يُمكن القول إن المغرب، مقارنةً بمعظم البلاد العربية، أسّس شبكة مهرجانات متنوّعة ومنتظمة، والأهم أنها موزّعة على كامل خريطته، على عكس بلدان أُخرى تتركّز فيها المهرجانات في عدد قليل من المدن، خصوصاً أن مبادرات تأسيس تظاهرات ثقافية في بلدات ومدن صغرى بعيدة عن العواصم سرعان ما تموت في المهد.
هذه الصورة الإيجابية في المغرب لها قفاها، فالرؤية العامة للمهرجانات لم تتطوّر منذ عقود، سواء الرسمية منها أو المدنية، ففي كلتَي الحالتين يبدو أن هاجساً سياحياً يجري إلحاقه بالبعد الثقافي، وهو ما يجعل من كثير من التظاهرات ثقافيةً بالاسم لا غير؛ حيث يغلب عليها التكرار والبحث على إرضاء المتفرّج الخارجي.
نتج عن هذه الرؤية أن أي متابع لمشهد المهرجانات الثقافية في المغرب سيلاحظ هيمنة الطابع الفولكلوري عليها؛ حتى أنه يمكن الحديث عن تخمة، ونذكر منها: "مهرجان الفنون الشعبية" في مراكش، و"مهرجان الفنون الشعبية" في بركان، و"ملتقى الأندلسيات" في شفشاون، و"مهرجان الطرب الغرناطي" في وجدة، و"مهرجان ثقافات الواحات" في فيكيك، و"مهرجان العيطة" في آسفي.
وهي تظاهرات تأتي ضمن مواعيد قريبة من بعضها البعض، خصوصاً في الفترة الصيفية، بين تمّوز/ يوليو وآب/ أغسطس، مقابل شبه ركود في بقية أيام السنة، مع استثناء المدن الكبرى، مثل الدار البيضاء والرباط وفاس ومرّاكش وطنجة، والتي تملك وسائل لتجديد النشاط الثقافي على مدار السنة، إضافة إلى أنها لا تعاني من نمطية اللون الفولكلوري على مهرجاناتها.
خلف هذا المشهد، تظهر ملامح سياسة ثقافية تجعل من الفولكلور ركيزة من ركائز صناعة صورة عن البلاد في الخارج. ورغم زحمة المواعيد، إلا أن وزارة الثقافة والاتصال تبدو مصرّة على هذا المنهج ولا تزال – على مستوى خطابها الرسمي على الأقل – تدعم كل المبادرات لزيادة ظهور هذا النوع من التظاهرات، مع بعض التوجيهات من حين إلى آخر؛ فمثلاً زاد إبراز البعد الأفريقي في الثقافة المغربية في السنتَين الأخيرتين، وهو ما يأتي على خلفية سياسة عودة المغرب إلى "الاتحاد الأفريقي" بعد سنوات من القطيعة.
ضمن التوجّه الرسمي نفسه، جرى مؤخراً الإعلان عن بعث "مرصد للدراسات والأبحاث حول المواسم التراثية"، وهو ما يُظهر رغبة في إضفاء بعد مهرجاني على المواسم الشعبية في المغرب، علاوة على الجوانب الدراسية. يضاف إلى ذلك جهد واضح مبذول في المؤسّسات الدولية من أجل إدراج أكثر من شكل فولكلوري ضمن لوائح التراث العالمي باسم المغرب.
طبعاً، يظلّ الفولكلور جانباً أساسياً من الثقافة، ولكن لا يمكنه أن يختزلها أو أن تتوسّع تظاهراته على حساب حقول ثقافية أخرى، خصوصاً أننا حين نراجع قائمة المهرجانات الفولكلورية المغربية سنجد أن كثيراً منها لا يتجدّد إلّا في حدود تنويعات ضيّقة، وهو ما يعني أنه بعد زمن قصير سيستهلك كل قاعدة جماهيرية ممكنة.