محمد المزروعي: الفجوة الغذائية وصلت الى 40 مليار دولار

08 ديسمبر 2014
رئيس الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي (العربي الجديد)
+ الخط -
كشف رئيس الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، محمد بن عبيد المزروعي، أن الأمن الغذائي  يشكل جزء من الأمن القومي. ويقول في مقابلة لـ "العربي الجديد": أن الفجوة الغذائية في العالم العربي وصلت إلى رقم مخيف، وهو 40 مليار دولار، ما يستدعي التنبه للإنعكاسات السلبية لهذه الظاهرة". وهنا نص المقابلة

*ما هي الأدوار التي تقوم بها "الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي" لدعم وتقوية الاستثمارات في مجال الزراعة داخل مختلف الدول العربية؟
الهيئة لها العديد من الأهداف والأدوار، على رأسها توفير مختلف المواد الغذائية والزراعية في الدول العربية التي ترتبط بالهيئة. إذ إن الغاية من تأسيس الهيئة، هو تحقيق الأمن الغذائي. فالأخير جزء من الأمن القومي. وهذا دور كبير ليس من السهل النجاح فيه.
نشتغل بشكل مركزي على التنمية، وقد قامت الهيئة خلال ثلاثين عاماً بتحقيق مجموعة من الإنجازات. نعم هي ليست في مستوى الطموحات، ولكن إذا أخذنا في الاعتبار ظروف العمل، ومجالات الاستثمار، والمشاريع الزراعية الخاصة بمجموعة من الدول، نستطيع أن نقول إن مجموع الإنجازات لا بأس به. نحن اليوم بصدد إطلاق رؤية جديدة، كي تستطيع الهيئة تنفيذ التزاماتها لتنمية الاقتصاد الزراعي.

*تشرفون على 36 شركة ومؤسسة زراعية داخل مختلف الدول العربية، وتوجّهون لها مختلف أشكال الدعم. هل المردود يوازي حجم ما توفرونه؟
من واجب الهيئة تقديم الإعانات، ولا تنتظر في المقابل من الشركات الدور ذاته. ما نرجوه هو أن تستمر الشركات، وأن تنمو وتكبر في الأسواق، لكي تلعب دورها في تحقيق جزء من الأمن الغذائي للمواطنين. هذه الشركات ساعدت كثيراً في تحقيق ما نأمله، والمتمثل في تضييق الفجوة الغذائية التي يعرفها العالم العربي في بعض المحاصيل. والأكيد ما هو مطلوب منها أكبر مما هو محقق اليوم، ومع المجهودات المتبادلة سنرفع التحدي للوصول إلى الأهداف.

*حجم الاستثمارات في الشركات التي تشرفون عليها يبلغ أكثر من 300 مليون دولار. تقرون في مجموعة من التقارير الصادرة عنكم أن الرقم غير كاف، كيف سترفعون مستقبلاً من حجمه؟
لا يجب أن ننكر أن الدول الأعضاء ضاعفت رأس المال من 360 مليون دولار إلى 800 مليون دولار، ووافقت على الزيادة وبدأت في السداد. ما نكرره دائماً هو أن حجم الفجوة الغذائية في العالم العربي هو 40 مليار دولار، وهو رقم مخيف، ولا يمكن بمليار دولار فقط سد هذه الفجوة الهائلة. مع ذلك نعمل على مضاعفة الإنتاج وتحسينه، وإعادة الاستثمار في مختلف القطاعات المرتبطة بالمجال الزراعي، بالإمكانيات المتوفرة لدى الهيئة الآن. المطلوب منا استغلال الموارد المالية الحالية، وتوظيفها بأقصى طاقة ممكنة.

*ما هي أهم المحاصيل التي تنتجها الشركات العاملة تحت إشراف الهيئة؟
تركز الهيئة على خمسة محاصيل أساسية، تجد مجموعة من الدول صعوبة في توفيرها للمواطن العربي وهي: السكر كمنتوج استراتيجي يدخل في صناعات متعددة، والحبوب بجميع أنواعها (القمح، الشعير، الذرة، والزهرة.. إلى آخره)، واللحوم (الحمراء، البيضاء، والأسماك)، والألبان وهي عنصر غذائي أساسي، وأخيراً الزيوت.
يتفرع عن المحاصيل التي ذكرتها، منتجات أخرى مكملة، كالأعلاف التي تساهم في تطوير إنتاج اللحوم، والأسمدة المساعدة على وفرة الإنتاج في المحاصيل. التركيز حالياً على هذه المنتجات، نابع من دراسات قامت بها الهيئة، رصدت من خلالها الحاجة الملحة لمختلف الدول إليها.

