة على حمل السلاح كما يحاول مؤيدو الانقلاب إلصاق تلك الاتهامات لخدمة النظام. ويؤكد أن السيسي هو المستفيد الأول من ظهور تلك المجموعات، وعليه أن يثبت فعلياً وجود رابط من أي نوع بين الإخوان وتلك المجموعات.

ويشدد على أن الخط العام لدى الجماعة عدم حمل السلاح مطلقاً، لأنه يعطي مسوغاً للنظام للتنكيل برافضي الانقلاب، مع الاتفاق على التبرؤ من أي مجموعة تقرر اللجوء لحمل السلاح. ويكشف عن محاولات سابقة لقيادات الجماعة لكبح جماح بعض الشباب الذين بدأوا يبتعدون عن السلمية في ظل القتل والتنكيل والتصفيات الجسدية بحق رافضي الانقلاب، مع احتواء حالات الغضب الداخلي، موضحاً أن الجماعة مرت خلال الأعوام الثلاثة الماضية بما هو أسوأ ولم تلجأ لحمل السلاح، ولن تلجأ إليه.

فيما يعتبر القيادي بالجبهة السلفية، مصطفى البدري، أن المجموعات المسلحة هي من صناعة النظام نفسه، وليس للتيار الإسلامي دخل بها. ويقول البدري لـ"العربي الجديد"، إن النظام يشكل مجموعات مسلحة "وهمية" ليصدّرها أمام الغرب لتخفيف حدة الضغوط الخارجية عليه، فضلاً عن توجيه رسالة للشعب المصري بأنه المنقذ لهم من الإرهاب، في حين أنه لم يتمكن حتى من تنفيذ ما وعد به في ظل تصاعد عمليات العنف ضد الشرطة، وعلى جانب آخر ما يتعرض له الجيش من مسلحي "ولاية سيناء" المبايع لـ"داعش".