الأسواني.. فخ الشهرة وتهمتها

06 مارس 2014
روايته الأخيرة صدرت بترجمة فرنسية
+ الخط -
عندما نُشرت رواية "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني تلقاها النّقاد بترحاب شديد، معلنين عودة زمن "بهجة السرد"، بحسب تعبير إحدى المقالات، وتسابقوا إلى إشهار معرفتهم السابقة بهذا الكاتب المثقف الذي لم يكن معروفاً إلا في نطاق ضيق. وكان اسمه يُتداول ككاتب جيد مهمش بسبب موقفه السياسي، أصدر مجموعتين قصصيتين ورواية واحدة رفضت هيئة الكتاب المصرية نشرها، فطبع المؤلف منها ثلاثمئة نسخة على حسابه، ليكون ـ حسب تعبيره ـ كاتباً معروفاً بين النقاد لكنه بلا قرّاء.

لكن هذا الحماس خفت شيئاً فشيئاً عندما بدأ نجم "عمارة يعقوبيان" بالصعود، وأخذت طبعاتها تتكرر بطريقة لافتة وغير معهودة لدى الكتاب العرب. بل ترجمت الرواية إلى العديد من لغات العالم. عندئذ أخذ بعض النقاد السابق ذكرهم يغمزون أعمال الكاتب ملمحين بأنها تلعب في المناطق الخطرة (الدين/ الجنس/ السياسة) من أجل إرضاء غرائز القرّاء. وأصبح كثير من المثقفين يتعاملون مع الرواية بالطريقة النخبوية ذاتها التي ينظرون بها إلى روايات "عبير"، والروايات البوليسية، وتلك الكتب الموصومة بعار "البيست سيلر". كما أنّ أحد المترجمين العرب ترجم عدداً من المقالات النقدية الأجنبية التي هاجمت أعمال الأسواني دون أن يترجم مقالة واحدة لصالحه.

هذا الموقف يقودنا إلى الشك في سلامة العقل النقدي العربي، فتقلّب المواقف حول العمل نفسه لمجرد نجاحه يوحي بتوغّل فكرة ترّفع النخبوي عن الوقوع في يد العامة، لدرجة توقع الناقد في تناقض واضح. أو أنّ النقاد يريدون احتكار صكوك غفران الروايات الناجحة، ويخافون من العلاقات الحميمة بين القرّاء والعمل الأدبي التي قد تسحب السلطة من بين أيديهم.

*

حسناً، لنتناول الفكرة من زاوية أخرى: عندما أصدر الأسواني "عمارة يعقوبيان"، كانت مختلفة عن سابقتها "أوراق عصام عبد العاطي" من حيث التقنيات السردية والأفق الذي تسير فيه، وإن كانت تلتقي في الخطوط العامة مع هموم الأسواني الكتابية. ما بشر بقدرة الكاتب على التنوع والعطاء في مشروعه الإبداعي. لكنه عندما أصدر رواية "شيكاغو" ـ وهي الرواية التي انتظرها القرّاء كثيراً بعد النجاح الذي حققته مبيعات الكاتب ـ وقع في فخ تكرار النّسق الذي بنيت عليه "عمارة يعقوبيان".

في "شيكاغو" سنجد تقنية التقطيع السينمائي ذاتها التي استخدمها في "عمارة يعقوبيان"، بالصرامة ذاتها، وسنجد الدقة المحسوبة بالحرف في التوقف عند اللحظة الحاسمة والانتقال إلى قصة أخرى ليتركنا أسرى التشويق، نلهث وراء النّص لنتابع مجريات الأحداث. حتى أن الصوت الوحيد الذي منحه حرية التكلم بصوت الأنا (ناجي عبد الصمد) نجده قد خضع لهذه الصرامة ولتقنية التقطيع. كما أن الأسواني يدمر أبطاله في نهاية الرواية كما فعل سابقاً.

إن النجاح المذهل للعمل الأدبي يدفع كاتبه إلى التفكير ملياً في أسباب النجاح وعوامله ، فيدفعه خوفه من فقدان الشهرة إلى تكرار نسق عمله السابق. وقد وقع في هذا الفخ كثير من الكتّاب العالميين؛ فالروائي الياباني هاروكي موراكامي باع في اليابان وحدها تسعة ملايين نسخة من روايته "الغابة النرويجية"، مما جعله يكرر طرح الجوانب ذاتها التي اعتقد ـ مخطئاً ـ أنها سبب شهرته؛ ففي أول عمل نقرأه له، سنجد البطل يستعرض معارفه الموسيقية بطريقة تدهشنا، لكن سرعان ما يصيبنا الضجر عندما نصطدم بهذه المعارف في كل عمل له. وإن كانت مقدرة موراكامي على الغوص في علم النفس، بطريقته الغرائبية، متجددة بشكل يذهلنا، فإننا سنجد في رواياته البطل ذاته الذي يلتهم الكتب كما نلتهم الهمبرغر.

*

إن الوقوع في فخ الشهرة الذي يدفع الكاتب إلى تكرار النّسق يجعل القارئ في غنى عن قراءة أكثر من عمل أو عملين له. فنحن لسنا بحاجة لقراءة أكثر من رواية أو اثنتين لباولو كويلو لنتشرّب طريقته "التأملية" في الكتابة، ولنحفظ أسلوبه في العقدة والحل الذي يأتي دائماً في الصفحة الأخيرة. ونحن نعرف مسبقاً، رغم كل الأزمات التي يمر بها البطل، أنّ كويلو لن يضحي بقارئه وأنه سينقذ بطله ليمنحنا الرضا الذي نحتاجه.
الشهرة فخ لم يقع فيه كل الكتاب؛ فهذا غابرييل غارسيا ماركيز ـ على سبيل المثال ـ يقدّم لنا عالماً ورؤية مختلفين في كل عمل يكتبه. وقراءة "مئة عام من العزلة" لا تغني عن "الحب في زمن الكوليرا" ولا عن "قصة موت معلن". في حين تكاد رواية "كافكا على الشاطئ" تغني عن مشروع هاروكي موراكامي كله، مع التأكيد على الأهمية الشديدة لهذه الرواية.
لكن، للحكم المنصف على إنتاج علاء الأسواني علينا أن نعوّل على قراءة روايته الجديدة "نادي السيارات"؛ فهي التي ستحدد مكانه. هل سنضعه في قائمة ماركيز؟ أم سنكتفي بوضعه ضمن قائمة "يكفي أن تقرأ له رواية واحدة" ؟

دلالات
المساهمون