*هل تستطيع الدول العربية في المستقبل القريب تأمين أمنها الغذائي؟ وكم تبلغ نسبة تأمين المنتوجات الغذائية، دون حاجة لاستيراد العديد منها؟
استطاعت الهيئة من خلال استثماراتها في الشركات التي تشرف عليها، ومن خلال مشاريع أخرى، تضييق الفجوة الغذائية في العالم العربي إلى حد كبير، والتقليل من الواردات. وعلى سبيل المثال في بعض الدول العربية تم تضييق الفجوة في تأمين الألبان، ووصلنا إلى اكتفاء نسبته 80%، وفي الدواجن أيضاً بالنسبة ذاتها تقريباً. وهناك فرص متاحة، مع امتلاك مختلف الدول العربية الإمكانيات والموارد والخبرات لتضييق الفجوة، وإنجاح أي مشروع زراعي.
ما نحتاجه اليوم هو بيئة استثمارية مناسبة ومنافسة. صحيح تتوافر الأراضي، وهناك عمالة كبيرة، ولدى الدول مصادر تمويل قوية. ما ينقصنا- كما ذكرت- هو مناخ استثماري مشجع. جميع الدول في العالم تدعم القطاع الزراعي، حتى الدول المتقدمة منها، ورغم توجهها نحو التصنيع، تعول كثيرا على هذا القطاع لضمان الأمن الغذائي لشعوبها. ونحن نطلب من الدول العربية توفير الأرضية الصلبة لنجاح الاستثمارات الزراعية، كشبكات الطرق، والكهرباء وقنوات الري، لتسهيل وتشجيع عمل المؤسسات والشركات الزراعية.
في رأينا الزراعة لها أثر على كل فرد، وهي ليست محطة كهرباء ستضعها وقد لا يلمس أثرها العديد من أفراد المجتمع. ومجموعة من سكان القرى، ينظرون إلى المشاريع الزراعية كقاطرة تأتي بالطريق لفك العزلة عنهم، وتأتي بالكهرباء كذلك، وتعطي دفعاً قوياً لعجلة الإنتاج والاستهلاك، بل وتساهم كذلك في إنشاء مدارس ومستشفيات فوق تراب قراهم. الزراعة تنمية اجتماعية متكاملة يستفيد منها المجتمع بمختلف شرائحه.

*في زيارتكم الأخيرة للعاصمة الإيطالية روما التقيتم برئيس منظمة "الفاو"، واتفقتم معه على نقل تجربة الزراعات الحديثة إلى مجموعة من الدول العربية. أين وصل المشروع؟ وهل من نتائج؟
نحاول أن نواكب آخر التطورات في المجال الزراعي، ونبحث عن الاستفادة الواسعة من آخر التقنيات المبتكرة، ولنا تجارب عديدة في هذا الصدد. على سبيل الذكر- لا الحصر- الزراعة بدون حرث. هذه الأخيرة نجحت بشكل باهر، واستفاد منها قطاع كبير من المزارعين في عدد من البلدان، من بينها المغرب، وتونس، والسودان، بالإضافة إلى بلدان المشرق العربي.
لا زلنا نسعى إلى إدخال تقنيات أكثر حداثة، ومد كافة الدول الأعضاء في الهيئة بها، مع ضمان تقديم الدعم والاستشارة الفنية، وذلك عبر ربط جسور التواصل بين الدول ومؤسساتها وشركاتها الزراعية، مع المنظمات الدولية العاملة والمهتمة بمجال الزراعة والتغذية.
في دول الخليج، لا تتوافر لا المياه ولا الأراضي الخصبة، ومجال الاستثمار في الزراعة ضيق جداً. وتجاوز هذا الواقع، لن يكون إلا باستقدام التقنيات الحديثة، من قبيل الزراعة بدون تربة، والزراعة بدون حرث، وكذا الزراعة بدون الاعتماد على مياه الري بشكل كبير. جلبنا تقنيات حديثة وتستعمل اليوم، والأمل مستقبلاً هو تجاوز معضلة ندرة المياه والأراضي الصالحة للزراعة.

