بخلاف ملامحه الهادئة الصابرة، كان على الدوام شعر محمد محمود الشيخ، الشهير بمحمد مدني، شعراً يتفجر غضباً. فالمقاتل السابق في صفوف الثورة الإرترية لا يزال على حاله، ثائراً على كل شيء:
"أنا غاضب يا رسول
فبعض الحكومات
تختار أن تشترينا بحسن الجوار
وبعض الرفاق يبيعوننا بالحوار"
الحياة العريضة التي عاشها محمد مدني مقاتلاً أولاً، ثم مثقفاً شرساً عقب الاستقلال، تُنافس في حضورها المدى الذي بلغته أشعاره خلال المرحلتين. فمدني ولد في منطقة حلحل الإرترية عام 1955، قبل أن تنتقل أسرته سريعاً إلى السودان، وتحديداً إلى مدينة مدني عاصمة الإقليم الأوسط، التي اكتسب اسم شهرته منها، وفيها تشكّل وعيه ونمت شاعريته حتى غدا أحد أهم الأسماء الشعرية الشابة في تلك المدينة حينها.
هذا الانغماس البالغ في تفاصيل الحياة الاجتماعية والثقافية في مدينة مدني، لم ينسه إرتريا، إذ سرعان ما التحق الشاعر بجبهة التحرير الإرترية، مقاتلاً بفوهتين غاضبتين: بندقيته وقلمه.
بُعيد الاستقلال، كان محمد مدني، أسوة بكل مجايليه، ممتلئاً بآمال عريضة سرعان ما تكسّرت على صخرة الاستبداد الذي خرج من عباءة الثورة النبيلة، فتوالت خيبات الشاعر التي عبّر عنها بغضب حارق:
"أدوزن أغنيتي التالية
وأرفض
أن نكتفي
بالرصيف
تابعوا ما شئتمُ
أو طاوعوا من خفتمُ
فالزاحفون إلى الفجيعة
أنتمُ
فقط افهموا
أن
لا وثيقة أو وثاق
ولا حقيقة أو نفاق
يُخفي عن الأطفال عورة
من دفنتم من رفاق"
لكن مُصاب مدني تجاوز خيبة الأمل في الوطن المنتظر، إلى تغييب شقيقيه عمار وحكيم، اللذين اغتيلا غدراً، وهما من كان إلى جواره يحملان همّ تثبيت مشروع الثقافة العربية في إرتريا ما بعد التحرير. فاضطر الشاعر إلى مغادرة إرتريا مجدداً إلى السودان، وكأنه يُعيد سيرة أسرته الأولى، لكن هذه المرة مع اختلاف الجناة. وهنا يبدو الشاعر وهو يخاطب ابنه يسار وقد اعتاد على هذه الدائرة، التي ما إن تعيده إلى الوطن حتى تخرجه منه:
"من لنا
غيرنا يا يسار
من لنا غير أن نحتمي بالجدار..؟
ظهرنا لِصْقه صدرنا نحو نار
آه كم رائع هو
هذا الحصار"
جمع محمد مدني مؤخرا أشعاره في ديوان حمل عنوان"نافذة لا تُغري الشمس"، وهو بصدد إصدار ديوان جديد بعنوان "تحت الحياة..فويق الممات". وهنا أحدث قصائده الشعرية:
"حرفانِ
فترتحلُ الضَمّةُ
ينكسِرُ المتوسطُ
والفتحةُ
في آخرنا للبابْ
حرفانِ
جفانا الفاعلُ
واتفقَ المفعولُ
مع العِلَّةِ
في حرْفٍ غابْ
يا كان
وسوف يكونُ
تصالَحْ
مع نفْسِكَ
فالأحبابْ
قد سكنوا
منكَ الحرفَ
الغائبَ
واختلقوا الأسبابْ".