"كواليس" غزو العراق.. عشرون عاماً على الجريمة الأميركية

"كواليس" غزو العراق.. عشرون عاماً على الجريمة الأميركية

06 يوليو 2023
فتى يتأمل سيارة دمّرها جيش الاحتلال الأميركي، سامراء، 1 كانون الأول/ ديسمبر 2003 (Getty)
+ الخط -

قبل عشرين عاماً من اليوم، شهد العالمُ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، الذي انضاف إلى قائمة حروب الإمبراطورية التوسّعية، والتي بدَت عند مطلع الألفيّة الثالثة، أنها قد حسمت معارك القرن العشرين الكُبرى (الحرب الباردة)، وتفرّغَت لإنهاء باقي ما "يتهدَّدها" حول العالَم، وإنْ كان ذلك "التهديد"، في حقيقة أمره، مُختلقَاً. وهذا ما تبيّن لاحقاً، وباعترافٍ من دبّر ورعى قرار الحرب.

"كواليس" هو برنامج وثائقي يبثُّه "التلفزيون العربي"، و"يبحث من خلال الوثائق والشهادات في كواليس التاريخ السياسي، ويُعيد بناء صورة الأحداث والمحطّات التاريخية، بعد أن بقي جزءٌ من تفاصيلها غائباً أو مُبهماً حتى يومنا هذا". وفي ذكرى مرور عشرين عاماً على الغزو والاحتلال، عرض البرنامج حلقةً بُثَّت مؤخّراً بعنوان: "صدام حسين، سقوط حتمي: كيف انهار الجيش العراقي أمام الغزو الأميركي؟"، تناول فيها تفاصيل هذه الحرب التي استهدفت بلداً وشعباً عربيَّين، مُتتبّعاً المسارات التي صِيْغ فيها قرارُ الحرب - سياسياً أوّلاً - في غُرف إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، ومن ثمّ عرَض المُجريات العسكرية، التي انتهت بمأساة إنسانية غير مسبوقة، بعد سنوات من الحصار والتجويع من أجل "جَلْبِ الديمقراطية".

يعود الوثائقي إلى نقطة يُمكنُ اعتبارُها الأولى في مُمهّدات الغزو، وهي عملية "عاصفة الصحراء" 27 فبراير/ شباط عام 1991، والتي تعدُّ المواجهة الأولى بين الطرفين، وأُعلن فيها عن خروج الجيش العراقي من الكويت، بعد مقتل أكثر من 20 ألفاً من الجنود بين صفوفه. إلّا أنّ الرئيس العراقي صدام حسين لم يرَ في تلك الحرب الخاسرة مؤشراً كافياً على أنّ الخطر الخارجي كفيلٌ بتهديد نظامه، حسب ما يعرض الشريط، فالتفتَ إلى معالجة أخطار داخلية، وهو ربّما ما دفع ثمنه الجيش العراقي الذي عانى على مستوى التسليح والإعداد والتدريب. بعد ذلك، بدأت سنوات العقوبات الاقتصادية، والتي استمرّت حتى عام 1999، وفيها استُنزِف البلدُ بأكمله، تحت وقْعِ لجان لمراقبة وتدمير أسلحة الدمار الشامل، بهدف تقويض نظام صدام حسين.

يرسم سياق غزو العراق، انطلاقاً من عملية "عاصفة الصحراء"

في الوقت الذي بدأ أعتى رموز المحافظين الجُدد وأكثرهم إجراماً، مثل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، يدفعون باتجاه أخذ خطوة متقدّمة صوب حسم الأمور عسكرياً، بعد أن "انتهوا" من نظام طالبان في أفغانستان. رامسفيلد نفسه كان نبّه أيضاً، في وثيقة أرسلها إلى كوندوليزا رايس في 27 تموز/ يوليو 2001، أنّ إيران تتحيّن الفُرص لتملأ الفراغ لو سقط العراق على يد أميركا.

يَضَع البرنامج المُشاهِد أمام آلية عَرْض مُتتابعة، فبعد التمهيد بخلفية من الأحداث السياسية تتجاوز العشر سنوات، ننتقل إلى اللحظة الأكثر مصيرية في تاريخ البلد العربي. فقبل شهرين من إعلان الحرب، لم يُصدّق الرئيس العراقي على الخُطط المُعدّة، وفي المقابل وضع أمام قادة الجيش خُططاً بديلة للدفاع عن المُدن العراقية وبغداد، حيث كلّف وفقها الحرس الجمهوري بالانتشار حول المدينة في أربع دوائر دفاعية، تفصل بين كلٍّ منها 10 كيلومترات، وتمنح مساحة للتراجُع إلى الداخل تحت وَقْع الهجوم المُحتمل، وعند الدائرة الأخيرة يكون قتالٌ حتى الموت. 

وافترض صدام أنّ قوات التحالُف ستفشل في الوصول إلى بغداد مع مرور الوقت، وكان ظنّه الغالب أنّ الأمور ستسير على نهج "عاصفة الصحراء": هجوم جوي مكثّف يتمكّن خلاله النظام العراقي من حشد رأيٍ عام دُولي قادر على إيقاف الحرب. يوم 19 آذار/ مارس 2003، غادر آخر مفتّشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة الأراضي العراقية، وفي فجر اليوم التالي بدأت الحرب بضربات جوّية مكثّفة، وتصاعدت ألسنةُ النار في سماء العراق، وذُهل العالَم من حجم الضربة العسكرية.

وعت أميركا أن إيران تتحيّن الفُرص لتملأ الفراغ بعد الغزو 

وفي 21 آذار/ مارس، وعند الساعة التاسعة مساءً بتوقيت غرينيتش، عبرت القوات البرّية الحدود بين الكويت والعراق لبدء الغزو البرّي. المعركة الأولى كانت ميناء أم قصر، والذي هاجمه من البحر لواء بريطاني يعزّزه مشاة البحرية الأميركية، ممّا أدى إلى سقوط الدفاعات العراقية، والتي يُمكن إرجاعُها إلى جملة من الأخطاء أيضاً، منها أنّ الجيش العراقي لم يقم بتركيز الاهتمام على الجبهة الجنوبية حتى مطلع آذار/ مارس، عندما رفضت تركيا السماح لقوّات التحالف بالمرور من أراضيها.

في الثالث من نيسان/ إبريل 2003، بدأت قوات التحالف عبور نهر الفرات صوب العاصمة، ووجدت قوات الحرس الجمهوري نفسها وجهاً لوجه مع القوات الأميركية، مُفتقرة إلى القوّة البشرية والسلاح والروح القتالية، الأمر الذي مهّد للوصول إلى آخر المعارك، "معركة المطار"، في الثالث من نيسان/ إبريل، وبعدها إعلان سقوط العاصمة في التاسع منه.
بعد نهاية الحرب، جهدت الولايات المتحدة لتأكيد مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وهو الأمر الذي ثبُت بطلانُه لاحقاً. وفي هذا السياق، يلفت صُنّاع الشريط إلى وثائق بريطانية أُفرِج عنها مؤخّراً أشارت إلى عِلم كلّ من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، والرئيس الأميركي جورج بوش، بعدم قدرة العراق على امتلاك أو تطوير أسلحة دمار شامل، قبل عامين من الغزو.

المساهمون