هجرة الطائر الأزرق... مغردون سعوديون بعيدًا عن تويتر

13 يناير 2017
قرر "البجادي" الابتعاد عن تويتر في أكتوبر الماضي (تويتر)
+ الخط -

لم يتأكد سبب اختفائهم، لكن من الواضح أنهم قرروا الصمت والتواري تحت ظروف استثنائية، قالوا للناس إنها "لا تخفى عليكم"، وقال الناس إنها تأتي في نفس سياق الضغوط التي تتعرض لها شخصيات عامة مثقفة، تتحدث في السياسة والاقتصاد والفكر والمجتمع ومستقبل البلاد، لتقرر تحت تأثيرها الابتعاد عن الأضواء، وآذان الجدران أيضًا.


محمد البجادي
في 20 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي 2016، قرر الناشط الحقوقي المفرج عنه مؤخرًا محمد البجادي الابتعاد عن تويتر، الموقع الأكثر شعبية في السعودية، بعد أن قضى مدة أربع سنوات في السجن بسبب نشاطه الحقوقي ومشاركته في مظاهرات، في العاصمة الرياض، وتأسيس جمعية الحقوق السياسية والمدنية "حسم".

البجادي قال في تغريدته: "سأتوقف عن المشاركة والكتابة في جميع وسائل التواصل الاجتماعي، لأسباب لا تخفى عليكم، تقبلوا تحياتي، دمتم بسلام آمنين"، كان هذا قبل شهرين.

فور خروج البجادي من السجن، قرر العودة إلى تويتر، والكتابة من جديد في موضوعات سياسية واجتماعية، إلا أنه -وكما يبين حسابه- كان قد تحاشى الحديث حول الأوضاع القائمة في المملكة تحت التحولات الاقتصادية الحاصلة وما يصاحبها من جدل، ويظهر حسابه تغريدات عامة حول الأوضاع في العالم العربي، في مصر وسورية، إلا أن أسبابًا لم تذكر دفعته للرحيل.

البجادي ظلّ رمزًا حقوقيًا في المملكة طيلة سنوات اعتقاله، إلى جانب زملائه في الجمعية التي أغلقتها الحكومة في 2013 وصادرت ممتلكاتها، كما اعتقلت أعضاءها المؤسسين. إلى جانب تعرضه للاعتقال مرتين بسبب مطالبات سابقة، ومنعه من السفر عدة مرات.


برجس البرجس
الاقتصادي والمستشار السابق لدى شركة أرامكو برجس البرجس كان هو أيضًا أحد الذين هجروا تويتر بعد ضغوط إثر انتقادات لاذعة وجهها لرؤية المملكة 2030. كان "البرجس" قد كتب في جريدة "الوطن" مقالًا لقي صدًى كبيرًا حول بيع حصة من شركة أرامكو السعودية، والذي عبّر فيه عن هذه الخطوة بأنها تهدف إلى "الحصول على الكاش السريع وحقوق امتياز، وليس التطوير والتحول وتنويع مصادر الدخل"، وأضاف أنها "لا تراعي كثيرًا الرؤية لمستقبل الوطن"، حسب المقال.

يذكر أن المقال حذف لاحقًا من على موقع الجريدة، لكن الناس قد تداولوه على شبكات التواصل. وانتقد "البرجس" في مقال آخر له استشارات وورش عمل "التحول الوطني" والتعاقدات مع الشركات الاستشارية على رأسها "ماكينزي" بأنها تستهلك الميزانية بمليارات الريالات دون طائل، وتذهب في الرواتب والامتيازات لهؤلاء المستشارين؛ وأردف أنها تكفي لبناء 130 مدينة طبية بسعة ألف سرير.

لقيت كلمات البرجس اهتمامًا كبيرًا، على الأقل على مستوى تويتر، لكنه ما لبث إلا أن تعرض لحملات منظمة استهدفته، كما منع من الكتابة في الصحف، والظهور التلفزيوني، غاب معها عن تويتر لخمسة أشهر وعاد مع مطلع السنة الحالية 2017، دون إيضاح.


