لا تُستردّ فلسطين إلّا بمثل ما حدث اليوم

08 أكتوبر 2023
من دبابات الاحتلال المحترقة التي دمرها مقاومو غزّة اليوم
+ الخط -

ممّا لا شك فيه بأن هذا التاريخ الكبير الذي يمتدّ لأكثر من أربعة آلاف عام من ردّ الغُزاة عن أرضنا، لا بد له أن يُكتب ويُصاغ من جديد بين حين وآخر، وها هي المقاومة الفلسطينية تسجّل نصرًا جديدًا مُذهلًا على الاحتلال في عمليات من المحتمل أن تستمرّ لأيام.

وبالطبع أعلنت قوات الاحتلال هلعها المعتاد، وأن "إسرائيل" الآن تخوض حربًا غير متوقّعة، حرب دامية تهدّد أمنها واستقرارها، وطبعًا لا بد من الدعاية الإسرائيلية البالية التي تنص على أن المقاومة الفلسطينية، هي مجرّد إرهاب، فـ"إسرائيل" متخصّصة في صياغة وترويج هذه التعريفات المشحونة بالكذب الاستعماري والكراهية.

اعتادت "إسرائيل" تلفيق الأخبار والسرديات الكاذبة وتصديرها نحو العالم على مدار عقود، والآن ها هي تصدَّر هلعها وخوفها من الهجوم "الإرهابي" كما تقول، حيث تقوم بنشر جميع الأخبار في العالم ومجددًا تلعب دور الضحية والذي بات مُملًّا وسخفيًا، لا سيما حديث قبيح الذكر نتن-ياهو في الإعلام، حيث تصدرت العناوين اليوم مواقع الصحف الألمانية، بتكاتف وتعاطف ألماني هائل وأخرق مع  الاحتلال. شعارات تالفة وكاذبة مثل: "إسرائيل تحت القصف"، "هجوم فلسطيني إرهابي"، "إسرائيل في معركة حرب ضد الإرهاب"، "صفارات إنذار في تل أبيب".

ها هي الشمس تأكل لحمنا، لكنّنا لا نزال هنا نقاوم بالأدب والبنادق

وعلى الرغم من انتهاك قوات الاحتلال لبيوتنا ومزراعنا وبيّاراتنا وطردنا من أرضنا وطرد فلاحيننا من أرضهم الأم - الذي لا يهمّ العالَم بشيء - وهدم كلّ ما يُثير فينا حسّ المقاومة على مدار 75 عامًا من التهجير القسري وسفك الدماء ومُحاصرة غزة، ومحو آثار وتاريخ الهوية الفلسطينية واستهداف الجيل الجديد في فلسطين المحتلّة عام 1948، وسلب أرضنا (الشيء الذي دونه لا يستطيع أي كائن بشري تحقيق فكرة العيش)، ومطاردة نضالنا الوطني. على الرغم من كل هذه المحاولات التي يراها النظام الاستعماري الصهيوني "ناجحة"؛ إلّا أنها في الواقع لم تنجح في طمس الحس الوطني والقومي، فهذا الدم البريء الذي أهدرته الجرائم الاستعمارية، لا يُستردّ إلا بمثل ما حدث اليوم.

والمقاومة الفلسطينية التي قالوا إنها اخترقت الجدار وأزالت "السياج الفاصل"، هي في الحقيقة لم تزل سياجًا فاصلًا لا تملكه، ولم تستول على أرضٍ لا تملكها، بل هي تستعيد أرضها وتاريخيها المسروق، هي تعود نحو موطنها الأصلي، نحو ديارها، نحو التراب الذي لها. نحو تلك الأرض المسلوبة قسرًا، نحو الحلم الأبدي بالعودة، نحو ذلك الجيل الذي لا تزال رغبته بالصلاة في باحات الأقصى وكنسية القيامة رغبة يومية مُلحّة. نحو صراعها الأبدي والأهم، فلسطين.

لا يُمكن لهذا "الصراع" أن يُحلّ بمزيد من "المفاوضات"، انتهى زمن كذبة حلّ الدولتين، لا بدّ لحثّ هذا الحِراك من جديد على جميع الأصعدة، فلا تحرير دون تكاتف النضال في كلّ مكان في فلسطين، ومشروع ثقافي وقيادة تقود المشروع الفلسطيني. لكن لا تحرير دون وجود أولئك الشجعان الذين لا يهابون الدبابات، الذين يحاربون بأبسط الأسلحة، بالحجارة عندما لا يتوفر غيرها، أولئك الشجعان الذين لا ننساهم شهداء وجرحى وأسرى وأبطالاً. أما أولئك الذي قد استسلموا للصهيونية أو الذين طبّعوا ويريدون أن يطبّعوا مع الاستعمار، أولئك الذين لا يكفون عن الثرثرة، والذين يتلطون وراء "الحل السلمي" و"حل الدولتين" للتآمر على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية كافةً، فهم يديمون خرافة مسومة، هم لو يعرفون سيكونون أول ضحاياها.

الصهاينة لا يمتّون لفلسطين القديمة أو الحديثة بأي صلة، فهم لا يشبهون هذه الشوارع، ولا يعرفون تاريخ هذه الطرقات، لم يتمرّغوا في وجدانية هذه الأرض، هم فقط دخلاء، وكل ما جلبوه معهم دخيل ومفبرك. هم الناهبون والسارقون، الذين نهبوا بيوتنا وأشجارنا، وهم الذين فرّقونا عن أبناء شعبنا في غزة والضفة والداخل المحتل،و هم المسؤولون عن تشتّتنا الجغرافي والروحي على حد سواء.

لكن ها هي الشمس تأكل لحمنا إذن، لكننا هنا، لا نزال هنا نقاوم، نصارع بالأفكار، بالأدب والبنادق، ها هي الشمس تأكل لحمنا إذن، فنحن المهجّرون، المطرودون من هذه الأرض والشمس تأكل لحمنا لكننا لا ننسى، فنحن الذين قاومنا، والذين لا نزال نقاوم من جميع بقاع الأرض، من القدس ونابلس وغزة، ومن حيفا ويافا، وألف لعنة على ضباع الصهيونية الفاجرة، لكن هذا سيزول، لا بد له أن يزول، فنحن الذين قاومنا هنا عقوداً طويلة في العراء تحت الشمس لم نستسلم، لأن كل هذا سيزول. ألف لعنة على هذه الضباع الفاجرة، كل هذا سيزول، وهذه الكلمات التي كتبناها من الدم، هناك تحت الشمس لن تموت، لكن ضباع الصهيونية الفاجرة ستموت، وهذه الحكاية الطويلة والتي اسمها فلسطين لن تموت. 


* كاتب فلسطيني من مواليد حيفا المحتلّة عام 1999، صدرت باكورته الروائية "الأشجار الأولى" مطلع هذا العام، عن منشورات "نوفل - هاشيت أنطوان" في بيروت.

 
المساهمون