السعودية... الطرف الخاسر من التطبيع

السعودية... الطرف الخاسر من التطبيع

29 سبتمبر 2023
+ الخط -

لم يعد يخفى على أيّ من متابعي المشهد السياسي العربي والإقليمي، أنّ المملكة العربية السعودية ودولة الاحتلال "الإسرائيلي"، باتتا قاب قوسين أو أدنى، من إبرام اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما، برعاية الولايات المتحدة الأميركية.

وبعيداً عن المبرّرات التي ساقتها السعودية، والتي جاء الكثير منها على لسان ولي العهد الأمير، محمد بن سلمان، وتحديداً في الظهور الإعلامي الأول له منذ عام 2019، عبر قناة فوكس نيوز الأميركية، للإقدام على مثل هذه الخطوة التي كانت محرّمة سعودياً سابقاً، فإنّ ولوج المملكة في "وحل" التطبيع، لا شك سيكون له انعكاسات سلبية على صعيد القضية الفلسطينية.

من البديهيات أنّ الهدف الرئيسي الذي تسعى إلى تحقيقه كل من واشنطن ودولة الاحتلال عبر التوّصل إلى تطبيع العلاقات بين الأخيرة والرياض، يتمثل في دمج "إسرائيل" بالمنطقة العربية، ما سيؤدّي إلى إلغاء الحقوق الوطنية الفلسطينية، أي تصفية قضية فلسطين بشكل كامل.

وإذا ما أردنا قياس اتفاقية التطبيع على ميزان الربح والخسارة، فلا شك أنّ الرياض هي الطرف الخاسر، على الرغم من كلّ الوعود التي ساقتها واشنطن لأصحاب القرار في الرياض، وقدمتها قرباناً لجلب السعودية إلى مستنقع "التطبيع"، بدءاً من السماح بتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية إلى بيع الرياض أسلحة متقدّمة، وتوقيع وثيقة دفاع مشتركة.

إنّ ولوج المملكة في وحل التطبيع مع الكيان الصهيوني، لا شك سيكون له انعكاسات سلبية على صعيد القضية الفلسطينية

إنّ إسرائيل التي نعرفها لن تسمح لأيّة دولة عربية بالتفوّق في مجالات التسلّح، وتحديداً على صعيد الملف النووي وحيازة السلاح الأحدث عالمياً، ولن تقدّم أيّة تنازلات عن مخطّطاتها الرامية للسيطرة على الضفة الغربية ومدينة القدس، وذلك عبر المحاولات المستمرة لبسط السيادة "اليهودية" على المسجد الأقصى. 

كما أنّه من المتوّقع، إن لم يكن من البديهي، أنّه لن تنجح أيّة اشتراطات "سعودية" تتعلّق بـ"تحسين" الوضع الفلسطيني كما قال بن سلمان، في ظلّ وجود حكومة يمينية فاشية، كما لم تنجح واشنطن حتى اللحظة بالضغط على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لاتخاذ قرارات تنعكس إيجاباً على المسألة الفلسطينية، ما يعني أنّ التطبيع في حال حدوثه، وأظنه بات في مراحله الأخيرة، سيؤدي إلى خسارة السعودية صدارتها، عربياً وإسلامياً.

هنا، يبقى الرابح الحقيقي سياسياً من وراء هذا التطبيع، إسرائيل التي يتحقّق حلمها الأكبر في التطبيع مع دولة هي الأكبر عربياً وإسلامياً، على اعتبار أنّ ذلك مدخل لحصولها على اعترافٍ كامل من بقية الدول العربية والإسلامية غير المطبّعة، والتي لا تزال لا تعترف بدولة الاحتلال على الأقل رسمياً، حتى أنّ عدداً من المفكرين الإسرائيليين يعتبرون أنّ التطبيع مع السعودية هو بمثابة "تطبيع مع الإسلام".

التطبيع السعودي الإسرائيلي في حال حدوثه، سيؤدي إلى خسارة السعودية صدارتها، عربياً وإسلامياً

إضافةً إلى أنّ التوّصل لتطبيع العلاقات بين الطرفين هو بمثابة إزاحة للقضية الفلسطينية، باعتبارها العقبة الأكبر في طريق من يرغب بالولوج في وحل "التطبيع" من الدول، على اعتبار أنّ الشعب الفلسطيني لم يعد حاجزاً أو عقبة أمام التوّصل إلى اتفاق سلام مع دولة الاحتلال.

أما على الصعيد العسكري والأمني، فإسرائيل عبر التطبيع مع الرياض ستحقّق ما سعت إليه سابقاً، وتحديداً منذ عام 2017، إلى تشكيل تحالف عسكري مع دول الخليج ومصر، تشارك فيه واشنطن لمواجهة النفوذ والخطر الإيراني في المنطقة  ضد إيران تحت المظلة الأميركية، وبمشاركة خليجية، وربما مصرية أيضاً.

وفيما يتعلّق بالمكاسب الاقتصادية، فإنّ إسرائيل، هي أيضاً صاحبة الحظ الأكبر، ففي حال جرى تنفيذ مشروع طريق التجارة البديل للحزام والطريق الصيني، فحجم المشاريع المشتركة التي يمكن أن تقوم بها إسرائيل مع دول المنطقة، خاصة دول الخليج، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الموقع الجغرافي لفلسطين يجعل من دولة الاحتلال محطة رئيسية فيه، سينعكس بشكل أو بآخر، إيجاباً على الاقتصاد الإسرائيلي.

تجدر الإشارة إلى أنّ ما جاء في حديثنا أعلاه، يتعلق بالإعلان الرسمي عن تطبيع العلاقات وتبادل السفارات وغيرها من متعلّقات الاعتراف الثنائي بين الرياض وتل أبيب، ومع ذلك لا يمكن إغفال التعاون الوثيق بين النظام السعودي وحكومة بنيامين نتنياهو في العديد من المجالات، ولذلك شواهد كثيرة لا يتسع المجال لاستعراضها.

910F31E6-315D-4A44-9347-C47D91F322FF
910F31E6-315D-4A44-9347-C47D91F322FF
أحمد اللبابيدي
كاتب فلسطيني.
أحمد اللبابيدي

مدونات أخرى