تونس: رسائل بالجملة إلى وزير الثقافة الجديد

02 مارس 2014
الملحن مراد الصقلي وزير الثقافة الجديد في تونس
+ الخط -
رغم سيل الانتقادات الذي طال وزراء عديدين في حكومة مهدي جمعة الجديدة، فإن الدكتور مراد الصقلي، وزير الثقافة التونسي فيها، حظي بكثير من الترحاب والتفاؤل الذي عبّر عنه الفنانون والمثقفون التونسيون على اختلاف مشاربهم. فقد خبره معظمهم ملحناً ناجحاً ومديراً متميّزاً لمهرجان قرطاج الدولي ومبتكراً للعديد من التظاهرات الفريدة إبّان إشرافه على مركز الموسيقى المتوسطية في سيدي بوسعيد.

عرفنا مراد الصقلي منذ كان طالباً في السوربون يعدّ رسالة الدكتوراه منتصراً للمدرسة الموسيقية التونسية مدافعاً عنها بكل شراسة ومسلّطاً سهام النقد على المحيط السمعي التونسي الذي يسعى إلى تغييب الخصوصيات الفنية التونسية. ولم يكتفِ مراد بالتنظير مثل غيره، بل سعى الى إثبات قدرة النغمات التونسية على الابتكار والتجدّد من خلال العروض الفنية التي ألّفها لافتتاح مهرجان قرطاج قبل أن يتولى إدارة المهرجان ويترك بصمته من خلال انتقاء الجيد من العروض التونسية والعربية والدولية معيداً اليه بريقه الذي خفت في السنوات الماضية.

كلها نجاحات تحسب للفنان مراد الصقلي، أما الوزير فتنتظره ملفات بالجملة وبالتفصيل، لا تكفي فيها النوايا الطيبة، خصوصاً مع الصعوبات الاقتصادية الكثيرة ومحدودية الميزانية المرصودة لوزارة الثقافة.

ولقد عبّر الوزير لزملائه القدامى/ "منظوريه" الجدد، عن أولوياته وبرامجه الكبرى وأهمها ملف حقوق التأليف والمُلكية الفكرية، وهو ملف حارق عجزت عن فك رموزه كل الحكومات المتعاقبة قبل الثورة وبعدها لتعقيده وصعوبة تنفيذ بنوده القانونية الموجودة أصلاً، وتشتّت مراجع النظر فيه بين وزارات عديدة واستفادة الآلاف من سوقه السوداء التي لا تخضع لقانون.

ضياع حقوق الفنانين الفكرية، قذف بكثيرين منهم الى مربع الخصاصة والاحتياج مع تقدمهم في السن وخروجهم من دائرة الأضواء والشهرة. والحالات الاجتماعية المؤلمة التي شهدناها في الآونة الاخيرة، أكبر دليل على حماوة هذا الملف العاجل.

مدينة الثقافة في العاصمة، حلم توقّف في منتصف الطريق وتعطّل استكماله رغم بلوغه آخر المراحل، ويبقى من أهم الإنجازات التي ستُحسب للدكتور الصقلي إذا توصل الى تذليل الصعوبات القانونية والمالية التي تقف حاجزاً أمام الانتهاء من هذا المشروع الضخم الذي يمكن أن يقفز بتونس، عبر الممارسة الثقافية، الى مستوى يضاهي عواصم الثقافة في العالم.

تأهيل دور الثقافة، الدعم الفني، تطوير المهرجانات التي تعدّ بالمئات، إعادة الحياة الثقافية الى المدارس والمعاهد التي تشكل المخزون الحي للساحة الثقافية وجوهر العمل الثقافي، مراجعة جملة القوانين التي تسيّر المؤسسات الثقافية وتكبّلها بحكم طابعها البيروقراطي، لمّ شمل العائلة الثقافية وشق قنوات حوار دائمة تُمكّن من الإنصات إليهم بعيداً عن الشللية والمحاباة... هي بعض الملفات الحارقة التي تنتظر الدكتور مراد الصقلي، وتحتاج بالتأكيد الى الملحن الوزير أكثر مما تحتاج الى وزير يلحن حلولاً قد يعتريها بعض النشاز.

المساهمون