*كان آخر اجتماع للهيئة في السودان، وهذا البلد يمتلك أراضي خصبة وشاسعة، لكن غير مستغلة، ألا تفكرون مستقبلاً في جعله موطناً للزراعة العربية في إطار التكامل بين الدول؟
من ضمن الاستراتيجيات التي تم إقرارها داخل الهيئة، الدفع بقوة نحو خلق تكامل بين الدول العربية في مجال الزراعة، والتقليل ما أمكن من استيراد المواد الغذائية من الدول الغربية وغيرها، وهذا هو الهدف الأساسي من خلق الهيئة. نطمح إلى أن تعول الدول العربية على نفسها، بتوفير الإمكانيات والموارد، وتبادل الخبرة فيما بينها، مع الحفاظ على الميزة التنافسية لكل دولة.
يتميز السودان مثلاً بأراض خصبة لا يتميز بها المغرب، ويستطيع أن يزرع وينتج محاصيل بكمية أكبر، ثم يصدر نحو المملكة، والعكس صحيح. عندنا على سبيل المثال حاجة لإنتاج البذور، واليوم استطعنا خلق شركة عربية في السودان لإنتاجها، فلا يمكن أن تكون لديك زراعة بدونها، أسسنا الشركة للقطع مع التبعية للخارج. أؤكد لكم أننا قطعنا أشواطاً طويلة في هذا الصدد. الشركة اليوم فوق تراب السودان، وإذا اكتفت الدولة من إنتاجاتها لمختلف الأصناف من البذور، قريباً سوف نتجه نحو تصديرها إلى باقي الدول وفق معايير دولية عالية ومحكمة.
هناك موضوع آخر يدخل في إطار التكامل، وهو قطاع الدواجن. ولوقف استيراد بيض الدجاج، أنشأنا شركة لإنتاجها، ونطمح قريباً إلى إكمال حلقة إنتاج الدواجن، من دون الحاجة للاستيراد.

*استطعتم أخيراً في زيارتكم إلى فرنسا إقناع مجموعة من المؤسسات بخلق صندوق استثماري زراعي لفائدة دول المغرب الكبير، هل بدأ فعلا استغلال ما رصد من أموال؟
التقينا خلال الزيارة الأخيرة إلى فرنسا، مع بعض المستثمرين الفرنسيين، وغرفة التجارة والزراعة الفرنسية، والتقينا كذلك بمسؤولين عن البنك الأوروبي للاستثمار. ونعرف أن هذا الأخير مهتم بشمال أفريقيا، لذلك تحدثنا معه، ورحب بفكرة خلق صندوق استثماري زراعي. لكن ما زالت هناك خطوات أخرى مطلوبة من جانب البنك لتفعيل الفكرة.
ونحن نعول على دول المغرب العربي بشكل كبير في مجالات: الصيد البحري، الحبوب، اللحوم، وكذلك مشاريع البستنة، بالإضافة إلى إنتاجاتها للخضار والفواكه، التي يفرض تجميعها التدرج، قصد التعبئة والتصدير. ونحن ننتظر نتائج الدراسات بعد لقائنا بمجموعة من المستثمرين داخل دول المغرب العربي. ونفكر اليوم في إنتاج شركة نقل وتسويق، حتى نستطيع أن ننقل هذه المنتجات ونسوقها في أقل وقت ممكن.

*هل ستستفيد الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي من إنتاج المملكة المغربية الكبير للأسمدة خلال الفترة المستقبلية؟
تركيز الهيئة اليوم على خمسة محاصيل التي سبق وتحدثنا عنها، إضافة إلى منتجات ثانوية، منها الأعلاف والأسمدة.
إلا أن لدينا مخططاً مستقبلياً لإنشاء مصنع للأسمدة قد يحتضنه المغرب، وذلك بفضل الإمكانيات المشجعة، والخبرة التي تتوافر في المملكة في هذا المجال. ونحن بصدد دراسة المشروع الذي سيرى النور قريبا. ولدينا كذلك مشروع آخر مكمل لمشاريع الأمن الغذائي، وهو مشروع الأدوية البيطرية لإنتاج أمصال اللقاحات الخاصة بالحيوانات.
المساهمون