أن تكون عربياً في إسكندنافيا
هناك نمط في التصميم المعماري يسمّى بالنمط الإسكندنافي والذي يركز على البساطة في التصميم مع التركيز على الوظائف الرئيسية للبناء، وهذا النمط لا ينطبق فقط على التصميم المعماري وإنما هو نمط حياة شمال أوروبي أو إسكندنافي كامل، وهي طريقة تفكير في جوهرها فرضت تأثيرها على مختلف جوانب الحياة، ومنها العمارة والتصميم.
تتسم هذه الطريقة بالتفكير بالبساطة المطلقة القائمة على تحقيق الوظيفة المرجوة بأبسط طريقة مع الابتعاد عن التكلّف في التفاصيل، لذلك ربما تساءلت يوماً عن السبب وراء تشابه الأبنية في الشارع نفسه والحي نفسه وكذلك المدينة بأكملها، وأيضاً ربما لفتت نظرك بساطة الأزياء التي يرتديها السكان وخلوها من التفاصيل والزركشات والاعتماد على درجات ألوان باهتة أكثر من الألوان التي اعتدنا نحن العرب على استخدامها.
من الطبيعي مع كل هذا التنوّع أن يزداد التركيز على التفاصيل، في محاولة لفهم مختلف الأفكار والثقافات من جهة، وللحفاظ على الهوية الشخصية من جهة أخرى
إذا أردنا الغوص في السمات النفسية والاجتماعية لنمط الحياة الإسكندنافي نجد أن السر في بساطة هذه الأفكار نابع عن عقلية بسيطة ومباشرة بالتفكير، تُعنى بالنتيجة النهائية لا بتفاصيل الطريق وتركز على تحقيق الوظيفة المرجوة من أي شكل من أشكال التفاعل، سواء كان ذلك من خلال التصميم أو العلاقات أو النظرة للأمور المختلفة في الحياة، كالمشاكل والعلاقات الاجتماعية والوظيفة والحياة والموت.
لذلك تجد العلاقات الأسرية محدودة وعلاقة الابن بالأهل مرتبطة باحتياجات عمرية، وتقلّ صلة العلاقة كلما كبر الابن وقلت الاحتياجات.. من ناحية أخرى تتسم العلاقات الاجتماعية بالمحدودية والمباشرة، فلا مجال للمجاملات ولا وقت للمقدمات، وهناك الكثير من الجوانب الأخرى التي يطول الحديث في سردها.
على النقيض من كل ذلك يتسم نمط التفكير العربي أو - العقلية الشرق أوسطية - بالاهتمام بالتفاصيل، فتجد أن الغوص في عقلية شخص شرق أوسطي أعقد من الغوص في عقلية شخص إسكندنافي أو ربما غير إسكندنافي حتى، ولم يأت ذلك من فراغ، فقد لعب الشرق الأوسط منذ ولادة الحضارة في بلاد ما بين النهرين وحتى الوقت الحالي دور جسر عبور وحلقة وصل بين مختلف الثقافات والأفكار والمعتقدات.
فمن الطبيعي مع كل هذا التنوّع أن يزداد التركيز على التفاصيل، في محاولة لفهم مختلف الأفكار والثقافات من جهة، وللحفاظ على الهوية الشخصية من جهة أخرى.
المعاملة مع شخص شرق أوسطي تعني - في بعض الأوقات - أن عليك التعامل مع عقلية تاجر دمشقي أو حلبي في سوق عربي قديم، جلّ عمله هو إقناع زبون مغربي بشراء بهارات من الهند.
تتسم العلاقات الاجتماعية بالتعقيد ويلعب المجتمع والأسرة دوراً أكبر في حياة الفرد، ومن ناحية الفن يعشق العربي التفاصيل وتزداد قيمة العمل الفني بالنسبة له بمقدار دقة التفاصيل التي يحملها هذا العمل الفني.