هكذا تكلّم ترامب؟

هكذا تكلّم ترامب؟

09 ابريل 2017
+ الخط -
لم يكن يوم الرّابع من أبريل/ نيسان الحالي مجرّد رقم مكتوب على أوراق التقويم السّوري، بل كان موعداً لوأد الإنسانية في خان شيخون في محافظة إدلب، حين قصف جيش الأسد المدنيين بالسّلاح الكيماوي، ما أودى بحياة مئة شخص وإصابة حوالي الأربعمئة به عبر استنشاقهم غاز السّارين، كان من بين الضحايا والمصابين أطفال ونساء وشيوخ.
لم يتردّد الأسد أبداً القيام بهذه المجزرة البشعة، بل كان مرتاحاً تماماً ومطمئن البال من التصريحات الأميركية التي سبقت هذا التاريخ، والّتي كانت تصبُّ لمصلحته، من حيث إعلان البيت الأبيض إنّ الأولوية الأميركية ما عادت إزاحة الأسد عن السلطة، بل محاربة داعش في سورية، وكل إشارة أو تصريح من هذا النوع يتحوّل تلقائياً وكيميائياً في دماغ الأسد إلى ضوء أخضر للقيام بمزيد من المجازر ضد شعبه، لكنّ الرياح جرت بما لا يشتهي الأسد، فالردود الدولية الغاضبة سرعان ما توالت ولم يدّخر الثلاثي الغربي (أميركا وبريطانيا وفرنسا) جهداً لتقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة ومحاسبة نظام دمشق على هذه المجزرة، مشهدٌ أعاد إلى أذهاننا معادلات سابقة مشابهة اعتادها الشعب السوري، مجزرة فتصعيد فجلسة ثم فيتو روسي، وبعدها تبدأ الحكاية من جديد.
غير أنّ كلام المندوبة الأميركية، نيكي هيلي، في جلسة مجلس الأمن كان شديد اللهجة وأكثر ثقة بالنّفس، بل وأكثر صرامةً من الموقف الأميركي في عهد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، حين أكّدت أنّ عدم تحرّك المجتمع الدّولي يمكن أن يؤدي إلى قيام الولايات المتحدة بعمل منفرد للرد على مجزرة الكيماوي. وبالفعل، حصل الجزء المعتاد من المعادلة، فقد رفضت روسيا طرح المشروع على التصويت، مهدّدة بحق النقض (الفيتو)، وحاولت تقديم مشروع قرار معدّل رفضته الدول الغربية، وبعد ذلك بقليل خرج "المارد من القمقم"، فالرئيس الأميريكي، دونالد ترامب، خرج ليقول للعالم إنّ استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي قد غيّر رأيه من هذا النظام، ومن المسألة السورية بشكل عام، وطلب من وزارة الدفاع (البنتاغون) تقديم الخيارات المناسبة للرّد المناسب على حكومة دمشق.
ومن دون سابق إنذار، وبينما كان مجلس الأمن على وشك مناقشة قرار آخر بخصوص الكيماوي السوري، وحتى من دون إفساح المجال للمحلّلين والخبراء العسكريين بالتكهن بما ستفعله الولايات المتحدة، طغى صوت "التوماهوك" فوق كلّ الأصوات المشككة في حدوث مثل ضربةٍ كهذه، لتمطر الولايات المتحدة مطار الشعيرات في حمص بحوالي التسعة والخمسين صاروخاً من نوع توماهوك وكروز، وبين ليلة وضحاها اختفى المطار الذي انطلقت منه طائرات الكيماوي التي قصفت خان شيخون، وتمّ تدمير عشرين طائرة تابعة لنظام الأسد بحسب البنتاغون، ليقف الأسد ونظامه وقبله روسيا وبعده إيران، مذهولين مندهشين، فالضوء الأخضر الذي أرسله ترامب للأسد في تصريحاته قبل هذا التاريخ تغيّر لونه إلى الأحمر أو أنّ بشار نفسه قد أصابه عمى الألوان فما عاد يميّزها.
لن نقوم هنا بتضخيم الضربة الأميركية، ولكننا بصدد تحليل رسالات الضربة العسكرية ومآلاتها، فالرسالة كانت قوية والمرسل إليهم كانوا كثيرين، فهي رسالة عسكرية لروسيا التي أصابت التوماهوك منظومة دفاعاتها الـ إس 400 بالخرس، وأيضاً لإيران التي طالما صرّح ترامب أنّه سيعمل على وقف تمدّدها في سورية، أمّا نظام الأسد فالرسالة العسكرية وصلت إليه بشكل جيد جداً. أمّا الرسالة السياسية فقد كانت الأقوى، تحت عنوان "ترامب ليس أوباما"، والحسابات الأميركية باتت أقرب إلى الشعب السوري منه للنظام. وهُنا يسأل المراقبون للشأن السوري سؤالاً مُحيّراً، مفاده: ماذا بعد؟ أو بصياغة أكثر وضوحاً هل من مزيد؟ هل من مزيد في جعبة ترامب، أم أنّ هذه الضربة المحدودة كانت فقط لإعطاء الزخم في محادثات جنيف القادمة، وإضفاء صبغة "الجدّية" عليها؟
مهما كانت الرسائل ونتائجها، يمكن القول إنّ الولايات المتحدة أصبحت حاضرة بقوة في سورية، وإنّ روسيا عادت إلى حجمها الطبيعي في الصفّ الثاني، بل يمكن أن تكون الضربة فعلاً بداية إنعطافة أميركية ستحاول فيما يبدو تشكيل تحالف دولي بشأن سورية، قد يؤدي لإطاحة الأسد، وإن لم يكن هذا الأمر في المستوى المنظور، غير أنّه على الأقل أصبح مطروحاً، وأميركا بقيادة ترامب لن تقف عند هذا الحد، خصوصا أنّنا لاحظنا دعماً شعبياً داخلياً لقرار ترامب، طغى على كل الضغوط التي كان يعاني منها ترامب، إثر قراره المتعلّق بالهجرة من بعض البلدان الإسلامية، وقد رافق هذا الدعم والزخم الداخلي دعم دولي غربي عربي لهذه الخطوة، ما جعل من ترامب الرّجل الأوّل في العالم.
EF66A84C-567A-4A9A-8CF8-443470F5D5A1
EF66A84C-567A-4A9A-8CF8-443470F5D5A1
عماد فوزي اسماعيل (سورية)
عماد فوزي اسماعيل (سورية)