نحو كتلة ضامنة

18 نوفمبر 2016
+ الخط -
ثورة ثم مسار خاطئ، تلاهما انقلاب عسكري دموي أطاح مكتسبات تلك الثورة البائسة، انقلاب بمشاركة النخب وجلّ الأحزاب السياسية وأغلب الكيانات الشبابية. ست سنوات فى حقل مفرغ، والنتيجة أسوأ من مرحلة ما قبل الثورة. نتجت عن هذا كلّه أزمة ثقة عميقة بين التيارات السياسية، وصاحبها استقطاب متجذّر، خصوصاً بين تيار الإسلام السياسي وبقية التيارات الأخرى (تطلق على نفسها تيارات ديمقراطية أو مدنية). تبادلت الكتلتان الكبيرتان مكانهما بجوار العسكر في مرحلتين مهمتين، فصلتهما الانتخابات الرئاسية فى العام 2012.
الحال في مصر الآن، من تراجع إلى انهيار، ومن مشكلةٍ إلى أزمة، ومن تشديد إلى منع، ومن تضييق إلى مطاردة، ومن اعتقال إلى قتل، فمع هذا أصبح من الواجب والمفروض على كلّ القوى والكيانات السياسية التقدّم خطواتٍ تجاه تغيير الوضع القائم وإعادة الديمقراطية المفتقدّة مسارها الطبيعي، كطوق إنقاذ للجميع وبالجميع من دون إقصاء أو استبعاد أو تخوين.
لكن، مع أزمة الثقة العميقة التي تستعصي على الجميع، والتي أعاقت كلّ محاولات التوّحد والاصطفاف والمبادرات السابقة، تكون محاولات التقريب بين شركاء الثورة (فرقاء السياسة) ضروريةً جداً، ويصبح احتياجنا لـ "كتلة ضامنة" تقوم بأدوار الوساطة والتقريب وتقديم مقاربات للخروج من الوضع الراهن، فلربّما تحدث الفارق، وتدفع الجميع إلى التحرّك، وعلى الجميع التجاوب بفاعلية، لأنّ الجميع أخطأ في حق الثورة والشعب، الكل طمع في السلطة بتوافق مع العسكر أو بمساعدتهم. ومع هذا، لا بدّ أن يلتزم الجميع بتوضيح الحقائق عمّا جرى في الخفاء والغرف المغلقة، وما شارك فيه، كلُّ بدوره، وهو ما يمهّد لبناء الثقة مجدداً.
ولأنّ القمع يطال الجميع، ففي كلّ مرحلة من بعد الثورة ظنّ الطرف المساند للعسكر أنّه في منأى عن قمعه، خصوصاً بعد الانقلاب العسكري، حينما ظنّ كثيرون أنّ الانقلاب سوف ينكّل بالإسلاميين فقط، وأنّهم في وضع مختلف عنهم (لذا اختاروا السكوت على القمع والاعتقال والقتل والمذابح) إلى أن جاء الدور عليهم في القمع، لمجرّد اعتراضهم على بعض قوانيين العسكر.
ولأنّ لا أحد يستطيع إحداث تغيير بمفرده، فتلك قاعدة أثبتتها سنوات النضال، فلا الإسلاميون (على تجذّر قواعدهم وكبر حجم كيانتهم) استطاعوا إحداث تغيير بمفردهم، ولا غيرهم من القوى السياسية (على موالاتهم السلطة سنوات عدّة) استطاعت منفردة أن تشق لها طريقاً فى ظلّ دكتاتورية الحكم.
ومحاولة للإبقاء على الحياة السياسية للمجتمع وللسياسيين أنفسهم، فحالة مصادرة المجال العام والتضييق وتكميم الأفواه التي تعيشها مصر الآن تجعل المحافظة على حياة حزبية عملية صعبة جداً، وربّما التجمّعات والمقار والكيانات لن تكون موجودة في المنظور القريب.
ولتجنّب الانهيار الكبير، أملاً في تدارك الانهيار التام لمصر في كلّ المجالات، فوضع الاحتباس الاقتصادي سيشرّد ملايين، ويحدث تغيّراً بنيوياً في المجتمع، يصعب معالجته في سنوات المستقبل القريب، فالانهيار سيقضي على الجميع.
لكن، من أين تأتي الكتلة الضامنة؟ على الرغم من أنّ كثيرين يتمترسون خلف إيديولوجياتهم، ووقفوا عند حالة العداء والقطيعة للغير، المختلف عنه، لكن لا نعدم أشخاصاً (وربّما حركات وجماعات) ينتمون لثورة 25 يناير، وعارضوا حكم المجلس العسكري، واستمرت معارضتهم السياسية حكم الإخوان المسلمين، وكانوا ضدّ الانقلاب العسكري منذ البداية، وهم القلّة الواقفة على أرضية انحيازات وطنية بدون تطلعات لمصلحة شخصية أو حزبية أو مكاسب آنية.
على الرغم من أنّ السعي إلى التقريب بين وجهات نظر الفرقاء يشبه إقناع الغول والعنقاء. لكن، لا سبيل سواه، وبالنظر إلى أنّ العمل على مبادرات أو تقارباتٍ من شأنه أن يلقي بصاحبه في غياهب المعتقلات، مصحوبًا بوابل من الاتهامات والتهم. لكن، لا نعدم مخلصين مضحين يمكنهم العمل لإحداث التقارب المنشود والمحاولة مجدّدًا لتحقيقه، ولا بدّ لتلك الكتلة من الاستعداد للعمل على إحداث توافق سياسي مصحوب بالنزاهة والحيادية في المقاربات التي تحقّق فعلاً المصلحة الوطنية وفق اتفاقات مكتوبة ومعلنة.
الطريق معروف، لكنه يحتاج مخلصين يمهّدوه ويعبّدوه، وربّما البداية تصلح لأن تكون بميثاق مبادئ وطني بين السياسيين، وميثاق شعبي متفّق عليه يخاطب الناس العاديين، ويضمن لهم حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، ويُمكن تكنوقراط (وغير حزبيين) لإدارة المرحلة المقبلة (أطول وقت ممكن) بعد إزالة النظام الظالم، ولتدلّنا الأيام على ما يجب على الجميع فعله.
54358ACB-149C-420E-84CD-5806495F0468
54358ACB-149C-420E-84CD-5806495F0468
عبد الكريم محمد (مصر)
عبد الكريم محمد (مصر)