المثالي والبربري... فجوة الحق والباطل

13 أكتوبر 2023
+ الخط -

منذ ساعتين، وأنا أحاول أن أكتب مقالًا موضوعيًا يميلُ إلى العقل والمنطق في حق الفلسطيني في الدفاع عن نفسه، وفي حقه في ألا يُساء فهم قضيته عمدًا من قبل المجتمع الدولي بما في ذلك الدول العربية. كنتُ أحاولُ أن أكتب بعقلي لا بعاطفتي، لكن لا مفرّ، فالإنسانُ لا تنسلخُ عاطفته عمّا يدور حولها.

المهم، منطقيًا، لا يمكن القول إنّ المقاومة الفلسطينية شنّت هجومًا بريًا وجويًا في السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل على أراضيها في غلاف غزة، أو حتى على المستوطنات في غلاف غزة، أو على إسرائيل في غلاف غزة. ويعود السبب في هذا، إلى أنّ الأمر لم يبدأ من هنا؛ ولم تكن البداية هي السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل، بل   الأمر هو ردّة فعل طبيعية على احتلالٍ صهيوني إحلالي؛ لا يرتاح له بال إلّا إذا حلّ محلّ السكان الأصليين، ديمغرافيًا وجغرافيًا وقضيّةً، يقوم بفرض الحصار والخناق على قطاع غزة، ويتسلّل إلى المقدّسات الفلسطينية ويدنّس فيها ما يستطيع أن يدنّس، بدايةً بالمعالم الدينية وصولًا إلى رؤوس المرابطين والمرابطات، كما أنّه يضع حواجز على كامل طرقات الضفة، ويقتل من خلالها من لا يراه على مزاجه الشخصي.

إنّ المجتمع الدولي، الأميركي والأوروبي تحديدًا، لا ينخدع في صورة الفلسطيني المشوّهة التي نمطها الصهيوني، إنّما يراها كما هي تمامًا، ضحيةً وصاحبة حق وأرض؛ والغالبية العظمى من الحكّام والمتنفّذين يرون الصورة الحقيقية للفلسطيني، ولكنهم يتجاهلونها، ويعتبرون أنّ روايتها مع الجانب الصهيوني المتمثلة بالتهجير القسري، والقتل، والإبادة الجماعية "تفاصيل صغيرة"، لا ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد والاعتبارات السياسية والتحالفية؛ ولكنهم، يأخذون بالرواية الصهيونية لصورة الفلسطيني المتمثلة بأنه بربري، ووحشي، وإرهابي، ودموي وداعشي، إذا أرادوا المصادقة على قرارات إسرائيل، ودعمها في قتل هذا الفلسطيني فرديًا وجماعيًا، وقصف منزله فوق رأسه وتسويتهما بالتراب. هنا يلجأ المجتمع الدولي إلى وضع مبرّرات لا يقبلها أيّ عاقل، أي أنّ هذا الأمر هو قائم على أساس نحر الإرهاب وإخماد ناره. 

العدالة الأرضية بما فيها محكمة العدل الدولية، والأمم المتحدة، ليست إلا صيغةً مزيفة، وخديعةً فادحة، تطبّق القوانين التي تريدها على الضعيف، وتلائم قوانينها وتتجاهلها عند حدود القوي

اليوم، في الثالث عشر من أكتوبر/ تشرين الأول، إسرائيل تبيد غزة إبادةً جماعية، وتسعى إلى محوها عن الخريطة؛ تحت ذريعة المبرّرات السخيفة إياها، أي القضاء على الإرهاب، والحكم البربري والوحشي. وتقوم الولايات المتحدة الأميركية، كدولة عظمى، بدعمها شكلًا ومضمونًا؛ وبهذا تجد إسرائيل شرعيتها الدولية فيما تفعل، كما وأنّها تجد بجانبها حارسًا شخصيًا مدرّعًا بالبراميل المتفجرة والطائرات والأساطيل الحربية، تهدّد من خلاله كلّ الأطراف المجاورة، وتضمن عدم تدخلها، رغم أنّها تعلم أنّ الأطراف المجاورة بعضها مخدّر بالاقتصاديات والخوف، وبعضها الآخر لا يشعر بأنّ له صلةً في هذا الأمر.

في نهاية المطاف، وبناءً على هذا، يمكن القول، إنّ المواثيق الدولية والتشريعات التي تنصّ على أنّ هناك قانونا تلتزم فيه الدول، يحفظ حق الشعوب في تقرير مصيرها، كذلك حقها في العيش دون أن تفيق على صوت الصواريخ والقنابل، هو ليس إلا قانونًا/ حبرًا وحكرًا على الورق، وأنّ العدالة الأرضية بما فيها محكمة العدل الدولية، والأمم المتحدة، ليست إلا صيغةً مزيفة، وخديعةً فادحة، تطبّق القوانين التي تريدها على الضعيف، وتلائم قوانينها وتتجاهلها عند حدود القوي. 

هذه الصورة المثالية عن المجتمعات الأوروبية والأميركية لا يمكن أن تظلّ مثالية، فهي ليست كذلك تمامًا، إنّما هي خدعةٌ بصرية، تنخدع فيها الشعوب الأقل حظًا. ربّما تكون مبنيةً على أساسٍ علميّ وتقني لا يُستهان به، ولكن فيما يخصّ الأسس الأخلاقية والقانونية والمنطقية لا علاقة لها بها، لا من قريبٍ أو بعيد؛ فهي عنصرية وغير منطقية وغير أخلاقية إلى أبعد الحدود الممكنة.   

الريماوي
محمد الريماوي
كاتب ومدوّن. خريج جامعة بير زيت. له اهتمامات في اللغة العربية والكتابة الإبداعية والشعر وكتابة الأبحاث والمقالات، ويقدّم محتوى مرئيًا ومسموعًا على منصات التواصل الاجتماعي.