وحيد الغامدي
مؤلف وكاتب في عدة صحف محلية، وله إسهاماته الفكرية في ما يتعلق بالمجتمع وجدل التيارات الدينية، كما صدر له كتاب "حكاية التدين السعودي" والذي شهد إقبالاً عاليًا في معرض الكتاب الدولي بالرياض قبل مصادرته من السلطات.

الكاتب مهتم بتفكيك أنماط التفكير وتسليط الضوء على سلوكات التيارات الدينية، وطرح العديد من المقالات منتقدًا فيها بعض المؤسسات وطريقة عمل أفرادها، كجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصلاحيات المفتوحة التي كانت معطاة لأفراده في وقت سابق، وسلطته على المجتمع، حسب تعبير الكاتب. كما كتب حول رؤى إصلاحية على مستوى المنهج والتصحيح الديني، وناقش باستمرار تناقضات المجتمع كمشكلة للشخصية المحلية معتمدًا على طبيعة الموضوعات الحاصلة.

في أواخر يناير/ كانون الثاني 2015، اقتيد إلى السجن بعد احتجازه بسبب مذكرة رفعت ضده تحتوي تهمًا حول انتقاده "السلفية"، حسب ما أوردت صحف. وبقي هناك شهرًا أطلق سراحه بعدها. لكنه ورغم عودته إلى الكتابة بشكل طبيعي واستضافة القنوات الرسمية له، إلا أنه وبشكل مفاجئ أعلن توقفه عن الكتابة في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 قائلاً:

"سأضطر إلى التوقف تمامًا عن التغريد في مختلف الشؤون الفكرية ﻷسباب خاصة حتى حين"، وأضاف في آخر رسالة وجهها: "قضيت سنوات على هذا الموقع (تويتر) مليئة بالحلو والمر، تعلمت من خلاله الحياة أكثر مما قرأته في الكتب. هذا الموقع شاشة كاشفة للحياة والناس". ولم يبد "الغامدي" أية أسباب، فيما يظل حتى اليوم بعيدًا عن تويتر.


عبدالله المالكي
ولا يزال الباحث والكاتب عبد الله المالكي بعيدًا عن شبكات التواصل الاجتماعي منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 2016 بعدما أعلن هجرته هو الآخر عن تويتر إلى جانب البقية، أيضًا وبدون إبداء أسباب. و"المالكي" حاصل على درجة الماجستير من جامعة أم القرى، وهو شخصية باحثة، وكاتب مهتم بالمجال العام، وله مساهمات عديدة على المستوى الثقافي.

وصدر له في 2011 كتاب شهير بعنوان "سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة" لقي جدلاً واسعًا على مستوى البرامج التلفزيونية وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، كما واجه هجومًا قاسيًا من التيار المحافظ في المملكة في حينه، إلى جانب العديد من المقالات المطولة التي تناقش أوضاعًا قائمة في السعودية على مستوى ثنائية الدين والسياسة والحقوق المدنية والحريات، كان آخرها ورقة كتبها بعد صدور قرار بتنظيم عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعنوان "هل المجتمع المسلم بحاجة إلى هيئةٍ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟".


اعتزال جماعي
يذكر أن العديد من المغردين تعرضوا للمساءلة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بسبب حديثهم في الشأن العام، وبقي بعضهم رهن التحفظ عدة أيام قبل الإفراج عنهم، إلى جانب تعرّض آخرين إلى حملات منظمة من التهديد والتنمر تستهدفهم من وقت لآخر بواسطة حسابات مجهولة، تطلق ذات العبارات وتعمل بشكل تلقائي، حسب وقائع عاينوها.

ليست حادثة فردية، كما يحب البعض وصفها، لكنه اعتزال جماعي بلا أسباب معلنة، كما يؤكد الآخرون؛ تصبح الساحة معه شحيحة إلا من أولئك الذين يساهمون في تعزيز الرأي السائد الذي تختاره السلطات وتثبيت حالة الوضع القائم، أيًا كان، فهي وافرة بأولئك. أما مغردو تويتر فيشعرون أن منصتهم الاجتماعية لم تعد لهم كما بدأت، وتحولت إلى هاجس يومي ومكان مكشوف لتصفية الحسابات بين كل الأطراف.

المساهمون