نور الهادي خضر.. الصور التي تكشف وتُضمر

06 سبتمبر 2023
نور الهادي خضر في معرضه (العربي الجديد)
+ الخط -

السبب الوحيد الذي يمنع الفنان التشكيلي السوداني نور الهادي خضر من الرّسم هو المرض. ونحن نصدّق هذا لسبب مباشر وهو غزارة إنتاج مدرّس الرسم الذي عليه أن يتفقّد كلّ يومٍ محترفه ويرسم أو يطالع لوحة متعثّرة منذ عامين، فجاءت الأحداث الدامية في بلاده لتعطي الصورة الختامية لنساء يحتفي بهن دائماً ولكنهن هذه المرة لاجئات.

لدينا 47 لوحةً بمعرضه "السودان أرض الألوان"، الذي افتُتح صباح أول أمس الاثنين في الحي الثقافي "كتارا" في الدوحة ويستمر حتى السابع عشر من الشهر الجاري، وهي بلا عناوين، لكنَّ الفنان إذا سألته عن لوحة فسيعطيك عنواناً يرضيك إن كان العنوان الرئيسي غير كافٍ.

من المعرض
من المعرض

والمسألة ببساطة هي إيمان الهادي خضر بتوليفته السودانية وألوانه الصريحة التي تتدرّج بتكرارها تحت عنوان واحد هو السودان، دون أن يضطر للمزج اللوني هروباً من الواضح. إنّه يعثر ببساطة على التكنيك عبر الأكريليك الحرّ من دون ماء والعميق عمق الزيت والخشن خشونة كف الفلاح.

اللّون الأخضر العشبي والشجري يبرز أشد من غيره، ولكنّه بالطبع لا يكون مميّزاً إلّا في غابة لونية تمنحه صفة التميّز. وهذا هو الخريف السوداني الأخضر وهذا أيضاً الأخضر الذي يمثّل علامة أهل التصوّف هناك.

صور أوليّة موروثة من البيئة تعكس الفهم الأول للُّحمة والحميمية

وقد مرَّ العلامة إحسان عباس (1920-2003) أثناء تدريسه في "جامعة الخرطوم" على الخريف الذي لم يعهده في بلاد الشام، إنّه معادل الربيع الشامي، وكان الفنان الرائد إبراهيم الصلحي (1930) في مقدّمة من ذكرهم الهادي خضر من الأساتذة الذين درس تجاربهم في السودان، ولا بدّ أنّه مرّ على علامة كبرى اسمها "الحرازة"؛ الشجرة التي اشتغل عليها الصلحي، وهي تضعف حتى تكاد تموت في موسم المطر العميم. ثم تنفجر أوراقها الخضراء في موسم الجفاف.

من المعرض
من المعرض

في هذه البيئة يرث الفنان ما يعتبره في دردشة مع "العربي الجديد" الصور الأولية، هي صور تعكس الفهم الأول للُّحمة والحميمية، "حيث ولدتُ في قرية ضمن ولاية نهر النيل، أستيقظ كلّ صباح على نقيق الضفادع. لا يوجد في مسمعي ولا في الجوار سيارات".

وإذ يقول إنّه تأثّر بمن سبقوه، ولكنّه اختار بعناد أن يختلف قدر ما تمنحه ريشته، فهذا أمر لا يخرج عن "القانون" الإبداعي، غير أنّه يخبر "العربي الجديد" بما يعتبره خطأ أثناء دراسته الأكاديمية، فقد كان لا يرتاد مع الطلاب مكتبة الجامعة ليقرأ في التكعيبية والسوريالية، بل يعتزل وحده، وهو اليوم يلتهم أيّ كتاب يقع بين يديه.

غلاف الكتاب
من المعرض

هكذا هي مسيرة الفنان الذي يقيم في الدوحة، وهو عضو في "الجمعية القطرية للفنون التشكيلية"، يمكن الاستدلال عليها من مسيرة لوحاته بعنوان واحد سهل تتناسل منه الصور التي تكشف وتُضمر بعفوية.

هو لا يجيب عن سؤالي الصحفي باستفاضة، ويوشوش بحياء أنّه اشترى ثوباً جديداً من أجل حضور افتتاح معرضه، بينما قد لا يجد وقتاً لتبديل ثيابه وهو يمرّ على شخوصه الذين يملأون اللوحات: أناس يعرفهم بالاسم أو بالهيئة المألوفة يظهرون في المنظور القريب أو يتحوّلون إلى ضربات لونيّة في الأفق البعيد تحت السماء الزرقاء أو لحظات الغسق والشفق. وهم جميعهم ليسوا كائنات فوقيّة بل مطبوعة بعدالة بين الكائنات الحيّة.

وفي مناخ اجتماعي صوفي ليس من العسير ملامسة المرجعية التي تضع المرأة في منزلة علية. وكما في معارض سابقة لا ينفك الفنان يردد ما تنتمي إليه أجواؤه النسوية. إنهن مضيئات السرد البصري والحكائي بعيون كبيرة.
 

المساهمون