رحيل ريتشارد سوماريز سميث: أنثروبولوجيا البنجاب وبلاد الشام

20 يناير 2023
ريتشارد سوماريز سميث خلال محاضرة بـ"الجامعة الأميركية في بيروت"، 2016
+ الخط -

إذا كان اسمُ الأكاديمي والباحث ريتشارد سوماريز سميث شبه مجهول في الفضاء الثقافي العمومي، عربياً، فإن الأمر مختلفٌ تماماً في المجال الذي عمل به، أي الأنثروبولوجيا، حيث يُعَدّ من أبرز من اشتغلوا ضمن هذا الحقل انطلاقاً من بلاد الشام خلال العقود الثلاثة الماضية.

عن ثمانية وسبعين عاماً، رحل ريتشارد سوماريز سميث، أوّل من أمس الأربعاء، في مدينة صور، جنوب لبنان، البلد الذي قضى فيه العقود الثلاثة الأخيرة من حياته، منذ انضمامه عام 1993 إلى هيئة التدريس في "الجامعة الأميركية ببيروت".

وُلد سميث عام 1945 في منطقة دارجيلينغ، شمال غرب الهند، وحصل على إجازة في الرياضيات، في النصف الأوّل من الستّينيات، من "جامعة كامبريدج" البريطانية، حيث أُتيح له حضور عددٍ من دروس الأنثروبولوجيا، وهو ما حمّسه لزيادة معرفته بـ العلوم الإنسانية عبر تحضير درجة الماجستير في علم الاجتماع بـ"مدرسة دلهي للاقتصاد" في نيودلهي الهندية.

سيتمحور القسم الأوّل من تجربة الراحل حول الهند، وتحديداً منطقة البنجاب الواقعة شمال البلاد والممتدّة حتى باكستان، والتي كتب حولها أطروحته لنيل درجة الدكتوراه من "كامبريدح"، والتي ستُنشَر عام 1996 تحت عنوان "الحُكم من خلال السجلّات: تسجيل الأراضي والتقاليد القروية في بدايات البنجاب البريطانية".

وإذا كان اهتمام سميث قد انصبّ، في السنوات التي سبقت نشر أطروحته، على منطقة جديدة، هي بلاد الشام، فإن ما وصل إليه من نتائج خلال بحثه حول سياسات الاستعمار البريطاني في الهند سسساعده كمدخل لفهم عددٍ من مفاهيم الإدارة والتحديث في الدولة العثمانية، وهو ما سيُتوَّج بكتابه، المشترك مع مارثا مندي، الذي حمل عنوان "حُكم المُلكية وصناعة الدولة الحديثة: القانون والإدارة والإنتاج في سورية العثمانية" (2007).

وانطلاقاً من أسئلةٍ حول ما إذا كانت الحداثة في سورية الكبرى خلال الحُكم العثماني "مستوردةً" من الغرب أو إذا كانت منتجاً محلّياً، يقدّم الباحثان قراءةً تاريخية ـ اجتماعية ـ قانونية للمنطقة من باب مُلكية العقارات والأراضي، قائلَين بأن الدولة العثمانية طوّرت عمليةَ تحديث خاصّة بها تتوّجت، في نهايات القرن التاسع عشر، بإصدار عديدٍ من التشريعات التي أثّرت إلى نحو بعيد في مجتمعات المنطقة، وتضمّنت ظواهر جديدة مثل تشريع إمكانية تملُّك النساء للأراضي.

إلى جانب كتابيه الرئيسيين هذين، وضع الراحل العديد من المقالات العلمية التي تركّزت بشكل أساسي حول منطقة البنجاب وحول الأردن، كما ساهم في تكوين وتخريج عشرات الطلّاب والباحثين الشباب في العلوم الاجتماعية، من خلال تدريسه وعمله مسؤولاً في قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا ودراسات الإعلام في "الجامعة الأميركية ببيروت" لنحو ثلاثة وعشرين عاماً (1993 ـ 2016).

المساهمون